ربما أكون قاسياً إذا قلت إن المرأة خذلت المرأة في انتخابات مجلس الأمة الكويتي 2006، فلم يكن متوقعاً على الأقل بالنسبة إلي ألاّ تحصل المرأة الكويتية المرشحة على القدر المفروض والمرضي من أصوات النساء الناخبات. وبداية عليّ أن أعترف بأنني لستُ بصدد معاتبة الرجل لأنه لم يرجّح كفة المرأة في هذه الانتخابات، لأن الرجل عموماً لم يُظهر اهتماماً ملحوظاً ولو على صعيد الأمنية بوصول المرأة إلى قبة البرلمان، ولأن الرجل عندنا في الكويت ليس مستعداً أن يمنح المرأة صوته، ولم يزل عند عناده الذكوري في أن الوقت لم يحن لكي تدخل المرأة مضمار الترشح والتمثيل النيابي. وليس أدل على ذلك ما صرحت به السيدة نبيلة العنجري عبر برنامج"الجزيرة"الذي استضاف عدداً من المهتمين بالشأن السياسي الكويتي قبل يوم من التصويت، حيث قالت: إنها تأسف لأنها لم تتلقَ أي دعم من الرجل ولم يبادر أحد من المرشحين عموماً إلى مساندتها أو تشجيعها أو حتى مباركة قرارها خوض الانتخابات، وعلاوة على ذلك هناك بطبيعة الحال جملة من الأسباب الأخرى التي تمنع الرجل من أن يقف بجانب المرأة في الشأن السياسي، منها ما هو مرتبط بالعادات والتقاليد البالية، ومنها ما هو مرتبط بالحالة النرجسية التي لا يزال عليها الرجل تجاه المرأة، ومنها بالتأكيد أيضاً نظرة الرجل الهامشية للمرأة، ومنها ربما ما هو أقوى من كل تلك الأسباب هيمنة الفكر الديني المتزمت الذي لا يجد في المرأة سوى تابع للرجل، ولا يرى فيها سوى وعاء لتفريغ ملذاته الجسدية ولا تصلح إلا للبيت وليس مكانها ميدان الحياة العامة. ودعونا من الشعارات المغلّفة بالأقاويل الناعمة والبراقة التي رفعها المرشحون الدينيون من أن المرأة هي أختنا وأمنا وزوجتنا وغيرها الكثير من الأقاويل الأخرى، ولم يكن الهدف منها إلا سرقة اختيارها الحر واللعب على صوتها بدهاء ومكر وهو الصوت الذي يعرفون مسبقاً أنه سيحسم نتائج الانتخابات في مصلحتهم، وإلا كيف نستطيع أن نفسر أن غالبية الدينيين من الرجال المرشحين لا يزالوا يقولون بالفم الملآن إن المرأة يحق لها التصويت فقط وليس الترشح، فضلاً عن أنهم أجبروها بفتاواهم وأحكامهم الدينية وذكوريتهم التسلطية على أن يجعلوا صوتها مغيّباً عن الإدراك والاختيار الحر. أعود إلى نقطتي التي أثرتها في البداية، وأقول إنني أعتقد بأن المرأة هي مَن خذلت المرأة في هذه الانتخابات، وربما قد يقول قائل إن هذه أول انتخابات نيايبة تخوضها المرأة، وبالتالي قد يكون هذا الحكم قاسياً عليها. ولكن مع ذلك كنتُ أتوقع الكثير من المرأة في هذه الانتخابات، لسببٍ مباشر وله علاقة وثيقة بالكينونة الآدمية للمرأة، هذه الكينونة التي كانت مهمّشة ومغيّبة عن مسرح العمل السياسي بفعل العقلية الذكورية المتسلطة والمدفوعة دائماً بالنظرة الدونية للمرأة، لذلك كان متوقعاً من المرأة أن يكون صوتها مرتفعاً وقوياً ومدوياً في هذه الانتخابات لكي تثبت أن كينونتها الآدمية ترفض شتى أنواع"الاستعمار" الذكوري. ولم تعد تابعة لعقلية الرجل التي تستبيح اختيارها الحر وكرامتها ومسؤوليتها، وربما من خلال مشاركتها الأولى في هذه الانتخابات كانت تستطيع أن تستغل هذه الفرصة وتثبت انها تقف إلى جانب حريتها كما انها تقف أيضاً إلى جانب الرجل ولكن