رغم التراجع الشكلي الذي ابدته حركة حماس ورئيس الحكومة اسماهيل هنية عن الشروط التي وضعها الاخير لتشكيل حكومة وحدة وطنية الا ان الطريق لتشكيل هذه الحكومة لم يفتح بعد. تراجع هنية ظهر من خلال قوله رداً على الانتقادات الواسعة التي وجهت اليه بان ما طرحه محددات وليس شروطاً، وانه لا يزال ملتزماً بما اتفق عليه مع الرئيس محمود عباس. واذا تذكرنا ان الشروط التي طرحها رئيس الحكومة عفواً المحددات تضمنت ازالة الحصار المالي، واطلاق سراح الوزراء والنواب، وان يكون رئيس الحكومة المقبلة من حماس وان يتم تشكيل هذه الحكومة حسب حجم الكتل المشاركة في المجلس التشريعي، وان ترافق المشاورات لتشكيلها مشاورات لتفعيل واصلاح منظمة التحرير وضم الفصائل التي لا تزال خارجها، نعرف ان المشكلة لا تتعلق في جوهرها باعتبار ما تضمنته شروطاً او متطلبات، بل ما تدل عليه من عدم وجود نية جدية لتشكيل حكومة وحدة وطنية تجسد مشاركة حقيقية، وتكون قادرة على تقديم الخدمات والاحتياجات للمواطنين وفك الحصار المالي والعزلة الدولية، والتصدي للعدوان الاسرائيلي الذي يستهدف الارض والبشر والحجر وتصفية القضية الفلسطينية. ما سبق لا ينفي ان يكون رئيس الحكومة المقبلة من حماس، ولا رفض ان تحصل حماس على عدد مقاعد اكبر من غيرها. ولا رفض تفعيل المنظمة، ولكن قبل الحديث عن المقاعد الوزارية وحصص الفصائل لا بد من التوقف امام البرنامج الذي ستعتمده الحكومة المقبلة. ولا تكفي هنا الاشارة الى وثيقة الاسرى. فهذه الوثيقة نفسها تتضمن ضرورة بلورة خطة سياسية قادرة على الفعل. وبصراحة ومن دون برنامج سياسي تعتمده حكومة الوحدة الفلسطينية ويكون قادراً على الاقلاع وفك الحصار والعزلة الدولية وتحقيق الوحدة الفعلية ومحاربة الفوضى والفلتان الأمني وتوحيد وتنظيم مرجعية المقاومة وتحقيق الخدمات والاحتياجات للمواطنين فلا معنى للحديث عن حكومة وحدة وطنية. واذا كانت حماس وغيرها من الفصائل غير قادرة على تمرير برنامج واقعي يحفظ الحقوق وغير قادرة على الحركة وتجاوز الشروط الدولية عبر الموافقة عليها بصيغة فلسطينية مقبولة، فالاولى البحث في تشكيل حكومة خبراء من المستقلين او حكومة يترأسها الرئيس الفلسطيني او حكومة مختلطة سياسية تضم خبراء يشارك بها ممثلو الفصائل من الصف الثاني، فالمسألة اذاً اعقد من شروط تضعها فتح وحماس وكأن المسألة فلسطينية - فلسطينية فقط. واذا عدنا الى تراجع حماس عن شروط هنية، فهو ظهر من خلال موافقتها على الشروع مع بقية الفصائل في حوار يستهدف التوصل الى وثيقة تحدد أسس ومتطلبات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. ومن الطبيعي ان تطرح حماس المطالب المذكورة من خلال التأكيد على لااخلاقية ولاوطنية البحث في تشكيل حكومة وحدة وطنية بينما الحكومة الحالية موزعة ما بين معتقل او مطارد، وبينما حوالي ثلث اعضاء المجلس التشريعي وعلى رأسهم رئيس المجلس يقبعون وراء القضبان. بعضهم حوكم والبعض الآخر معرض للمحاكمة ومن تبقى تتعامل معهم اسرائيل كورقة ابتزاز تستهدف الاسراع بالافراج عن الجندي الاسرائيلي الاسير. قبل بدء المشاورات لتشكيل حكومة جديدة، خصوصاً اذا كان المقصود حكومة وحدة وطنية، لا بد من حسم مصير السلطة الوطنية، واشدد على السلطة وليس الحكومة فقط. فتعامل الحكومة الحالية مع الامور على أنها على خير ما يرام وأنها قادرة على القيام بعملها والاستمرار رغم الحصار المالي والعدوان العسكري واعتقال