القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    النفط يقفز 3%    البرلمان الألماني يبحث الأربعاء تفشي الحمى القلاعية في البلاد    قوة نمو الوظائف الأمريكية تزيد الشكوك إزاء خفض الفائدة مجددا    أمريكا وبريطانيا توسعان عقوبات كاسحة على صناعة النفط الروسية    البيت الأبيض: بايدن سيوجّه خطابا وداعيا إلى الأمة الأربعاء    الإعاقة.. في عيون الوطن    ابعد عن الشر وغني له    أمين الطائف هدفنا بالأمانة الانتقال بالمشاركة المجتمعية للاحترافية    فريق جامعة الملك عبدالعزيز يتوّج بلقب بطولة كرة السلة للجامعات    "لوريل ريفر"، "سييرا ليون"، و"رومانتيك واريور" مرشحون لشرف الفوز بلقب السباق الأغلى في العالم    العروبة يتعاقد مع العراقي عدنان حمد لقيادة الفريق فنيّاً    هاو لم يفقد الأمل في بقاء دوبرافكا مع نيوكاسل    مهاجم الأهلي: قدمنا مباراة كبيرة واستحقينا الفوز على الشباب    رئيس مصر: بلادنا تعاني من حالة فقر مائي    ما بين الجمال والأذية.. العدار تزهر بألوانها الوردية    ضبط يمني في مكة لترويجه (11,968) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    «الغذاء والدواء» تحذّر من منتج لحم بقري لتلوثه ببكتيريا اللستيريا    «سلمان للإغاثة» يوزّع 2.910 من السلال الغذائية والحقائب الصحية في حلب    لاعب الشباب يغيب عن مواجهة الأهلي لأسباب عائلية    بالشرقية .. جمعية الذوق العام تنظم مسيرة "اسلم وسلّم"    مجموعة stc تمكّن المكفوفين من عيش أجواء كرة القدم خلال بطولة كأس السوبر الإسباني    ملتقى الشعر السادس بجازان يختتم فعالياته ب 3 أمسيات شعرية    «حرس الحدود» بعسير ينقذ طفلاً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    الشيخ طلال خواجي يحتفل بزواج ابن أخيه النقيب عز    عبرت عن صدمتها.. حرائق كاليفورنيا تحطم قلب باريس هيلتون    أنشيلوتي يبدي إعجابه بالجماهير.. ومدرب مايوركا يعترف: واجهنا فريقًا كبيرًا    جوزيف عون يرسم خارطة سياسية جديدة للبنان    مزايا جديدة للمستوردين والمصدرين في "المشغل الاقتصادي السعودي المعتمد"    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الأحاديث الموضوعة والبدع المتعلقة بشهر رجب    "الزكاة والضريبة والجمارك" تُحبط محاولتي تهريب أكثر من 6 كيلوجرام من "الشبو"    لإنهاء حرب أوكرانيا.. ترمب يكشف عن لقاء قريب مع بوتين    فن الكسل محاربة التقاليع وتذوق سائر الفنون    «عباقرة التوحد»..    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    «سلام» يُخرّج الدفعة السابعة لتأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي    الصداع مؤشر لحالات مرضية متعددة    5 طرق سهلة لحرق دهون البطن في الشتاء    ماذا بعد دورة الخليج؟    الحمار في السياسة والرياضة؟!    وزارة الثقافة تُطلق مسابقة «عدسة وحرفة»    كُن مرشدَ نفسك    سوريا بعد الحرب: سبع خطوات نحو السلام والاستقرار    أسرار الجهاز الهضمي    المقدس البشري    الرياض تستضيف الاجتماع الوزاري الدولي الرابع للوزراء المعنيين بشؤون التعدين    جانب مظلم للعمل الرقمي يربط الموظف بعمله باستمرار    الألعاب الشعبية.. تراث بنكهة الألفة والترفيه    أفضل الوجبات الصحية في 2025    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية ال8 لمساعدة الشعب السوري    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    ولي العهد عنوان المجد    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الحياة" في بلد "المليون شاعر" والجند والمخطوطات . الموريتانيون يخشون السقوط مجدداً في فخ ديموقراطية تفخر بأبوة العسكر 1 من 2
نشر في الحياة يوم 02 - 10 - 2007

"عندما أرغم رجال المقاومة الموريتانية المستعمر الأجنبي على مغادرة أرضهم، عبر الاستفتاء الشهير عام 1960 والذي دُعي الموريتانيون إلى الإجابة عبره بپ"نعم"لبقاء البلاد مقاطعة فرنسية، أو"لا"، يكون ثمنها"الفقر والاستقلال"، لم يكن المقاومون الذين عقدوا أول جلسة لحكومتهم تحت"الخيمة"، يتوقعون أن يخلف أبناؤهم الأجانب الفرنسيين في التنكيل بالإنسان والأرض معاً. ما خلّف تقاسم الفريقين خيبات الأمل والإحباط، فپ"العسكر"أدهشهم تصميم أحفاد المرابطين، على انتزاع حرياتهم من القريب والبعيد سيان، وبأدوات السلم والحرب كافة.
