يشهد قطاع الخدمات المصرفية نمواً متسارعاً، حيث بلغ حجم الأصول للبنوك الإسلامية في نهاية عام 2006نحو 700مليار دولار، وهو رقم مرشح للزيارة بشكل كبير. ونظراً لأهمية الموضوع فإنه يسعد المجلة أن تقدم لقرائها وعلى حلقات عدة شرحاً علمياً وموضوعياً مترابطاً عن البنوك الإسلامية حيث نعتقد أنها المرة الأولى التي تتناول فيها مجلة هذا الموضوع من كافة جوانبه الفكرية والفلسفية والعملية إذ عادة ما يتم تناوله بشكل وصفي وسطحي. جذور الصناعة المصرفية الإسلامية والفلسفة التي تقوم عليها ترجع فكرة الأعمال المصرفية الإسلامية إلى حقبة صدر الإسلام حيث عرفت الحضارة الإسلامية صوراً مصرفية مختلفة ومنها: 1- الوديعة والقرض: حيث كان الناس يودعون أموالهم عند الزبير لأمانته، فيطلب منهم أن تكون هذه الودائع على شكل قروض ليستطيع أن يستثمرها إذ لا يجوز استثمار الوديعة او الأمانة أما القرض فيجوز استثماره حيث سيضمن الزبير سداد القرض. 2- التعامل بالعملات: حيث اقر الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يقوم به ابن عمر رضي الله عنه عندما كان يبيع الإبل بالدنانير ويأخذ الدراهم، ويبيعها بالدراهم ويأخذ الدنانير. 3- التعامل بالأوراق التجارية غير النقدية: حيث كان الصيارفة في حقبة ما من الحضارة الإسلامية يصدرون أوراقا تمثل تعهدات مكتوبة بدفع مبلغ نقدي معين لحاملها او صاحبها عند الطلب بالمقابل يمكن لحاملي هذه الأوراق صرف قيمتها من صراف آخر من بلد آخر. 4- أما فكرة إنشاء البنوك الإسلامية في العصر الحديث، ووضعها موضع التطبيق فقد بدأت من مصر في عام 1963حيث قدم الدكتور أحمد النجار فكرة بنوك الادخار المحلية والتي تقوم على تجميع المدخرات المحلية واستثمارها وفقاً لصيغة المضاربة الإسلامية وبعد ذلك توالت التجارب وكما يلي: - 1971- بنك ناصر / مصر - 1975- بنك دبي الإسلامي / الإمارات - 1978- بنك فيصل / السودان - 1978- بنك فيصل / مصر - 1978- بنك التمويل الكويتي / الكويت - 1978- الشركة الإسلامية للاستثمار / الشارقة - الإمارات - 1979- البنك الإسلامي الأردني / الأردن - 1979- بنك البحرين الإسلامي / البحرين - 2006بنك نور الإسلامي/ الإمارات واليوم يزيد عدد البنوك الإسلامية في كافة أنحاء العالم على 350بنكا. تعريف البنك الإسلامي البنك الإسلامي هو مؤسسة مالية مصرفية تقوم بدور الوساطة المالية بين فئتي المدخرين والمستثمرين في إطار صيغ التمويل الإسلامي المشروعة التي تنبذ الفائدة أخذاً وعطاءً، إضافة إلى تقديم الخدمات المصرفية المتعلقة بذلك الدور وفق الضوابط الشرعية. نلاحظ من التعريف ما يلي: 1- البنك الإسلامي يتلقى من العملاء أموالهم دون أي التزام بإعطاء عائد ثابت لهم. 2- يلتزم البنك الإسلامي بقواعد الشريعة الإسلامية في كافة نشاطاته ومعاملاته. 3- يقوم البنك الإسلامي بدور الوساطة المالية وذلك بحشد الأموال من أصحابها وتوجيهها إلى قطاع المستثمرين وفق صيغ التمويل الإسلامي المشروعة والتي سيتم تناولها في حلقات قادمة. خصائص البنك الإسلامي توضح خصائص البنك الإسلامي فلسفته، أي الرسالة التي يحملها والدور الذي يقوم به، ويشمل ذلك أهدافه ومبادئه وكما يلي: 1- الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية، حيث تعتمد فلسفة العمل المصرفي الإسلامي مبدأ أن المال هو مال الله وان الإنسان مستخلف فيه وعليه فالإنسان مقيد بشرط من استخلفه إياه وهو الله عز وجل، وتطبيقا لهذه الفلسفة فإن على البنوك أن تحصل على المال بالطرق "الحلال"، وان تستثمرها وتنميها بالوسائل المشروعة ولضمان ذلك يجب أن يتوفر هيئة رقابة شرعية مستقلة في كل بنك. 2- نبذ الربا وعدم التعامل به: وقد حرمت الشريعة الربا لأنه ظلم حيث تنشأ عنه طبقات طفيلية تحصل على المال دون بذل جهد او تحمل أية مخاطر وقد ورد تحريم الربا في ثماني آيات قرآنية موزعة على أربع سور من سور القران الكريم هي (البقرة، آل عمران، النساء، الروم) وتعد الفوائد المصرفية على أنواع القروض والودائع من الربا المحرم، وفي نفس الوقت فقد قدمت الشريعة البدائل العملية للفائدة والتي تشكل الأساس لعمل البنوك الإسلامية وهو ما يعرف بصيغ التمويل والاستثمار الإسلامي. 