كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن موريتانيا باعتبارها بلد الانقلابات والانتخابات، واختلطت على بعض المراقبين أسماء رؤسائها، وأصبح الكثيرون لا يميزون بين اسم رئيس حالي ورئيس سابق. وامتازت موريتانيا بأنها الدولة العربية التي شهدت أكبر عدد من الانقلابات العسكرية في تاريخها الحديث، والمفارقة الأبرز هي أن الانقلاب لكي يكتب له النجاح في موريتانيا، لا بد أن يكون سلميا، ويمر دون إراقة دماء، أما الانقلابات الدموية فعادة ما تؤول إلى الفشل، وتنتهي بمنفذيها إلى مقصلة الإعدام، أو أغلال السجون والمخابئ والمنافي. وقد حطمت موريتانيا الرقم القياسي باعتبارها الدولة الوحيدة حاليا عبر العالم التي ما يزال ثمانية من رؤسائها على قيد الحياة، سبعة منهم سابقون، ويقيمون جميعا في بلدهم الأصلي باستثناء واحد يقيم في دولة قطر. هؤلاء الرؤساء بعضهم ما زال يمارس العمل السياسي، ويطمح إلى العودة إلى الرئاسة، وآخرون اعتزلوا الحياة العامة، ويعيشون بين الناس كمواطنين عاديين. والرؤساء الموريتانيون الموجودون حاليا على قيد الحياة هم: 1 المقدم المصطفى ولد محمد السالك الذي قاد أول انقلاب عسكري في موريتانيا، وذلك في العاشر من يوليو تموز عام 1978، حين كان قائدا للجيش، وقد ترأس السالك مجلسا عسكريا للحكم يحمل اسم، " اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني" واستمر حكمه حوالي عشرة أشهر، قبل أن يزيحه زميله المقدم أحمد ولد بوسيف الذي كان رئيسا للوزراء، وذلك في انقلاب عسكري هادئ في السادس من إبريل عام 1979،، إلا أن ولد بوسيف توفي بعد شهرين من توليه الحكم، في حادثة سقوط طائرته قرب الشواطئ السنغالية، أثناء عودته من المشاركة في إحدى القمم الإفريقية. 2 الرئيس الثاني الذي حكم موريتانيا وما يزال حتى الآن على قيد الحياة، هو المقدم محمد محمود ولد أحمد لولي، الذي تولى الحكم بعد وفاة المقدم أحمد ولد بوسيف منتصف عام 1979، وفي الرابع من يناير عام 1980، أطاح رئيس الوزراء أنذلك المقدم، محمد خونا ولد هيدالة، برفيقه المقدم لولي، في انقلاب ابيض هادئ ويقيم لولي حاليا في نواكشوط ، حي يعيش حياة طبيعة بعيدا عن الأضواء والسياسة. 3 ثالث الرؤساء الموريتانيين الموجودين على قيد الحياة هو المقدم محمد خونا ولد هيدالة، الذي أطاح بزميله محمد محمود ولد احمد لولي بداية عام 1980، بعد أقل من ثمانية أشهر من توليه الحكم، وحتى لا يتكرر معه نفس السيناريو الذي وقع من ولد السالك وولد لولي، الذين أطاح بهما رؤساء وزرائهما العسكريون، سارع ولد هيدالة إلى تعيين رئيس وزراء مدني، هو سيدي أحمد ولد ابنيجارة. إلا أنه سرعان ما غضب عليه وأزاحه وأودعه السجن في نهاية إبريل عام 1981، رفقة عدد من السياسيين والضباط. وخلال فترة حكم ولد هيدالة شهدت البلاد أول محاولة انقلابية دموية في تاريخها الحديث، بعد أن كانت الانقلابات السابقة، مجرد عمليات إزاحة من المناصب يقوم بها الضباط ضد بعضهم البعض دون إراقة دماء، فقد تسللت إلى وسط العاصمة فرقة كوما ندوس تابعة للتنظيم الموريتاني اليساري المعارض "التحالف من أجل موريتانيا ديمقراطية" بقيادة ضابطين كبيرين في الجيش الموريتاني، كانا عضوين في المجلس العسكري الحاكم، هما المقدم محمد ولد عبد القادر، وأحمد سالم ولد سيدي، وقد نفذت المجموعة محاولتها ، إلا أنها باءت بالفشل بعد مواجهات دامية مع عناصر الأمن المكلفة بحراسة رئاسة الجمهورية، ووحدات من الجيش الموريتاني، واعتقل قادتها وأعدموا، وقد استمر حكم ولد هيدالة أقل من أربع سنوات، قبل أن يتكرر معه نفس السيناريو الذي وقع لزميليه السابقين السالك ولولي، فقد أطيح بولد هيدالة على يد رئيس وزرائه العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في الثاني عشر من دجمبر عام 1984. 