النواب والوزراء، ما هو الا فئوية ونوع من التضليل للنفس وللآخرين، فالحكومة في حالة شلل، والاوضاع الاقتصادية والامنية في ترد مستمر ينذر بالشرور وعظائم الامور، وذلك رغم المسؤولية الكبرى للاحتلال عما آلت اليه الاوضاع. ولكن هذا لا يعفي الجميع وخصوصاً الحكومة من مسؤولياتهم لمواجهة هذا التردي ووقفه قبل ان تصل الامور الى نقطة اللاعودة. في هذا السياق لا معنى لوضع شروط تتعلق بفك الحصار المالي واطلاق سراح الوزراء والنواب لتشكيل حكومة وحدة وطنية. بل يجب وضع هذه الشروط وغيرها لاستمرار وجود السلطة بكل مكوناتها. ان تشكيل السلطة يمثل انجازاً وطنياً، رغم القيود المجحفة التي كبلتها منذ البداية، ورغم السعي الاسرائيلي لتحويلها الى اداة طيعة لحراسة الأمن الاسرائيلي. ومع أن اسرائيل فشلت في تحقيق هذا الهدف الا ان الضرورة الوطنية تفرض البحث الجدي في كل الخيارات والبدائل بما فيها خيار حل السلطة. فالاستمرار في محاولات احياء سلطة مشلولة ومحاصرة، معرضة لعدوان دائم، وتعفي الاحتلال من مسؤوليته عن الاراضي التي يحتلها، وتجاهل استحالة قيام السلطة بمهماتها ولو بالحد الادنى من دون القبول بالشروط الاسرائيلية المعروفة، لن يؤدي على الارجح الى تشكيل حكومة وحدة وطنية، ولا الى استمرار الحكومة الحالية، ولا الى انتخابات مبكرة، ولا الى حكومة طوارئ، ولا الى عودة فتح الى الحكومة بانتخابات او من دون انتخابات، وانما يقود اما الى انهيار السلطة وما سيعنيه ذلك من فوضى ودمار وانقسام واقتتال او الى قيام سلطة عميلة تتسلم الحكم على ظهر الدبابات الاسرائيلية، وانطلاقاً من الاستفادة من اعتقال النواب والوزراء الذي يجعل من الضروري ملء الفراغ الذي نشأ عنه. ولكن ورغم ما سبق، فان حل السلطة لا يجب أن يكون الخيار الوحيد، بل لا بد من دراسة هذا الخيار بكل مسؤولية وجدية. كما أن ردة الفعل على سياسة واجراءات الاحتلال ليست ترفا اكاديميا، بل ان دراسة هذا الخيار تتطلب دراسة النتائج التي ستنجم عن حل السلطة، وما اذا كان من المضمون او المرجح، رداً على التهديد بحل السلطة، ان تسارع اسرائيل الى تحقيق الشروط الكفيلة بقيام السلطة بعملها، مثل الانسحاب من المناطق أ و ب، وفك الحصار خصوصاً المالي، والافراج عن المعتقلين خصوصاً الوزراء والنواب، والشروع في مفاوضات جدية قادرة على انهاء الاحتلال خشية اقدام الفلسطينيين على حل السلطة واجبار اسرائيل على تحمل المسؤولية عن احتلالها، ام ان اسرائيل لن تخشى من حل السلطة لانها تقوم بتقويضها منذ العام 2002، ودفعتها للوقوف على حافة الانهيار، على أمل اعادة صوغها وفقاً للشروط الاسرائيلية، وما دامت السلطة لم تتحول كما تريد اسرائيل، او اصبحت عصية اكثر بعد فوز حماس باغلبية مقاعد المجلس التشريعي. وهذا قد يجعل اسرائيل غير ملتزمة كثيراً بحل السلطة، فمثل هذا الاحتمال يفتح الطريق امام اسرائيل لتجرب حظها باقامة سلطة او سلطات جديدة عميلة لها، او ادخال الاردن ومصر في الوصاية على الفلسطينيين عبر التقاسم الوظيفي، وبما لا يضر باهداف واطماع اسرائيل بضم اكبر ما يمكن من الاراضي، والتخلي عن المناطق المأهولة بالسكان، من دون تمكينهم من التحول الى دولة او كيان فاعل قادرعلى التأثير على اسرائيل. اذا لم تتجاوب اسرائيل طواعية او تحت ضغط دولي واميركي مع شروط استمرار السلطة السالفة الذكر، على الفلسطينيين التفكير جلياً باحد خيارين: حل السلطة او تغيير وظائفها ووضعها في سياق