مثلما خيّم الأسى على الشعب الذي فوجئ بحماة الجمهورية العسكر يقوّضون أركانها، حينما أضنتهم حرب الصحراء، فغطوا الهزيمة أمام"جبهة البوليساريو"، بانقلاب غدا"سُنّة"الجند الموريتاني، كلما أنيطت بهم مهمة تتجاوز الاحتمال!
الفرار من الزحف... و"بنت العسكر"!
ويرجح محللون موريتانيون أن الانقلاب الأخير الذي أطاح الرئيس أحمد ولد الطايع في آب أغسطس 2005 لم يكن خارج"السنّة"التي تمنى الموريتانيون طيّها مع تاريخ قبروه بانتخابات أجمع المراقبون على نزاهتها، على رغم نقاط خلل يختلفون في تقديرها.
غير أن ذلك الإجماع لا يهم أطرافاً، يخوّفها ما يتردد بأن"كلمة العسكر"لا تزال هي العليا، حتى بعد أن سيّرت حكومة منتخبة أمور البلاد منذ بضعة أشهر، بل إن التشاؤم وجد طريقه إلى تلك الأطراف عندما أعربت عن خشيتها من حدوث"انقلاب"، إذا سوّلت للرئيس نفسه أن يخرج عن تعاليم"النافذين"من العسكر، أو يكلف مؤسستهم"العسكرية"بمهمة لا توافق أهواءهم!
ولذلك حذّر الكاتب الموريتاني محمد بن شدوا بلاده من"الركوع"مرة أخرى، وقال:"المطلوب أن يعي الجميع أن حفظ الموجود، وحماية المكاسب التي تحققت، والدفاع عنها وتطويرها، هي المهمة التاريخية الواجب عليهم الاضطلاع بها. فلتخط الحكومة خطوات إلى الأمام تقربها من ملامسة أحاسيس الشعب، وتمكنها من تحديد طبيعة العمل الذي تنوي القيام به، ولتهب كل الأحزاب والقوى الوطنية الأخرى للدفاع عن مكاسبنا الوطنية، ومنع عجلة التاريخ من التقهقر.. حتى لا نركع مرة أخرى". فشدوا على رغم احتفائه بالتغيير الذي حدث، فهو يخشى أن تكون بنت العسكر كما يسمي ديموقراطية موريتانيا ? غير رشيدة،"فالانقلاب، والعسكر، كلمتان ما أبعدهما عن"الديموقراطية"وپ"الشرعية الدستورية"، كأننا نعيش في كوكب آخر! وكأن الموريتانيين عرفوا في حياتهم الدنيا طعم ثمرة لم تجد بذرتها طريقها قط إلى تربتهم الطيبة المعطاء".
خصوصية التجربة الحديثة في موريتانيا، تأتي من زاوية أن العسكر ليسوا مجرد حراس للديموقراطية، وإنما يعدّونها مجداً هم صانعوه، الأمر الذي يعزز بقاءها طويلاً تحت رحمتهم، وتدخلهم فيها كذلك. على حد رأي الصحافي المقرب من العسكر أحمد العميرة، الذي وإن رأى أن الخيار الشعبي هو الذي انتصر أخيراً، وتجسّد في انتخابات بلدية وتشريعية ورئاسية نزيهة نسبياً، إلا أن الساسة الموريتانيين لهم سوابق كثيرة في تهميش خيار الشعب.
