يتعرض معظم الأسواق المالية الخليجية والعربية منذ بداية العام لموجات تصحيحية، بعضها مؤلم، سبب خسائر متفاوتة لمعظم شرائح المستثمرين. وتعتبر سيطرة المضاربين على حركة معظم الأسواق، وضعف الاستثمار المؤسسي، من أسباب عدم استقرار هذه الأسواق وتأرجحها المستمر وارتفاع مستوى أخطارها. كما أن صغار المستثمرين هم ضحايا موجات التصحيح، نتيجة التوقيت الخاطئ للدخول والخروج، وسوء اختيار الشركات المناسبة. وكنا نبهنا صغار المستثمرين بالابتعاد عن المضاربات والتركيز على أسهم الشركات القيادية والشركات الواعدة أسهم القيمة، أي الشركات التي تتميز بمؤشرات مالية قوية ومؤشرات نمو جيدة، والاحتفاظ بها لفترة زمنية طويلة، لأن الاستثمار في أسواق الأسهم بطبيعته طويلة الأجل. إذ تنخفض المخاطرة ويرتفع مستوى العائد كلما طالت فترة الاحتفاظ، إضافة إلى أهمية تنويع الاستثمارات من أسهم الشركات المختلفة ومن قطاعات متعددة، وعدم التركيز على أسهم شركة واحدة، حيث إن التنويع يؤدي عادة إلى خفض مستوى المخاطرة. وأسهم شركات المضاربة هي الأكثر تضرراً أو تراجعاً عند حدوث تصحيحات سعرية، بسبب المبالغة بأسعارها السوقية والتي لا تتناسب ومستوى أدائها والقيمة الحقيقية لأصولها، بينما تكون نسبة تراجع أسعار أسهم الشركات القوية محدودة وتعود مرة أخرى إلى مستواها الطبيعي عند حدوث ارتدادات في الأسعار. وينعكس عادةً النمو السنوي في صافي ربحية الشركات الواعدة والقوية، على قيمة حقوق مساهميها وعلى نسب النمو في توزيعاتها، كما ينعكس على أسعارها السوقية. وبالتالي، فإننا ننصح صغار المستثمرين عادة بعدم التسرع ببيع أسهم هذه الشركات عند حدوث تصحيحات سعرية، باعتبارها تمتلك مقومات القوة، ومن ثم عوامل ومقومات الارتداد للأعلى للوصول إلى السعر العادل. وتشير الدراسات والتجارب أن الاستثمار الطويل الأجل هو الأكثر عائداً والأقل مخاطرة من الاستثمار القصير الأجل، أو المضاربة، بالنسبة لصغار المستثمرين شرط اختيار أسهم الشركات الجيدة، باعتبار أن الاحتفاظ بأسهم الشركات الضعيفة لفترة طويلة تكون نتائجه عادة إما الخسارة أو العائد المتواضع. والمؤسف، أن نسبة مهمة من صغار المستثمرين الذين دخلوا الأسواق المالية الخليجية والعربية خلال هذا العام بهدف الاستفادة من طفرة الأسواق، ينقصهم الوعي الاستثماري من حيث معرفتهم بالمبادئ الأساسية للاستثمار في الأوراق المالية، ومعرفتهم بالعائد والمخاطر، إضافة إلى عدم معرفتهم بالشركات الجيدة والشركات الضعيفة وشركات المضاربة، وبالتالي اعتمادهم على الإشاعات في اتخاذ القرارات الاستثمارية، أو السير خلف القطيع، ما يساهم في عدم استقرار الأسواق المالية في المنطقة. لذا من الأجدى لصغار المستثمرين التوجه إلى صناديق الاستثمار بدلاً من الاستثمار المباشر في الأسواق المالية باعتبار أن الصناديق يشرف على إدارتها متخصصون ومحترفون ومتفرغون لمتابعة أداء الشركات، إضافة إلى معرفتهم وخبرتهم في اختيار الوقت المناسب للشراء والبيع. فتوظيف أموال صغار المستثمرين في هذه الصناديق يجنبهم أخطار الاستثمار المباشر في الأسواق المالية ويحقق لهم عائداً مناسباً. كما أن الخبرة تشير الى عدم جدوى استثمار صغار المستثمرين جميع مدخراتهم في الأسواق المالية، والاحتفاظ بجزء منها على شكل سيولة للحاجة الطارئة أو المفاجئة، وبالتالي عدم اضطرارهم لبيع استثماراتهم في الوقت غير المناسب. كما أن الاحتفاظ بالسيولة، يعطي المستثمر فرصة لشراء أسهم شركات جيدة بأسعار رخيصة عندما تدخل الأسواق في كابوس التصحيح العميق. والمهم في هذا المجال لصغار المستثمرين عدم الشراء على المكشوف، إضافة إلى الاعتماد على المحترفين في اتخاذ قرارات الشراء والبيع، والابتعاد عن الإشاعات التي يكون هدفها عادة، إما خلق طلب مصطنع عندما تمر الأسواق بفترات مضاربة، أو خلق عرض مصطنع عندما تمر الأسواق بفترات تصحيح. إن التركيز على أسهم الشركات التي تتمتع بسيولة عالية، وأسعار أكثر واقعية، وذات تداول مرتفع، هو دليل على نضوج الأسواق، يعكس الاهتمام بالشركات العديمة أو البطيئة الحركة. كما أن اختيار الوسيط الكفوء والأمين والملتزم بقواعد وأخلاق المهنة، من أساسيات الاستثمار الناجح، سواء للمستثمر الكبير أو الصغير. * مستشار بنك أبو ظبي الوطني