وفق اختيارها الحر ومسؤوليتها الواعية. ولا أريد أن يُفهم من كلامي أني أصور الأمر وكأنه يجب أن تكون هناك معركة ضارية بين الرجل والمرأة في ميادين الحياة عموماً، ولكن متى ما كان الرجل يحترم بالكامل كينونة المرأة الآدمية ولا يذكّرها بالضلع الأعوج ونقصان العقل وغيرها من تلك الأقاويل التراثية المهترئة، ومتى ما كانت المرأة في المقابل واعية لدورها الطبيعي في مساندة الرجل الذي يقدّر دورها وحريتها وعقلها وقرارها، فإن الأمر في هذه الحالة يسير نحو التكامل الطبيعي في تبادل الأدوار بصيغة مشتركة لصناعة الحياة السياسية. وليس هناك أقسى من أن تكون المرأة خاضعة لاستعمار الرجل وسائرة في ركابه وفي مداراته الثقافية ذات النفَس التسلطي، وقابلة بالتالي لتفسيراته الذكورية والدينية، وراضية بواقعها المغيّب والمهمّش، وغير مستعدة لمواجهة الحياة بكامل اختيارها الحر وحريتها الكاملة وإرادتها المستقلة. وأعرف مسبقاً أن المزاج الذكوري يرفض في كل الأحوال أن تكون المرأة نداً له، لأنه يعتقد دائماً بأنه المفوض من قِبل السماء ومن قِبل التراث والتاريخ بالتصدي لمسائل الحياة الكبرى والمرأة ليست إلا تابعة له. ولا أريد التقليل أبداً من دور المرأة الكويتية في صناعة الحياة العامة عموماً أو التقليل من دورها في هذه التجربة الانتخابية الأولى، لأنها لو لم تكن مهيأة ومتعطشة لممارسة حقها السياسي لما رأيناها بهذه الحماسة تتوجه إلى صناديق الانتخاب، ولأنها أيضاً أثبتت جدارة في تحمل مسؤوليتها وخاضت المضمار الانتخابي بروح استبسالية للتأكيد على حقها الكامل في التعبير عن اختيارها وقرارها سواء كانت مرشحة أو ناخبة. وعلى رغم ذلك، كنتُ أتمنى أن تحصل المرأة المرشحة في بعض الدوائر على أكبر نسبة من الأصوات وبالذات في الدائرة العاشرة حيث ترشح عنها ست نساء، للتدليل على بداية رائعة وجدية للدور السياسي الذي أبدت في شأنه تصميماً صلباً على ممارسته بكامل حريتها وبمساندة فعلية من المرأة ذاتها. ولكني أعتقد أن هناك سببين قد يكونان وراء النقطة التي أثرتها عن كون المرأة قد خذلت المرأة في هذه الانتخابات، ربما السبب الأول يرجع إلى أن المزاج الأنثوي عموماً قد اتجه إلى مبدأ تفضيل الرجل على المرأة في مسألة التمثيل النيابي لاعتقاده بأن المرحلة الحالية بسبب ظروف حل مجلس الأمة والمواجهة مع الحكومة على خلفية أزمة الدوائر وما أثير في شأن قضايا الفساد، تتطلب تمثيلاً نيايباً من الرجل بالذات، لأنه الأقدر على التصدي لهذه المسائل. وربما قد تبدو المرأة مقتنعة الآن على الأقل بأن الرجل هو الأقدر على ممارسة العمل السياسي، والسبب الثاني في اعتقادي يعود إلى أن المزاج الأنثوي يتشكل وفق الرغبات الذكورية، وبفعل ما ذكرته بخصوص التاريخ الطويل لهيمنة عقلية الرجل الذكورية التسلطية على المرأة أجد أن هذا السبب فيه بعض المنطقية، وإلا كيف نفسر أن يفوز بعض المرشحين ممن كانوا في الأصل ضد حقوق المرأة السياسية من خلال الصوت الأنثوي؟ في النهاية، أتمنى أن تجد المرأة ذاتها لاحقاً، كما وجدتها من خلال ممارسة حقها الانتخابي، وتتحسس طريقها إلى التمثيل النيابي والسياسي من خلال إرادتها الحرة وقرارها المستقل وتواجه صنمية الرجل. محمود كرم - كاتب كويتي - بريد إلكتروني