خرجت الأكثرية في البرلمان اللبناني من الجلسة النيابية في يومها الثاني والأخير منتصرة على رئيس الجمهورية اميل لحود عندما صوتت مجدداً وللمرة الثانية على اقتراحي القانونين المتعلقين بتنظيم شؤون طائفة الموحدين الدروز في لبنان، وبالتعديلات المقترحة على المجلس الدستوري. وكان لحود امتنع عن التوقيع على المشروعين وردهما الى الهيئة العامة التي كانت صادقت عليهما في جلسة سابقة. وسيحالان القانونان على رئاسة الجمهورية للتوقيع عليهما ضمن مهلة شهر، وإلا يصبحان نافذين بعد تأييد اكثر من نصف اعضاء المجلس النيابي. وعقدت الجلسة امس برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري وفي حضور 97 نائباً، وتمثلت الحكومة برئيسها فؤاد السنيورة وعدد من الوزراء. وتميزت الجلسة باقبال كثيف للنواب المنتمين الى الاكثرية، إذ حضرها رئيس كتلة"المستقبل"سعد الحريري الذي قطع زيارته الخاصة للمملكة العربية السعودية، اضافة الى رئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط، بينما غاب نواب كتلة"الوفاء للمقاومة""حزب الله" عن الجلسة ولم يحضر منهم لدقائق سوى النائب علي عمار الذي عاد وغادر القاعة. وسيطر الهدوء خلال الجلسة على مداخلات النواب باستثناء طلب بري ان يشطب من محاضر الجلسة ما ورد على لسان نواب في الاكثرية، وخصوصاً منهم وليد عيدو، من هجوم شخصي استهدف لحود. وسعى بري الى السيطرة على الجلسة، ولم يفلت من"سيطرته"النائب في كتلة"المستقبل"سيرج طور سركيسيان مهدداً إياه بإخراجه من الجلسة في حال استمر في"الشغب"على بعض طالبي الكلام. وقدم عدد من نواب"حزب الله"تفسيراً لغيابهم عن الجلسة بأن هدفه عدم إقحام الحزب في خلاف درزي. وكان نواب الحزب صوّتوا لمصلحة القانون قبل ان تنقطع علاقته بجنبلاط. وكان لسلوك نواب كتلة"التنمية والتحرير"برئاسة بري صدى ايجابي، اذ ان النواب المنتمين لحركة"أمل"انسحبوا من الجلسة فور بدء مناقشة قانون تنظيم اوضاع الطائفة الدرزية بينما بقي النواب المستقلون في الكتلة في القاعة وصوّت معظمهم لمصلحة القانون الذي لقي في السابق تأييداً من نواب الكتلة ليس انسجاماً مع زميلهم أنور الخليل الموقع على اقتراح القانون فحسب وانما انطلاقاً من العلاقة القائمة بين بري وجنبلاط الذي كان اختلى به لدقائق قبل بدء الجلسة. وبالنسبة الى نواب تكتل"التغيير والاصلاح"برئاسة العماد ميشال عون فقد صوتوا الى جانب نواب كتلة"التنمية والتحرير"ضد القانون الخاص بالمجلس الدستوري الذي أقرته الهيئة العامة بأكثرية 68 صوتاً في مقابل معارضة 28 نائباً. وإذ لم يتبدل موقف هاتين الكتلتين عن موقفهما السابق المعترض على التعديلات بالتضامن والتكاتف مع نواب كتلة"الوفاء للمقاومة"، فإن موقف تكتل"التغيير والاصلاح"اثناء التصويت على قانون تنظيم شؤون الدروز، انقسم بين 8 نواب بقيوا في الجلسة وامتنعوا عن التصويت وآخرين غادروا القاعة وعادوا اليها لدى مناقشة المشاريع الاخرى. يذكر ان الاكثرية تمثلت في بداية الجلسة ب68 نائباً من مجموع عدد نوابها البالغ 71 نائباً وجميعهم صوتوا لمصلحة قانون المجلس الدستوري وارتفع عددهم الى 69 نائباً مع وصول نقولا فتوش متأخراً، بينما اعتذرت عن عدم