من حق المشايخ الكرام المهتمين بالمال وشؤونه أن يبتكروا أساليب مصرفية ويقولوا إنها هي (الصيرفة الإسلامية) الحقة التي تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية حتى لو كانت من (زجاج). ومن حقهم أن يروجوا لها ويحاولوا إقناع الناس بها، وإلى هذا الحد فليس من المناسب الاعتراض عليهم، لكن حين لا يكتفون بذلك، بل يهاجمون المصارف القائمة (البنوك) التي تقوم بالدور المصرفي الحقيقي ويعتمد عليها غالبية المواطنين، ويرجمونها بالحجارة قائلين إنها حرام ويحذرون المتعاملين معها مدعين أنهم (أي المتعاملين مع البنوك) آثمون ويمارسون الحرام ويستخدم هؤلاء المشايخ أسلوب تعذيب الضمائر.. حين يحصل هذا، فإنه من حقنا وحق غيرنا حينئذ أن نرد عليهم، ولا يلام أحد لو رجم نماذجهم بالحجارة كما فعلوا. وأبلغ رد عليهم هو مقارنة نماذجهم (الحلال) بنماذج البنوك (الحرام) ليتضح أي النموذجين أكثر حناناً على المواطنين المحتاجين لها، وأيهما أكثر عدلاً وإنصافاً، وبالتالي أيهما أكثر تحقيقا لمقاصد الشريعة، ثم نترك للمشايخ الآخرين وللمواطنين بصفة عامة الحكم فيما يخص الحلال والحرام. وسأختار من نماذجهم عمدة تلك النماذج وهو (الراجحي المصرفية)، ومن النماذج البنكية عمدة تلك البنوك في المملكة وهو (بنك الرياض)، وهناك سبب آخر لهذا الاختيار غير القِدم، وهو تماثل هذين النموذجين في حجم رأس المال (15) مليار ريال لكل منهما، وتقارب حقوق المساهمين (28 مليار ريال في الرياض و29 مليار ريال في الراجحي المصرفية)، وكذلك تقاربهما في حجم ودائع العملاء (125 مليار ريال في بنك الرياض و141 مليار ريال في الراجحي المصرفية)، وأخيراً تقاربهما في الموجودات (176 مليار ريال في بنك الرياض و 181 مليار ريال في الراجحي المصرفية). وهذا التماثل أو التقارب في رأس المال وحقوق المساهمين والودائع والموجودات يسهّل استخلاص النتائج لأنه يعني تقارب المبالغ المستثمرة، ولن نقول إن المفروض أن تكون أرباح (الصيرفة الإسلامية) أقل بكثير من أرباح البنوك، لأنها كما يفترض هي الأرحم والأكثر رأفة وحناناً على المودعين والمقترضين أيضاً، ولكن نقول إنه يفترض أن تكون الأرباح متقاربة، وإذا وجد تفاوت فلا يكون كبيراً، أما إذا وجد هذا التفاوت الكبير في الأرباح فهذا لا بد أن تكون له دلالاته. هل تصدقون أن شركة الراجحي المصرفية التي تستثمر مبلغاً يقارب المبلغ الذي يستثمره بنك الرياض بالطريقة نفسها التي هي إقراض المحتاجين والاستثمار تربح ما يقارب ثلاثة أضعاف ما يربحه بنك الرياض فتحقق في الثلاثة أشهر (الربع الثالث للعام الحالي 2010) أكثر من 1.600 (ملياروستمئة مليون ريال) ، وكان من الممكن أن تبلغ المليارين لو لم يتم وضع مخصصات كبيرة، في حين أن بنك الرياض لا يربح في الفترة المماثلة سوى 610 (ستمئة وعشرة ملايين ريال)؟ طيب.. لماذا تربح الراجحي المصرفية المليارات ولا يربح بنك الرياض سوى مئات الملايين مع أن حجم المبالغ المستثمرة في الجهتين متقاربة؟.. هل يعود ذلك لكفاءة العاملين في الراجحي المصرفية وضعف كفاءة العاملين في بنك الرياض؟ لا طبعاً.. ولكن يعود ذلك في المقام الأول إلى أن بنك الرياض (النموذج الربوي الحرام) يعطي مودعيه بعض الأرباح التي يحصل عليها (عوائد على ودائعهم) وهذا لا يحصل في الراجحي المصرفية، فهي في الغالب لا تعطي المودعين شيئاً من أرباحها على اعتبار أن إعطاءهم بعض الأرباح مما يتناسب مع حجم ودائعهم حرام، ولذلك تقوم بالاستئثار بكامل الأرباح التي تحصل عليها من عملية إقراض ودائعهم للمحتاجين.. وهذا هو السبب الأول. أما السبب الثاني فهو أمر استنتاجي وهو أن الفوائد التي يحصل عليها بنك الرياض من إقراض المحتاجين والاستثمار أقل من الأرباح التي تحصل عليها الراجحي المصرفية، الأمر الذي يوحي بأن الراجحي المصرفية (النموذج الحلال) تأخذ من المقترضين المحتاجين أرباحاً أكثر من الأرباح التي يأخذها منهم (النموذج الحرام) الذي هو بنك الرياض، وهذا يفهم منه أن (النموذج الربوي الحرام) أكثر حناناً ورأفة ورفقاً بالمودعين والمحتاجين للاقتراض من النموذج (الإسلامي الحلال). ولأن ما تحصل عليه الراجحي المصرفية من الأرباح مقابل إقراض ودائع عملائها للمحتاجين أكثر بكثير مما يحصل عليه بنك الرياض فإن ما توزعه الراجحي المصرفية على المساهمين (أصحاب المصرف) أكثر بكثير مما يوزعه بنك الرياض على مساهميه (أصحاب البنك)، فبنك الرياض وزع عن نصف العام الحالي (60) هللة عن كل سهم، أما الراجحي المصرفية فوزعت عن نصف السنة 1.60 (ريالاً وستين هللة)، ولعلكم تلاحظون أن هذا يتناسب مع حجم الأرباح في كل منهما. كذلك فلأن الفوائد التي تحصل عليها الراجحي المصرفية أكبر بكثير من الفوائد التي يحصل عليها بنك الرياض فإننا نلاحظ الفرق الكبير في نمو رأسمال كل منهما، فالراجحي المصرفية نما رأسمالها ووصل إلى ما وصل إليه بشكل سريع وجاء ذلك من الأرباح التي تتراكم سنوياً بعد التوزيعات، حيث إن نمو رأسمالها كله جاء من الأرباح وليس من الاكتتابات الجديدة، وقد كان رأسمالها في عام 2005 في حدود الخمسة مليارات ريال وتتالت قفزاته حتى وصل إلى 15 مليار ريال، أما بنك الرياض فأغلب النمو في رأسماله جاء من الاكتتابات الجديدة وليس من الأرباح، فقد كان رأسماله في عام 2007 (ستة مليارات ومئتي مليون ريال ثم تم رفع رأسماله باكتتاب مدفوع من المساهمين ليبلغ 15 مليار ريال. هذه هي خلاصة المقارنة بين النموذجين. ولاشك أن معدلات ربحية البنوك تختلف من بنك إلى بنك، فهناك بنوك معدل ربحيتها أعلى من معدل ربحية بنك الرياض. وهناك بنوك ليس فقط معدل ربحها أقل بل تتكبد خسائر في بعض الأحيان. وقد اخترت بنك الرياض لتماثله مع شركة الراجحي في رأس المال وتقاربه معها في قِدم حجم المال المستثمر لتكون الصورة واضحة لمن يريد استنتاج الدلالات. ولا أود أن أستنتج بل أترك ذلك لمن يريد أن يعتبر.. ولكي نعتبر أكثر فدعونا نتابع المقارنة لندرك الفرق بين حالة قروض البنكين وحالة ودائعهما وأسلوب الإقراض المتبعة لتكون الصورة أكثر وضوحاً.. وسيكون هذا بمشيئة الله في المقال التالي يوم الاثنين القادم. نقلا عن الوطن السعودية