قلق من المستقبل
هذا الرأي لا يدفع معظم السياسيين - وكل الموريتانيين نساء ورجالاً سياسيون هذا اليوم - إلى الإحباط بالقدر الذي يجدونه داعياً إلى"الحذر من المستقبل الذي أبى إلا أن يكون مثيراً للقلق"، ويعزون ذلك إلى أن المجتمع الموريتاني لم يحصل على حرياته أخيراً، بهبة من العسكر الذين أطاحوا رأس نظامهم، وإنما كما يرى القيادي في تيار الإصلاحيين الوسطيين محمد غلام"ان المجتمع هو الذي كرّس نضاله ضد الاستبداد والظلم، ورفض أن يكون نصفه رهن الرعب، والنصف الآخر مغيباً في السجون".
وغلام الذي يعزو فضل واقع موريتانيا الحالي، إلى نضال المجتمع، اجتهد في إثبات أن"العسكر انقلبوا على النظام حماية لأنفسهم، إذ وجدوا أنفسهم بين جبهة حرب ضروس أشعلها رئيسهم ولد الطايع على القبائل والمساجد والدعاة، أوجدت حالاً من السخط والتوتر الاجتماعي، تفتحت على إثره مجالس العزاء في معظم بيوت موريتانيا، وأدت إلى محاولات انقلاب أوشك بعضها على النجاح، وبين حرب أخرى فوق طاقتهم، ضد عدو ليس موجوداً في موريتانيا، هو الإرهاب، فانتفضوا ضد واقع سيئ يعانونه".
ويستند غلام في رأيه هذا الى ما وصفه بپ"ارتداد رئيس الفترة الانتقالية أعلى ولد محمد فال عن وعوده آخر أيام رئاسته، بسبب تعرضه لحملة شرسة من قوى المعارضة الموريتانية، ورفض زميليه الشرسين محمد العبدالعزيز ومحمد الغزوان، الأمر الذي أرغمه على المضي. ففي مناسبتين مختلفتين يعرفهما الموريتانيون، حاول فال الالتفاف على الوعود التي قطعها المجلس العسكري على نفسه، ليبقى في ظل القصر الرمادي، فباء بخاتمة سياسية أحبطت انجازه الوطني".
وبخلاف غلام، يذهب أشرس الانقلابيين الموريتانيين الرائد صالح ولد حنانا إلى أن الانتخابات التشريعية والرئاسية أثبتت أن"المجتمع الموريتاني لا رهان عليه! فعلى رغم امتحانه واختباره قوى الفساد في النظام السابق على مدى عقدين، إلا أنه عاد مجدداً وانتخبها لقيادة البلاد، كأنه غير المجتمع نفسه الذي أودعته تلك الرموز السجون وحكمته بالحديد والنار، وكأن الساحة خلت من رجال ضحّوا بأنفسهم ووظائفهم من أجل إنهاء ذلك الواقع"، على حد تعبيره.
المجتمع خذل قوى التغيير الحقيقية
ولد حنانا الذي لا يخفي خيبة أمله من خذلان المجتمع للمعارضة وهو يعدّ نفسه من أبرز رجالها، اعتبر ان الإنجاز الذي حدث لم يتجاوز مناخ الحريات العامة، أما العملية الديموقراطية فلم تكن موجودة أصلاً، فأعضاء المجلس العسكري قدّموا من شاؤوا، وأنفقوا المال العام على حلفائهم السابقين، كما أرهبوا التكتلات والأحزاب وأرغموها بأسلوب غير مباشر على تأييد خيارات العسكريين الشخصية.
ومع موافقة البعض ولد حنانا على هذه الجزئية، إلا أن ذلك لا يعني نسيان أن العقيد الشاب أصابته عقدة فشل انقلابه الذي كاد أن ينجح عام 2003، عززها أن زملاءه العسكر الذين واصلوا كما يقول مسيرته، ونجح الانقلاب على أيديهم عام 2005 تنكروا لنضاله، تعاملوا معه كما لو كان"متمرداً"أو ثائراً غير حكيم، فأقصوه وعرقلوا تقدم حزبه"فرسان التغيير"، كما يزعم.
وردة الفعل التي ارتسمت على وجه حنانا، انعكست أيضاً على إجابته في مقر حزبه وهو يتحدث إلى"الحياة"عن رؤيته مستقبل موريتانيا السياسي وعسكرها، إذ اعتبر أن أي حديث عن وداع عهد العسكر والانقلابات، ضرب من الرجم بپ"الغيب"، ولا بد من استمرار"النضال"حتى تنضج التجربة، ويحدث التغيير"الفعلي"، لا الشكلي القائم حالياً!
العسكر جند الرئيس!
