تنوّعت أنواع النصب والخداع في المعاملات المالية والمصرفية. وَصار الأمان المصرفي والمالي مطلباً أساسياً، وعملاً تجارياً مجزياً. وحيثما وُجد لصوص ومحترفون لسلب الناس وتجريدهم من بعض أموالهم، وُلد على الجانب الآخر من السوق طلبٌ موازٍ على الأمن ووسائله من قبل أصحاب الأموال المعرضة للسرقة. واذا عُدتَ الى بعض المواقع على شبكة الانترنت، مثل موقع صندوق النقد الدولي، أو مجلس الاحتياط الفيدرالي التابع للولايات المتحدة، فستجد من يحذرك من النصابين الذين يلجأون الى واحدة من الرذائل السبع القاتلة، وهي الطمع في تحقيق ربح سريع يعمي بصيرة الضحية الغافلة عن رؤية أبسط الحقائق، وتجعله يلغي عقله وفكره المتساقط مع لُعابه أملاً في الغنى والثراء من دون جهد أو تعب. ومن الوسائل الأخيرة أن تقوم مجموعة من الأشخاص بتسجيل أسمائهم كشركة دولية في احدى الأماكن المعروفة في العالم مثل جزر الباهاماس، أو الجزر العذراء، أَو غيرهما - ويختار هؤلاء اسماً براقاً لا يخلو من الرقي والعراقة لشركتهم، في خطوة أولى نحو جر الضحايا نحو الشبكة العنكبوتية. ويقومون من ثم بالاتصال بشخص قد يكون متعلماً عاطلاً من العمل، ولكن معلوماته في دنيا المال والاستثمار محدودة. ويرسلون له رسالة"مطرزة"محتواها أن فلاناً - صاحبنا - قد اختير من بين الألوف ليستفيد من الفرصة الذهبية التي توفرها له هذه الشركة. ويقولون له ان كل ما عليك فعله ان تجد لنا في بلدك مستثمراً نظيفاً موثوقاً وليست عليه شبهة التعامل مع المخدرات أو الأسلحة او الارهاب أو النفط المهرب، حتى يكون هو المستثمر معنا. ويؤكدون ان أسلوبهم في التعامل واضح وشفاف. فهم، أي هذه الشركة ذات الاسم الجذاب، لا يتعاملون الا مع مصارف دولية، يراوح عددها بين أربعة وخمسة فقط. وتقوم هذه المصارف بقبول الودائع ولكن بعد التحقق من أهليتها وأهلية صاحبها. ومتى ما وُضعت الوديعة في هذا المصرف، تقوم الشركة باستثمارها من خلال المصارف المعنية بوسائل تدر أرباحاً عالية جداً. وتوزع هذه الأرباح كل ثلاثة الى أربعة أشهر، شرط أن تُقتطع منها نسبة 25 في المئة للأغراض الانسانية التي يقرها مجلس الاحتياط الفيدرالي أو صندوق النقد الدولي. واذا سأل المخدوعُ الشركة عن طبيعة الاستثمارات التي تدر مثل ذلك العائد الفاحش والسريع، فسيقولون له ان هذا البرنامج معد للاستثمار في الأوراق المالية ذات العائد المرتفع، وهو خاضع لإشراف وكالة الاستخبارات المركزية، التي تريد أن تحوّل بعض الأعمال الخيرية في الدول الحليفة لها. ولأن الكونغرس الأميركي لا يعرف، أو يجب ألا يعرف عن مساعدات كهذه، فإن الطريقة التي ابتكرت بالتعاون بين هيئة الاستخبارات المركزية ومجلس الاحتياط وكبرى المصارف في العالم هو اللجوء الى هذه الوسيلة. ويؤكدون على الضحية أنه يجب ألا يتحدث في هذا الموضوع كثيراً، أولاً لأنه موضوع سياسي ونحن نريد لهذا العمل أن يبقى حالياً اقتصادياً صرفاً، وثانياً لأن الآخرين اذا اطلعوا على موضوع كهذا، فهم سيدخلون منافسين لنا. واذا قُلتَ لهُ وكيف أضمن استرداد الوديعة لصاحبها الشريف النظيف اذا لم تتحقق الأرباح المرجوة، يقول لك ان الوديعة ستبقى باسم صاحبها، وكل ما هو مطلوب هو اعطاء هذه الشركة المسجلة في الباهاماس حق التصرف بها، ويضمنون لك أنك ستكون قادراً على فكها بعد ثلاثة أشهر. واذا سألت عن نسبة الأرباح المتوقعة، فيجيبك انه في الحقيقة لا يدري تماماً، ويمكن أن تصل الأرباح الى بلايين الدولارات خلال مدة قد لا تتجاوز الشهرين. ولكن أحياناً لا يأتي"حساب الغزايا مثل حساب السرايا"كما يقول المثل الشعبي، فتقل الأرباح الى بليون واحد فقط، وخلال مدة قد تصل الى ستة أشهر. فإذا قلت ولكن المصارف الضالعة في هذا الاستثمار ليست بحاجة الى ودائع مربوطة من الناس الأغنياء الشرفاء لكي تزيدهم غنى بهذه السرعة، فلماذا لا تبقي المصارف الدولية الكبيرة هذه الأموال لحسابها أو لحساب كبار عملائها؟ فيقول لك: هذه سياسة دول، وهم يريدون أن يفيدوا الناس المؤهلين في الدول النامية. فالمصارف الدولية الكبرى لا تخصص ربع مواردها لهذا العمل الانساني الذي تريد الاستخبارات المركزية الأميركية الاضطلاع به. وهكذا تُحبك الخيوط. واذا نظرت في شبكة الانترنت لترى ان كان هناك بسطاء وسذج يقعون في هذه الحبائل، فتجد العجب العجاب، وهو أن أعداداً كبير من الأغنياء الباحثين عن الثراء السريع، لا سيما أولئك الذين يريدون الاستثمار في أعمال الخير وأن يكونوا وسطاء في نقل الأموال الغربية الى العالم العربي، أو الأفريقي، أو الآسيوي، أو اللاتيني. وللعجب كم من مئات الملايين اقتنعت بهذه الطريقة المغرية لأنها تتم عبر قنوات مشروعة، ومؤسسات كبيرة، ومصارف دولية ضخمة، وأناس من المستثمرين الشرفاء أصحاب الكرامات والشفافية. وقد حصلت معي هذه القصة حين أتى لزيارتي شاب مهندس ليعرض علي الفكرة. ولما دَخلتُ الى"الانترنت"وجدت التحذيرات المتكررة الصادرة عن المؤسسات التي قال لي هذا المهندس انها جزء من العملية. ولم يرد تصديقي ان هذه حيلة ووسيلة تستغل حب الانسان للمال السريع. وأخذ أوراقه مني غاضباً وخرج ليبحث عن شخص آخر يتعاون معه في هذه الفرصة الثمينة التي لم أقدرها أنا حق التقدير. خبير اقتصادي لدى "البصيرة للاستشارات" .