3- المسؤولية الاجتماعية والمتمثلة بضرورة مراعاة مقاصد الشريعة في تنمية المال والحفاظ عليه ومراعاة مصلحة المجتمع بتوجيه الموارد المالية نحو أفضل الاستخدامات. أهداف البنوك الإسلامية 1- تطبيق المنهج الإسلامي في المعاملات المصرفية ويتضمن ذلك الالتزام بالمبادئ الإسلامية في المعاملات المصرفية، واستيعاب وتطبيق وظيفة المال في الإسلام. 2- تحقيق أهداف أصحاب البنك ويشمل ذلك تحقيق الأرباح للمساهمين وتعزيز تنافسية البنك في السوق المصرفية وتعظيم ثروة الملاك بزيادة أسعار أسهم البنك في السوق المالي. 3- إشباع حاجات الزبائن ويشمل ذلك حفظ أموال المتعاملين وتوفير متطلباتهم وكذلك تسهيل وتبسيط إجراءات التعامل لضمان راحة الزبائن. 4- رعاية مصالح المجتمع وذلك بتمويل بعض النشاطات التي تهم المجتمع وتيسير تحقيق التكافل الاجتماعي عن طريق قبول أموال الزكاة وتوزيعها والاهتمام بقضايا المجتمع ومشاكله ومن ذلك دعمه للنشاطات التي تحمي البيئة. آلية العمل البنكي الإسلامي كما بينا سابقاً فإن البنك الإسلامي هو مؤسسة مالية مصرفية تقوم بدور الوساطة بين فئتي المدخرين والمستثمرين في إطار صيغ التمويل الإسلامي المشروعة، وعلية فإن هذه الوساطة تتضمن مجالين للتعامل: المجال الأول: الموارد المالية أي مصادر أموال البنك المجال الثاني: استعمالات الأموال أي طرق توظيف الأموال المجال الأول: الموارد المالية للبنك الإسلامي تصنف الموارد المالية أو مصادر الأموال في البنوك الإسلامية إلى مصدرين رئيسين، هما مصادر خارجية، وأخرى داخلية. وبالنسبة للمصادر الخارجية، فتأتي أساسا من الودائع والتي تشكل الجزء الأكبر من موارد البنك الإسلامي. والأساس الذي يقوم عليه استقطاب الودائع أو أموال الغير هو المضاربة والتي تعني أن يقدم أصحاب الأموال أموالهم للبنك الإسلامي ليقوم الأخير باستثمارها بحيث توزع الأرباح حسب النسبة التي تم الاتفاق عليها أما الخسارة فيتحملها أرباب المال إلا في حالات التعدي والتقصير من قبل البنك. ويستحق البنك الإسلامي الربح فقط في حالة تحققه، وإذا لم يتحقق ربح خسر البنك جهده وتحمل أرباب المال الخسارة المالية. كما يقوم البنك الإسلامي بإدارة استثمارات أموال الغير بأجر مقطوع او نسبة من المال المستثمر، وذلك على أساس عقد الوكالة بأجر، ويستحق البنك الإسلامي هذا الأجر بأداء العمل سواء تحقق ربح أم لا. إذن فالعمل المصرفي الإسلامي لا يتاجر بالائتمان، أي لا يمنح القروض بفائدة ويتكسب من الفرق بين الفائدة المدفوعة على الودائع والمحصلة من القروض. كما أن العمل المصرفي الإسلامي يفترض وجود المخاطرة ويسعى لتقليلها والمخاطرة ناتجة عن التمويل الحقيقي للنشاطات الاقتصادية في المجتمع. نعود إلى موارد البنك الإسلامي ومصادر أمواله الخارجية (الودائع) والتي تشكل نصيب الأسد من موارد البنك الإسلامي، وتشمل هذه الموارد ما يلي: أ- الحسابات الجارية: حيث لا يتقاضى أصحابها أية أرباح فهي إذن مصدر مالي عديم التكلفة، وهي مضمونة الرد لأصحابها، ويحق للبنك الإسلامي أن يستثمرها، وهذا يتطلب استثمارها في استثمارات قصيرة الأجل بحيث يمكن تحويلها إلى سيولة فوراً لمواجهة طلبات السحب من هذه الحسابات. ب- حسابات الاستثمار: وهي من أهم طرق حشد الأموال، وهي البديل الشرعي للايداع بفائدة وتودع هذه الحسابات في البنوك الإسلامية إما على أساس مبدأ المضاربة المطلقة أي للبنك الإسلامي الحق في استثمارها في أي مجال يراه مناسباً او على أساس مبدأ المضاربة المقيدة التي تحصر مجال الاستثمار في نوع معين. والمضاربة (أن يودع المستثمر أمواله لدى البنك الإسلامي بحيث يقوم الأخير باستثمارها وتقاسم الربح مع المستثمر حسب النسبة المتفق عليها ويتحمل أصحاب المال الخسارة في حالة تحققها). ج- التورق، وهو أن يقوم البنك بشراء أصول بثمن مؤجل ثم يبيعها بثمن معجل لغير من اشتريت منه، وهي وسيلة للحصول على السيولة. وللتورق بعض المحاذير الشرعية لذلك يتطلب دقة متناهية في تنفيذ مثل هذا النوع من التعامل، ووضع آلية لتنفيذه في ضوء الضوابط الشرعية. د- الصكوك: وتعني تحويل الأصول العينية او المنافع إلى صكوك قابلة للتداول في السوق المالي والصكوك تحقق للبنك الإسلامي وسيلة لتوظيف السيولة الزائدة لديه. ه- صناديق الاستثمار في الأسهم. مصادر أموال البنك الإسلامي إن البنك الإسلامي لا يستطيع الاستفادة من التسهيلات التي تقدمها البنوك المركزية، والتي تعتبر في العادة الملجأ الأخير للبنوك، عند الحاجة إلى السيولة السريعة، بسبب أن تلك العمليات تتم وفق أسلوب الفائدة الربوية.