استراتيجية جديدة مختلفة، تقوم على ان عملية السلام ماتت، وانها غير مرشحة للعودة الى الحياة بسرعة، اي الكف عن رؤية السلطة كاحد افرازات اتفاق اوسلو، فهذا الاتفاق تجاوزته اسرائيل، وليس هناك ما يشير الى انها في وارد احيائه. ثانياً: اذا كان القرار الفلسطيني، كما يبدو عليه الامر حتى الآن، هو الاستمرار في الحفاظ على السلطة، لا بد من التوضيح انه حتى تبدأ المشاورات لتشكيل اية حكومة جديدة، عندنا وفي اي بلد في العالم، لا بد على الحكومة القائمة ان تستقيل او تقال، او تضع استقالتها تحت تصرف الرئيس، تماماً مثلما فعل وزير الاتصالات جمال الخضري الذي سارع بوضع استقالته تحت تصرف رئيس الحكومة تسهيلاً لنجاح المشاورات لتشكيل حكومة وحدة وطنية. اما بدء المشاورات مع بقاء الحكومة على حالها، وفي ظل المراهنات على سقوطها تحت الضغوط والاعتقالات الاسرائيلية، او الرهان على التطورات الاقليمية المقبلة بعد الحرب الاسرائيلية على لبنان، او بالتعامل مع الحكومة او السلطة كورقة مساومة من هذا الفصيل او ذاك، للاعتراف به والتعامل معه، فما هي الا مناورات من مختلف الاطراف، يحاول فيها كل طرف ان يظهر امام الرأي العام بوصفه الطرف الحريص على الوحدة. سبب تراجع حماس الشكلي عن شروطها بتحويلها من شروط الى محددات، ان هذه الشروط اظهرت ان حماس لا تريد حكومة وحدة وطنية، لان تشكيل حكومة جديدة يمكن تفسيره بوصفه اعترافاً بفشل حكومة حماس وهي لم يمض على وجودها في الحكم سوى اشهر قليلة، كما يعني بالنسبة الى حماس اعطاء طوق نجاة لحركة فتح التي تغرق في ازمتها بحيث لا تخشى حماس من منافسة فتح لها حتى لو تم اللجوء الى انتخابات مبكرة. تأسيساً على ذلك تريد حماس توسيع الحكومة وتسميتها حكومة ائتلافية او حكومة وحدة وطنية. وهذا هو الموقف الذي التزمت به، منذ تكليف هنية بتشكيل الحكومة. واقصى ما ذهبت ويمكن ان تذهب اليه حماس كما تشير المعطيات المتوفرة حتى الآن، هو حكومة تلتزم ببرنامج مع بعض التغييرات المحدودة فقط، بحيث تهيمن حماس على الحكومة مثلما كانت فتح تهيمن على كل الحكومات السابقة. واذا كانت هيمنة فتح مرفوضة في السابق رغم انها كانت تحوز على الغالبية الساحقة من مقاعد المجلس التشريعي، ورغم عدم وجود منافس حقيقي وقوي لها فان سعي حماس للهيمنة مرفوض اكثر وهي حصلت على 34% من الاصوات على صعيد الوطن، وحوالي 60% من مقاعد المجلس التشريعي، وفي ظل مخاطر جسيمة على الوطن والشعب والارض والقضية، تستوجب من الجميع، خصوصاً من يعتبر نفسه"ام الولد"، تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الخاصة والفئوية والفصائلية. على فتح ان تقنع انها لن تعود الى الحكم منفردة او مهيمنة او باغلبية الا اذا اصلحت وغيرت نفسها ونجحت في امتحان الجدارة، اما الرهان على فشل حماس بسبب الاحتلال فلن يمهد الطريق لعودة فتح. وعلى حماس ان تدرك ان نجاحها بالانتخابات باغلبية ليس نهاية التاريخ الفلسطيني، ولا بداية النضال الفلسطيني، وان موقعها الجديد يفرض عليها مسؤولية كبيرة اذ عليها أن تعتبر ان التعددية والمشاركة والديموقراطية هي نقاط القوة والمناعة الفلسطينية التي ستمكن الفلسطينيين من الصمود وستجعلهم قادرين على تحقيق النصر. حماس وحدها لن تستطيع تحقيق ذلك، على الاقل حتى اشعار آخر. واذا كان"حزب الله"استطاع ان يجلس في حكومة واحدة مع حزب الكتائب، فان حماس تستطيع المشاركة مع فتح في حكومة وحدة وطنية. * كاتب فلسطيني