جاءتني تعليقات ليست كثيرة، لكنها نوعية، عن الموضوع الأخير الذي كتبته ودار حوال السندات المغطاة، وكيفية ادخالها وسيلة مالية لأجل تعميق أسواق رأس المال وتوسيعها، بغية استخدامها بعد ادخال بعض التعديلات عليها لانشاء صندوق تثبيت لمنع التدهور في أسعار العقارات من طريق ضمان شرائها بحد أدنى من الأسعار. ومع أن فكرة السندات المغطاة ليست جديدة، اذ ابتدعها الفرنسيون في منتصف القرن التاسع عشر، الا انها استمدت قوة وعافية جديدتين بعدما وضع قانون خاص بها في فرنسا عام 1999. وقد حدد القانون حق اصدار هذه السندات وادارتها لشركات مالية متخصصة في هذا النوع، بدلاً من تعميم هذا الحق على جميع مؤسسات الوساطة المالية. وهنالك اقبال دولي عليها. وذلك لأنها مغطاة بكفالة الرهونات العقارية، ولمدة 3 سنوات في شكل عام قابلة للتمديد سنتين اضافيتين، ولأن المردود عليها معقول، ويفوق نسبة الفائدة على الودائع ذات الأمد المماثل. وقد كان الاعتراض الأساسي من رئيس مجلس ادارة مجموعة أعمال واستثمار كبرى، على أساس ان هذه السندات لها غاية محددة، وهي الاستثمار من جانب مديري المحافظ المالية الذين يرون فيها ضمانة كافية لأموالهم. وكذلك، فإن المعترض احتج بقوة على فكرة انشاء صندوق التثبيت العقاري قائلاً إن أي تراجع في أسواق العقار سيؤدي الى افلاس هذا الصندوق، وتكبيد الجهة التي تتبناه خسائر مادية كبيرة جداً. ان الأشخاص الذين يقومون بالاستثمار في سوق العقار وانما يقومون بذلك بحرية تامة، وبملء ارادتهم، فلماذا يريدون من أحد أن يتولى عنهم مسؤولية اتخاذ القرار؟ وأضاف مع آخرين ممن قرأوا المقال في قطاع المال الأردني، أن الصندوق المقترح يوحي بخلق مناخ عدم الثقة من الجهات الرسمية باستمرار الزخم في سوق العقار. واذا بادرت هذه الجهات الى انشاء مثل هذه الوسيلة الاستقرارية، فستكون النتيجة المحتومة تخوف المشترين، واشتداد رغبتهم في البيع، ما يجعل المخاوف التي يسعى صندوق التثبت الى دحضها مؤكدة لذاتها. ويرى صاحب الاعتراض الذي نحترم رأيه، ان الصندوق في حالة نجاحه سيحول دون احداث التصحيح الأوتوماتيكي في السوق، والتي ان حصلت ستجعل السوق أقوى وأكثر دينامية. ولا يستطيع الباحث الا أن يأخذ هذه الأفكار والانتقادات الأخيرة لمقترح"صندوق التثبيت"بالجدية والاهتمام اللذين يستحقانها. ولكن هذا لا يعني ان المقترح الذي قدمته قد صار غير مجدٍ أو قليل النفع. بل على العكس، فإنني أرى فيه فوائد، وبخاصة في الاقتصادات التي حفزت سياساتها الاستثمار في العقار، وحضت عليه، وتبنت السياسات والقرارات الرافعة له والداعية لمزيد منه. ولنأخذ على سبيل المثال ما يجرى حالياً في امارة دبي. ان ما يراه المرء هناك من روافع وعمار وبناء يجلب السرور والدهشة في آن. وقد صارت حركة الاعمار والبناء قوية الى الحد الذي أصبح معه هذا القطاع الرائد والمحدد لهوية اقتصاد دبي ولمستقبلها. ومن الواضح ان