أما رئيس موريتانيا في الفترة الانتقالية الماضية، فإنه يعتبر في حواره مع"الحياة"كل ما يقال عن هشاشة التجربة الديموقراطية الحالية في موريتانيا، آراء لا تستند إلى دليل، ويرى أن"ما تم إنجازه كان حلماً شخصياً له ولكل الموريتانيين، ولولا تأييد الشعب الموريتاني لما نجحت في المهمة، التي واجهت اعتراضاً عالمياً، تغلبنا عليه بفضل إجماع الشعب على التحول الذي حدث".
أما العسكر الذين يتوقف دورهم الراهن عند ثكناتهم في القلاع ظاهراً، فإن فال يعتبرهم"مواطنين موريتانيين خاضعين لتوجيهات رئيس الدولة".
بينما يؤكد الرئيس سيدي ولد الشيخ عبدالله أن الحديث عن تدخل العسكر في الدولة بعد انتخابه"أقاويل تبثها مجموعات لم تتخلص بعدُ من مخلفات الحملة الانتخابية الماضية".
وحتى تقوى شوكة المؤسسات الدستورية، يظل"الركوع مرة أخرى"? بحسب تعبير ولد شدوا ? مسألة واردة، في ظل ديموقراطية تفتخر بأبوة العسكر.
لم تعد موريتانيا متحفاً لمخطوطات"خليل، والمعلقات السبع"، أو مجرد مهوى أفئدة شبان الرباط والقاهرة والجزائر والسنغال وتنبكتو، الذين يظنون أن الجامعات في بلدانهم أنشئت لتلقين التلاميذ البلداء، وأن مكان أمثالهم النابغين هنا، في بلاد يفاخر النبلاء فيها بحظهم من"السجن والمحظرة الكتاتيب!
أما شقراوات أوروبا اللواتي سئمن الرخاء والتسكع في شوارع العواصم المرموقة، وأزعجهن بريق مفاتنهن، فإنهن أيضاً سيجدن مبرراً لزيارة ديار"البيضان"، بحثاً عن"سمرة"لا تذروها مساحيق التجميل الأوروبية بسهولة.
"أهل الأرض"الذين يعتزون بتاريخهم المجيد في العلم والنضال، هم أنفسهم اليوم يفضلون الإبقاء على ما مضى تاريخاً يُروى في الأسابيع السياحية والمهرجانات الموسمية، على سبيل مقارنة الماضي بالحاضر، والجمل بالسيارة، والمستعمر بالوطني، والحكم العسكري بالحكم الديموقراطي. فهم يريدون"بلد المليون ديموقراطي"عوضاً عن المليون شاعر، ووطن الجامعات بدلاً من"المحاظر". ناهيك عن فئات تبرعت بحظوظها في الألقاب، وكل أمانيها عيش لا يكدر صفوه"الفقر والعسكر".
"الحياة"زارت موريتانيا وعادت بتحقيق عن مثقفين تنشره اليوم وغداً:
الفال لفظ أنفاس الزعامة وارتد سياسياً ... والعبدالعزيز عقيد صنع التغيير
زعم العرب أن"خلف كل رجل عظيم امرأة"، لكن موريتانيا الحديثة، غيَّرت بوصلة"المثل"ليكون"خلف كل عظيم رجل أعظم"، فلا تزال غالبية المجتمع الموريتاني تعيد الفضل في ما تحقق لبلادها، إلى مدير الأمن الرئاسي حالياً العقيد محمد العبدالعزيز وليس لرئيس الفترة الانتقالية الفال، الذي قالوا إنه"لفظ أنفاس الزعامة واحترق سياسياً".
وتنعكس أهمية العبدالعزيز لدى مواطنيه، على أحاديثهم التي لا يملكون صرفها عنه، فإذا ما شئت أن تسمع رأياً مغايراً لمدحه والثناء على دوره في"الانقلاب"وتحجيم طموحات قريبه وزميله الرئيس علي ولد فال، فإنك ستحتاج إلى بحث طويل وأسئلة كثر.
كل ما يردده المواطنون عن العبدالعزيز تسنده وقائع عاشوها، وأرّخوا لها بوقائع لم تطمس معالمها بعد، إلا أن الرجل ظل متمسكاً بالبقاء بعيداً من الأضواء. وما بقيت للمعجبين به حيلة للسلام عليه ورؤيته، إلا ترصّده في ملعب العاصمة وهو يمارس الرياضة، أو مشاهدته في التلفزيون خلف الرئيس.