4 رابع الرؤساء الموريتانيين الموجودين على قيد الحياة، هو العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع الذي حكم البلاد بعد أن قاد انقلابا عسكريا ضد زميله المقدم محمد خونا ولد هيدالة في 12 ديسمبر 1984، بدعم من فرنسا، وقد استمر ولد الطايع في الحكم أطول فترة في تاريخ البلاد، حيث حكمها لمدة تزيد على عشرين سنة، وخلال فترة حكمه شدهت البلاد عدة محاولات انقلابية فاشلة، كانت أولاها سنة 1987، على يد مجموعة من الضباط المنتمين للأقلية الزنجية في البلاد، وكانت تستهدف حسب ما أعلن عنه، إقامة دولة زنجية إفريقية في موريتانيا، وإقصاء الأغلبية العربية من الحياة السياسية. وفي سنة 1989 أعلن عن إحباط محاولة انقلابية جديدة، قيل إن ضباطا من البعثيين كانوا يخططون لها بدعم من نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وقد اعتقل العشرات منهم، وحوكموا. وفي شهر نوفمبر عام 2000 أعلن عن إحباط محاولة انقلابية آخرى ، بقيادة ضباط أغلبهم من المنتمين للتيار القومي الناصري. إلا أن المحاولة الانقلابية الأخطر ضد نظام ولد الطايع كانت في يونيو عام 2003، وقادها الرائد صالح ولد حننا الذي سبق وأن اعتقل وأبعد من الجيش بتهمة المشاركة في محاولة انقلابية سنة 2000، وقد كانت تلك المحاولة الانقلابية الأعنف في تاريخ البلاد، حيث شهدت شوارع نواكشوط، اشتباكات عنيفة بالأسلحة الخفيفة والثقيلة والدبابات، واستمرت لأزيد من 36 ساعة، أعلن بعدها عن فشل المحاولة واعتقال عشرات الضباط المشاركين فيها، واختفاء قادتهم، وقد أسفرت تلك المواجهات عن مقتل أكثر من ثلاثين شخصا من بينهم قائد الجيش و15 عسكريا آخرين. وقد استمر ولد الطايع في الحكم لعقدين من الزمن، ونظم عدة انتخابات رئاسية كانت تنتهي دائما بفوزه في الشوط الأول، وتصفها المعارضة بالصورية والمزورة، إلى أن أطاح به زميله ورفيقه في السلاح العقيد اعل ولد محمد فال الذي أوكل إليه ولد الطايع على مدى عشرين سنة، مهمة مدير الأمن، ويوجد ولد الطايع حاليا في قطر حيث يقيم كلاجئ سياسي. 5 خامس الرؤساء الموريتانيين الموجودين على قيد الحياة، هو العقيد اعلي ولد فال، الذي وصل إلى الحكم في الثالث من أغسطس عام 2005، بعد أن قاد انقلاب عسكريا سلميا ضد الرئيس السابق الطايع، أثناء وجود هذا الأخير في المملكة العربية السعودية لتقديم التعازي في وفاة خادم الحرمين الشريفين المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز، وقد استمر حكم ولد محمد فال تسعة عشر شهرا، وانتهى بتنظيم انتخابات رئاسية فاز فيها المرشح سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، في مارس عام 2007، وفي إبريل من نفس السنة غادر ولد محمد فال القصر الرئاسي عائدا إلى منزله بعد أن سلم السلطة في حفل كبير للرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، ويوجد اعلي ولد محمد فال حاليا في نواكشوط، وقد أعلن عن ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في الثامن عشر من يوليو تموز القادم ، أملا منه في العودة الى السلطة، هذه المرة كرئيس منتخب وليس كضابط انقلابي. 