الحضور النائبتان بهية الحريري وستريدا جعجع، ما يفسر ارتفاع عدد المصوتين على القانون المتعلق بالطائفة الدرزية الى 74 نائباً بعد ان انضم اليهم رئيس المجلس والنواب الاعضاء في كتلته انور الخليل، سمير عازار، انطوان خوري وميشال موسى. وكان النائب في تكتل"التغيير والاصلاح"عباس هاشم ذكّر أثناء المناقشات باقتراح النائبين بطرس حرب وبهيج طبارة وقف النظر في الطعون النيابية الى حين صدور القانون الخاص بالمجلس الدستوري وهذا ما نفاه طبارة، مشيراً الى ان الأمر يعود الى ان خمسة اعضاء من"الدستوري"كانوا امتنعوا عن مزاولة اعمالهم. وأسف حرب لأن يضطر المجلس الى التصويت على قانون رده لحود، مؤكداً ان اقتراح القانون الذي صدق عليه المجلس لا يلغي القانون الساري المفعول حتى صدور القانون الجديد في الجريدة الرسمية، مشيراً الى ان رئيس الجمهورية"وللأسف تحول من حكم الى فريق سياسي"، ولافتاً الى ان المجلس"أصبح على بينة من الاسباب التي ارفقها رئيس الجمهورية برده للقانون، ومن حق المجلس كسلطة تشريعية ان يقرر وليست هناك سلطة اكبر منه". وتدخل بري قائلاً:"قلت ان المجلس الدستوري هو الذي رفض العمل او امتنع، ان هذا المجلس ارتأى اعطاء فرصة للمجلس النيابي ليدرس اقتراح القانون ويتمعن فيه، لذلك اريد تسجيل هذه النقطة". وعاد هاشم الى طرح سؤال يتعلق بالاطمئنان الى هيئة ستعينها الحكومة وفي كيفية ضمان النظر في الطعون النيابية، فقاطعه جنبلاط مؤيداً كلامه، فبادر هاشم الى القول:"لقد شهد شاهد من أهله". وأيد النائب حسن يعقوب التغيير والاصلاح هاشم سائلاً عن كيفية توفير الحماية للجسم القضائي وهل ان الاكثرية في الحكومة وفي البرلمان ستضمن النظر بحيادية في الطعون النيابية التي تطاول نواباً منتمين اليها؟ وعلق طبارة على الاسباب التي استند اليها لحود في رده للقانون وسأل:"هل تحديد شروط الطلبات والتعيين يشكل اخلالاً بالتوازن؟". بدوره ذكر وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت ان الاعضاء الذين عينوا من قبل المجلس النيابي السابق،"كانوا اختيروا من دون التوافق وفي زمن الوصاية على لبنان". ولفت بري نظر فتفت الى ان"لا لزوم لذكر زمن الوصاية وأنا من بين الذين صوتوا او انتخبوا اعضاء المجلس الدستوري من حصة المجلس النيابي". ورأى عيدو ان رد لحود"غير مفهوم الا اذا كان يعبر عما قاله عن الاكثرية الوهمية، ان رئيس الجمهورية هو الوهمي وان القانون عادي وعدّل وفق الاصول"، وهنا طلب بري شطب كلامه من المحضر. وقال الوزير مروان حمادة من مقاعد النواب:"ان المجلس الدستوري بدأ انطلاقة جيدة، ولا نستطيع ان ننكر في السياسة بأنه في السنوات الاخيرة خضع كلياً للقرار السياسي لسلطة الوصاية ونذكر ماذا حل بقانون اصول تعيين شيخ عقل الدروز عندما طلب المجلس الدستوري ان يدعى الى انتخابات لهذا الموقع خلال شهرين ولم يتم ذلك. اريد في المناسبة ان اطمئن اعضاء الكتلة المتحمسة"التيار العوني"لهذا القانون انه لا يتعرض ابداً لمراجعات الطعون النيابية، لكن المجلس الدستوري الحالي اصبح مسخرة لدى اللبنانيين قبل ان يسقط امام هذا المجلس". وخاطب بري قائلاً:"أنت ونحن نعرف يا دولة الرئيس ماذا حل بالمجلس