لن يقدّر أحد النعمة التي حطت على قضاء بنت جبيل أمس، إلا من تابع الانتخابات البلدية فيها، قبل نحو عام من الآن. فالتحالف الانتخابي بين "حزب الله" و"حركة أمل" أخرج المعركة من طابعها التنافسي التقليدي الشرس، وتحولت إلى ما سماه كثيرون:"استفتاء على نهج المقاومة"أو"رد على الضغوط الأميركية". "يكون ابن حرام من يلعب اللعبة"، يقول أبو سعيد 70 عاماً ما إن رأى جاره يدخل إلى قلم الاقتراع الوحيد في بلدة حاريص. فاللعبة هنا تعني التشطيب، أي استبدال مرشحين في إحدى اللوائح بآخرين. والجار معروف بولائه لپ"حركة أمل" وكرهه ما عداها. إلا أن شيئاً في المشهد بدا مختلفاً أمس، فالجار صار مؤمناً بضرورة التصويت إلى كل أعضاء اللائحة، أي"اللائحة كلها. لأن كل واحد عنده ضمير لن يشطب"، يقول. لكن، ما الذي اختلف منذ عام حتى الآن؟ "ما يحصل هنا هو تلبية لنداء السيد حسن نصر الله والأستاذ نبيه بري ضد من ينادون بنزع سلاح المقاومة"، يقول مندوب"حزب الله". في الخارج، تغيب أي إشارة الى وجود منافسين لپ"لائحة المقاومة والتنمية والتحرير"التي تضم: نبيه بري، علي عسيران، ميشال موسى، محمد فنيش، علي خريس، حسن حب الله، عبد المجيد صالح، أيوب حميد، علي بزي، وحسن فضل الله. فلا مندوبون ولا حتى لوائح تضم أسماء المرشحين المنافسين. "النتيجة محسومة"، هذا ما قاله نائب رئيس البلدية علي نصور، موضحاً أن"الإقبال جيد، افضل من بيروت، إذ اقترع 60 ناخباً من اصل 500 بعد ساعة واحدة من فتح الصندوق في أحد الأقلام". في بلدة تبنين، تنقلب صورة الهدوء المخيم على البلدة منذ الصباح، ما أن يدخل ابن البلدة نبيه بري إلى قلم الاقتراع. تكسو الورود السيارات المرصوفة على الجانبين، وتنطلق الزغاريد المرحبة بپ"القائد"، الذي خاطب جمهوره قائلاً إن"المراقبة الحقيقية هي مراقبة الشعب اللبناني ومراقبة الإعلام اللبناني، وهذا الكلام ليس ضد مساعدة المراقبين الدوليين أو الأوروبيين، لكن نعتمد أولاً وآخراً على مراقبة شعبنا". وفي كونين، رفعت لافتة:"صوتك رصاصة في صدر العدو"، مقابل مدفعية مثبتة في الساحة. مقابل الاثنين صورة عملاقة لبري ونصر الله كتب عليها:"سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم". خارج هذا المركز أيضاً، لا يظهر اثر لمرشحي أو مندوبي الطرف الآخر الذين"ينتقدون المحادل وتحالف الحزب والحركة، إلا أن لا أحد منهم ظهر حتى الساعة"، كما يقول مندوب"حركة أمل"، مشيراً الى غياب مندوبي"لائحة المقاومة والتغيير"التي تضم: رياض الأسعد، أنور ياسين، ناجي بيضون، فوزي أبو فرحات، حسين صفي الدين، وأياد الخليل. يؤكد المندوب التزام الجميع بلائحة التحالف، مشيراً إلى أن"هذه الانتخابات ليست إلا استفتاء على مبدأ المقاومة وسلاحها، في وجه التدخلات الأميركية". في بنت جبيل، يظهر اللون الأحمر علم الحزب الشيوعي للمرة الأولى خارج أحد المكاتب الانتخابية، وتعلو صور الأسير المحرر أنور ياسين وناجي بيضون وغيرهما على الحيطان، فيما يجلس في الداخل بضعة شبان، يؤمنون بأن"المعركة غير متكافئة، فالإمكانات المادية محدودة ولا سبيل إلى التعادل مع الطرف الآخر"، يقول أحدهم. يجلس المرشح بيضون وسط عدد قليل من الشبان، ليتحدث عن ضرورة"تغيير الوضع السيئ في لبنان ومحاربة الفساد"، منتقداً"من قاطعوا الانتخابات وأعلنوا يأسهم وموتهم، لأنه لا يمكن أن تكون على الحياد في معركة التغيير"، وموضحاً أن ترشحه"نقطة انطلاق نحو التغيير". يرد بيضون غياب المندوبين عن أقلام الاقتراع إلى"ظروف معروفة، فثمة أشخاص يؤيدون التغيير لكنهم لا يريدون التعرض لضغوط معينة". وفي ثانوية بنت جبيل الرسمية، يتجول أنور ياسين، مطوقاً عنقه بعلم الحزب الشيوعي الأحمر. لا يلتف كثير من الناس حوله، إلا أن ممثل وسائل الإعلام كانوا يطاردونه منذ الصباح، بحثاً عن رأي يختلف عن ذلك الطاغي بشدة."إرادة شعبنا فوق كل المحادل"، يقول ياسين، كاشفاً عن تعرضه لمضايقات كثيرة، منها انهم"حجزوا بطاقتي الانتخابية ولم استلمها، كما أطلقوا إشاعات عن انسحابي". يقطع صراخ"واحد، اثنين، ثلاثة، نصر الله يا حياتي"، حديث ياسين ويغلب عليه. وأمام مدرسة الشهيد سعيد مواسي المتوسطة في عيترون تبدلت الصورة. واحتلت خيمة للحزب الشيوعي الساحة الخارجية، إلا أن ذلك لم يغير من النتيجة المحسومة سلفاً، فپ"تنظيمهم امل وحزب الله أقوى، وإمكاناتهم المادية اكبر"، يقول مندوب لائحة التغيير، مشيراً الى ان دور"الشيوعي"تراجع في"ظل تنامي الأولويات والوضع الاجتماعي السيئ".