ارتفاع الايجارات في دبي في الآونة الأخيرة قد حفز المزيد من الاستثمار في قطاع الانشاءات السكنية. ومع هذا فإن هنالك أزمة واضحة في الشقق المعروضة للايجار، حيث لا يوجد الكافي منها. ومن الواضح ان دفعاً كهذا لا ينبئ بحصول أزمة في الطلب على السكن. فالشقق التي تبنى لغاية البيع ستؤجر ان لم تُبَعْ. ولكن الذي يوجد الطلب على الشقق ليس القاطنون فحسب، بل المستثمرين في العقار أيضاً بهدف الربح. فالحديث العام الذي يتداوله الناس هو أن الاستثمار في العقار يعود بالربح السريع كما الأسهم. وهنالك روايات من أناس يشترون العقار اليوم، وبعد شهر أو شهرين يعيدون بيعه بأرباح مجزية خصوصاً اذا قسناها على المبلغ الذي دفعوه عند توقيع العقد. وهو جزء يسير من كلفة العقار الممول من احد المصارف أو المؤسسات المالية المتخصصة في تمويل العقار بالأقساط الطويلة الأجل. ولهذا تدافع كثير من المشترين على شراء الشقق، وخصوصاً في"دبي"، بأعداد كبيرة ليس بهدف السكن، ولكن لإعادة البيع بأرباح سريعة. والسؤال هنا، هو هل إن أعداد الراغبين في شراء الشقق حتى بأسعارها المغرية للمستثمرين قد يتناقص الا اذا توافرت الحوافز مثل الاقامة الدائمة، وهذه لا يزال حولها بعض الاشكالية، وكذلك اذا تم ضمان نقل الملكية، وهذه لا تزال بحاجة الى توضيح أكثر، واذا توافرت الضمانات بأن الخسارة يمكن تجنبها؟ والخوف هو أن حدوث التصحيح في سوق العقار ربما يكون على حساب المستثمرين الذين قاموا بتمويل مشترياتهم اما من صناديق تقاعدية أو صناديق ادخار، أو انهم مستثمرون مخاطرون اقترضوا الأموال ولا بد لهم من تسييل الأرصدة ليتمكنوا من سداد ديونهم. واذا حصل مثل هذا الطارئ فكيف ستكون الآثار المترتبة عليه؟ ان مخططات دبي هي أن تنمو بسرعة سكانية كبيرة، وأن يتم استغلال كل شبر فيها، وهذا كاد أن يحصل أو أقله التخصيص للأغراض الاستثمارية المختلفة. ولذلك، فإن احتمال حصول تصحيح وارد على الطريق. واذا تضخم رد الفعل، وهرع المستثمرون الى تسييل موجوداتهم، فإن من الصعب استعادة الثقة في الاقتصاد. صحيح ما ورد في الاعتراض من ان ارتفاع التكاليف في دبي بات يتطلب تصحيحاً حتى يخلق الحوافز الجديدة للاستثمار. ولكن يجب أن نتذكر في المقابل ان حصول رد فعل كبير قد يتطلب سنوات كثيرة لاستعادة الثقة، خصوصاً ان هنالك أسواقاً خليجية جديدة جاهزة لاجتذاب أي استثمار يتحول عن دبي. ان كلفة انشاء صندوق التثبيت ستكون قليلة جداً قياساً بكلفة التراجع الكبير في عوائد الاستثمار العقاري. والدول كلها تنشئ صناديق وآليات للتثبيت وهي تخسر تارة، ثم تستعيد ارباحها عندما تنشط السوق ثانية. وهنالك أرصدة كبيرة تخصص عبر عمليات السوق المفتوحة للتأثير على أسعار الفوائد في اتجاه معين، أو لتحفيز الاقتصاد، أو للحفاظ على الأسعار. وهذه التكاليف تكون محدودة ان كانت الأنظمة والشروط الحاكمة لمثل هذا الترتيب مدروسة بحرص وعناية. خبير اقتصادي.