غير أن ذلك لم يمنع تأثيره من الانتشار، وقد بدأت قصته بپ"الانقلاب". فهو كما يقول الموريتانيون، العقل المدبر الذي خطط للانقلاب على نار هادئة، ولم يخبر به الفال رئيس الفترة الانتقالية إلا قبل 48 ساعة من إعلانه. وهو الذي رشحه لرئاسة المجلس العسكري، نظراً إلى اعتبارات عدة، بينها أن الفال وجه مقبول في الأوساط الأجنبية، وله حضور قبل الانقلاب بوصفه كان مديراً للأمن فترة طويلة في حكومة ولد الطايع.
أما حسنة العبدالعزيز التي لا ريب فيها، فهي قطعه لآمال ولد الفال في تمديد الفترة الانتقالية، عندما أعلن الأخير فكرة طرح الاستفتاء على بقاء المجلس أو رحيله، وإنه إذا تساوى الراغبون في استمراره مع المطالبين بذهابه، فإن المجلس يستمر. وفي ذلك اليوم كما تجمع المصادر الموريتانية، انفرد العبدالعزيز وصديق له آخر هو محمد الغزواني رئيس الأمن الوطني بالرئيس الفال وقالا له:"مسألة واحدة عليك أن تستوعبها، هي أن المجلس لن يستمر يوماً واحداً بعد انتهاء مدته". ثم خرج العبدالعزيز غاضباً، وبعد ذلك أصدر الفال نفياً لما قاله! وهكذا أنقذ العبدالعزيز موريتانيا من عهد عسكري جديد.
لكن أطرافاً لا تختلف على أدوار العبدالعزيز السابقة، تتهمه بالتدخل في شؤون البلاد منذ بداية الانتخابات حتى اليوم، كما يعتقد الكاتب في صحيفة"الحرية"الموريتانية الخليل ولد بومن، الذي أكد أن"مجموعة من القرائن والأدلة تدعم تصريحات بعض السياسيين حول التدخل المباشر والمستمر لبعض قادة المجلس في كل تفاصيل قرارات القصر الرمادي، وبات من المؤكد أن قائد كتيبة الأمن الرئاسي العقيد محمد ولد عبدالعزيز هو من أبرز المؤثرين في القرار السياسي في القصر بصورة لم تعد خافية على أحد، ويأتي ذلك بعد تزعمه لحملة انتخابية كبيرة لمصلحة الرئيس الحالي".
ويزعم بومن أن التدخل دفع بعضاً لم يسمهم إلى الاعتقاد بأن"الرئيس المنتخب لا يعدو أن يكون مجرد واجهة يحركها العسكر، ولا يملك من الصلاحيات سوى الصلاة مرة واحدة في الأسبوع في المسجد الجامع بحرية مقيدة، وزيارة بعض المستشفيات واستقبال الضيوف أمام الكاميرا".
إلا أن كاتباً آخر في الصحيفة نفسها يدعى المصطفى ولد سيدي محمد، اعتبر ان ما يحظى به العبدالعزيز من مكانة لدى الرئيس الحالي، أقل ما يستحقه!"في وقت أصبح فيه الرجل مادة دسمة لكل من هب ودبّ، وملاذاً للفاشلين سياسياً وديموقراطياً، ومطافاً لكل من حلت به لعنة سياسية أو اجتماعية، لا للتزود من خبرته وتجربته ودهائه وحكمته، وإنما لاتهامه والهجوم عليه، واعتباره مسؤولاً استثنائياً عما حل بالبلاد والعباد من كوارث، خصوصاً ما نال هؤلاء من خسائر وانتكاسات بعد أن طحنتهم السياسة ولفظهم الساسة". وعلى رغم كل هذا السجال إلا أن معظم الموريتانيين، إن كانوا يخشون من تدخل سلبي من أحد، فليس من جانب العبدالعزيز الذي يعتبرونه"الصانع الحقيقي"لما يفتخرون به من تحول نحو التعددية السياسية. لكن الخطورة تأتي في ما لو اعتبر العقيد نفسه"وصياً""على ما أنجزه، حتى بعد انتخاب ولد عبدالله رئيساً للجمهورية! ومع أن ذلك أمر ستثبت حقيقته الأيام، إلا أن العلاقة الوطيدة بين الرئيس والعبدالعزيز مؤشر كبير على ثقة الاثنين في نوايا بعضهما البعض.