الدستوري وبالنيابات العامة وماذا حل بنا جميعاً، نحن ضحايا قانون اصول المحاكمات الجزائية، وكان قرارنا في الاساس ان المجلس الدستوري، كما كان قائماً لم يعد يليق بما يصبو اليه المجلس النيابي وما ينص عليه اتفاق الطائف، انه اصبح"مسخرة"عند اللبنانيين بعد ان اخذ بعض الضباط يفرضون عليه وعلى البعض في المجلس النيابي قراراتهم، وبات يأخذ أوامره من السلطة الامنية". وسأل سليم عون التغيير والاصلاح عن تعطيل دور المجلس الدستوري، وقال:"نحن مع الذين يقولون انه امتنع عن القيام بعمله، لكن لماذا لا تبادر الحكومة الى ترميمه بتعيين حصتها فيه"، مشيراً الى ان بت المجلس في الطعون النيابية من شأنه ان يغير في المعادلة. وقال وزير الاعلام غازي العريضي بعد تأييده كلام حمادة:"في ليلة سوداء حدد قرار اسود عندما كتب تقرير إبطال نيابة غابي المر، أتمنى على الجميع اذا ارادوا الانسجام مع الخط المستقيم ان اسألهم اين كتب ذلك التقرير وكيف كتب بحق نائب عطلت نيابته بقرار سياسي وأقفلت مؤسسته الاعلامية. وظلم مرتين علماً ان دور المجلس الدستوري هو دور مستقل غير خاضع لا للسلطة السياسية ولا للعسكرية. ونسأل من سيّر المجلس الدستوري ومن اخضعه للقرار السياسي. اتمنى ان تكون المرحلة المقبلة هي لتصويب المسار من مسائل كنا نشكو منها جميعاً على ان يكون من يتم اختيارهم في المجلس الدستوري على مستوى المسؤولية". واتهم لحود بأنه كان وراء تعطيل دوره، وكان يتدخل في شؤونه ويسيّر اعماله، معتبراً انه"انتهك القانون". ثم اقفل بري باب النقاش، وطلب التصويت على المشروع برفع الأيدي مادة، مادة، ثم بمناداة اسماء النواب فأيده 68 نائباً وعارضه 28. بعدها طرح بري مشروع تنظيم الطائفة الدرزية على التصويت مادة مادة، على رغم انه يقع في 54 مادة، قبل ان ينتقل الى التصويت عليه بالمناداة فأيده 74 نائباً في مقابل امتناع 8 نواب. ولدى انتقال النواب لمناقشة مشروع القانون الخاص بالجامعة اللبنانية طرح عدد منهم تأجيل البحث فيه ريثما يعاد مجدداً الى اللجان المشتركة لدراسته، فوافقت الاكثرية على الاقتراح، لكن النصاب طار فور الانتقال الى المشروع المتعلق بتعديل النظام الداخلي للمجلس النيابي فرفع بري الجلسة. "حزب الله" يوضح موقفه من المشروعين وبعد الجلسة وزع"حزب الله"بياناً أفاد فيه"ان كتلة الوفاء للمقاومة التي لم يحضر اعضاؤها اليوم امس الجلسة أكدت رفضها لمشروع قانون المجلس الدستوري بسبب اعتراضها على مادة الاحكام الانتقالية التي رأت في نصها استجابة لهوى سياسي لدى الأكثرية على حساب مبدأ استمرارية المؤسسات، ولأنها تشكل سابقة خطيرة في التشريع تهدد تبعاً للمزاجية استقرار كل الهيئات ومجالس إدارات المؤسسات العاملة في البلاد، علماً أن الكتلة أسهمت إيجاباً في إقرار بقية المواد التي من شأنها تطوير دور المجلس الدستوري وتفعيله وتعزيزه. أما لجهة قانون تنظيم طائفة الموحدين الدروز، فإن الكتلة التي لاحظت الأجواء المتوترة المتزامنة مع بت هذا القانون، رأت ان مصلحة البلاد تقضي بأن يتم التوافق على هذا الامر بين المعنيين حرصاً على تعزيز مناخ التفاهم العام المطلوب في هذه المرحلة لتحصين البلاد ضد الاستهدافات المعادية".