6 سادس الرؤساء الموريتانيين الذين ما زالوا على قيد الحياة، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الذي حكم البلاد لمدة خمسة عشر شهرا بعد تنصيبه في شهر إبريل عام 2007، ويعتبر ولد الشيخ عبد الله أول رئيس منتخب بشكل ديمقراطي يحكم موريتانيا، إلا أن علاقته بكبار ضباط الجيش الذين ساهموا في وصوله إلى السلطة، سرعان ما ساءت بسبب الصراع على النفوذ، وقد تمكن كبار الضباط من حشد أغلبية برلمانية داعمة لهم ضد ولد الشيخ عبد الله، الذي رد على تدخل كبار الضباط في الحياة السياسية بإصدار مرسوم عزل بموجبه قادة الأركان، وذلك صبيحة السادس من أغسطس الماضي، وبعد ساعتين من صدور القرار المذكور، كان الجنرال محمد ولد عبد العزيز قائد الحرس الجمهوري، قد أحكم سيطرته على مقاليد السلطة ووضع ولد الشيخ عبد الله ورئيس وزرائه يحيى ولد أحمد الوقف رهن الاعتقال، منهيا بذلك حقبة قصيرة من الحكم المدني الديمقراطي للبلاد، اتسمت بالاضطراب السياسي. 7 سابع الرؤساء الموريتانيين الأحياء، هو الجنرال محمد ولد عبد العزيز، الذي استولى على السلطة في انقلاب عسكري يوم السادس من أغسطس 2008، ضد الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وقد استمر حكمه ثمانية أشهر تميزت بالاضطرابات السياسية، بعد تصاعد وتيرة احتجاجات أنصار الرئيس المخلوع الذين يتزعمهم رئيس البرلمان مسعود ولد بلخير، والمطالبين بإفشال الانقلاب وإعادة الرئيس المنتخب إلى سدة الحكم. وقد استقال ولد عبد العزيز وغادر القصر الرئاسي في الثامن عشر من إبريل عام 2009، تنفيذا لخريطة طريق انتقالية، وضعها المجلس العسكري وصادقت عليها الأغلبية البرلمانية المؤيدة له، وتقضي بتقديمه لاستقالته من رئاسة الدولة، قبل أن يترشح للانتخابات الرئاسية التي كان مقررا إجراؤها في السادس من يونيو، وخلفه رئيس مجلس الشيوخ با مامدو الملقب أمباري، باعتباره رئيسا للجمهورية بالنيابة كما ينص على ذلك الدستور الموريتاني، ويجود الجنرال ولد عبد العزيز حاليا في نواكشوط، لمباشرته حملته الانتخابية لخوض الاستحقاقات الرئاسية التي تقرر تأجيلها إلى غاية 18 إبريل عام 2009، بعد اتفاق دكار الذي وقع مؤخرا بين الفرقاء السياسيين في موريتانيا. 8 ثامن الرؤساء الموريتانيين الأحياء، هو الرئيس الحالي با مامدو الملقب امباري والذي يحكم البلاد بالنيابة، وهو رئيس مجلس الشيوخ، ويعتبر أول رئيس موريتاني ينتمي للأقلية الزنجية، وقد تولى منصب الرئيس بعد استقالة الجنرال محمد ولد عبد العزيز في الثامن عشر من إبريل الماضي، وكان مقررا أن يغادر الرئاسة في السادس من يونيو الجاري، الا أن تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى غاية الثامن عشر يوليو القادم، مد في عمر فترة رئاسته بحوالي شهر ونصف. وحاليا يتطلع الموريتانيون لمعرفة رئيسهم القادم، بعد انتخابات الثامن عشر من يوليو تموز، آملين أن تقود تلك الانتخابات إلى استقرار سياسي افتقدته البلاد طويلا، وافتقدت معه أجواء ومناخ التنمية الذي تحتاجه اليوم أكثر من حاجتها لأن تضيف اسما جديدا في قائمة رؤسائها السابقين.