ربع قرن من البطش و "الانقلابات"
خلال ربع قرن، وقع في موريتانيا 15 انقلاباً عسكرياً، بينها 10 انقلابات فاشلة. الانقلاب الأول الناجح في تاريخ البلاد تم في العاشر من تموز يوليو عام 1978، حين اقتحم جنود مدججون بالسلاح في ساعات الصباح الأولى منزل الرئيس الراحل المختار ولد داداه مؤسس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وأبلغوه أن قادة الجيش نزعوا منه الثقة، وصلى ركعتي الفجر وجمع أغراضه وأخذ معه مجموعة من الكتب ثم حزم حقائبه بسرعة وصعد في سيارة لاندروفر وبعد أيام وجد نفسه في ولاته وسط صحراء موحشة على بعد1300 شرق العاصمة!
أعقبت ذلك فترة حكم الرئيس محمد خونة ولد هيدالة، الذي قاد البلاد إلى الكثير من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية كانت كافية ليقود الجيش انقلاباً تحت اسم"حركة الخلاص الوطني"بزعامة رئيس أركان الجيش معاوية ولدّ سيدي أحمد الطايع في 12 كانون الأول ديسمبر 1984.
غير أن حكم الرئيس معاوية ولد الطايع مر بمحطات خطرة، لعل أبرزها:
- 22 تشرين الأول أكتوبر 1987 عندما أعلنت السلطات عن كشف مؤامرة تورط فيها عسكريون من الزنوج الأفارقة وبين المتهمين ال51 نفذ حكم الإعدام بحق ثلاثة ضباط وحكم على 18 آخرين بالأشغال الشاقة المؤبدة.
- نيسان أبريل 1989 اندلعت مواجهات بين الموريتانيين والسنغاليين في البلدين، أسفرت عن قتل المئات وتسببت بنزوح وإبعاد عشرات الآلاف وقطعت العلاقات الديبلوماسية بين نواكشوط وداكار حتى عام 1992.
- 23 تشرين الأول 1995 تم اعتقال ناشطين بعثيين بتهمة التجسس لمصلحة العراق، وطرد السفير العراقي بينما كانت موريتانيا بين أبرز الدول العربية المساندة لنظام صدام حسين خلال حرب الخليج عام 1991.
- 28 تشرين الأول 1999 موريتانيا تقيم علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل.
- 8 و9 حزيران يونيو 2003 محاولة انقلاب على ولد الطايع يتم إحباطها بعد 48 ساعة من المواجهات والحصيلة الرسمية 15 قتيلاً و68 جريحاً.
المحاولة تبنتها"حركة فرسان التغيير"بزعامة محمد ولد شيخنا وصالح ولد حننا، وأعقبتها حملة إقالات وتغييرات داخل السلطة.
- 9 تشرين الثاني نوفمبر 2003 اعتقال الرئيس السابق خونا ولد هيدالة بعد اتهامه بالإعداد لمحاولة انقلاب.
- 28 كانون الأول ديسمبر 2003 الحكم على ولد هيدالة و14 متهماً معه بالسجن خمس سنوات مع وقف التنفيذ وحرمانه من جميع الحقوق المدنية للمدة نفسها.
- 9 آب أغسطس 2004 إحباط محاولة انقلاب جديدة لحركة"فرسان التغيير".
- 28 ايلول سبتمبر 2004 محاولة انقلاب جديدة هي الثالثة في 15 شهراً.
- 3 تشرين الأول 2004 اعتقال أحد أبرز قيادات انقلاب 8 حزيران يونيو 2003 ولد حننا.
- 3 شباط فبراير 2005 صدور الأحكام في قضية الانقلابيين التي حوكم فيها 195 مدنياً وعسكرياً بتهمة التورط في المحاولات الانقلابية الثلاث والحكم على أربعة متهمين، بينهم ولد حننا بالسجن المؤبد.
- 3 حزيران 2005 اتهام 50 شخصاً بينهم زعيم"الحركة الإسلامية"محمد الحسن ولد الدو بالتخطيط لعمليات إرهابية.
- 4 حزيران هجوم على قاعدة عسكرية في شمال شرقي البلاد يقتل 15 جندياً موريتانياً، والجماعة السلفية تتبنى الهجوم بينما المواطنون يبدون استياءهم من إهمال السلطات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.