لم تختلف الحال الانتخابية بين قضاء بنت جبيل الذي لم يذق طعم الاقتراع منذ 28 عاماً، وقضاء صور الذي اعتاد الانتخابات، نيابياً وبلدياً، منذ انتهاء الحرب اللبنانية. فالأمر المشترك بينهما كان تدني نسبة المقترعين حتى الظهر، وكادت أقلام الاقتراع تكون شبه خالية في أوقات كثيرة. ومدينة بنت جبيل 70 ألف نسمة التي كانت ساحتها شبه هادئة صباحاً لم يحصل أكثر من ثلث ناخبيها ال18 ألفاً على بطاقات إنتخابية، بدت مراكز الاقتراع فيها أيضاً شبه خالية إلا واحداً أقيم في الثانوية الرسمية حيث عقد المجلس النيابي جلسة استثنائية غداة التحرير، فشهد محيطه حركة ملحوظة لم تكن لناخبين بل لمشيعين حملوا نعشاً وساروا به الى المقبرة المحاذية للثانوية، في حين قال الحاج محمد عبدالكريم الحوراني 78 عاماً إنه ينتخب "منذ اليوم الذي خلق فيه الخبز"، في القلم الذي أقترع فيه سابعاً من أصل 607، بعد ساعة على فتح الصندوق. وفي قلم للإناث لم يقترع سوى أربع من أصل 800. ونسبة الاقتراع المتدنية هذه سعى معظم مندوبي لائحة "المقاومة والتنمية" وهي ائتلافية بين "حزب الله" وحركة "أمل"، الى سوق مبرر لها. وقال بعضهم إن الناس نيام ولما يستيقظوا، وبعضهم الآخر إنهم لم يتعودوا الانتخاب من قبل، وبعضهم الثالث إنهم سيقترعون بعد الظهر. وأشار أحد مسؤولي ماكينة "حزب الله" الى ان الحزب يترك الناس على سجيتهم في الاقتراع، ولا يعمل على حثهم أو إحضارهم من منازلهم، في حين ان ثمة تعميماً من "أمل" على مناصريها أن يقترعوا بعد الظهر "بعد أن يتأكد لهم أن الحزب لن يلجأ إلى التشطيب". ويبدو واضحاً من حركة المندوبين موزعي اللوائح أمام مراكز الإقتراع أن التنظيمين متفقان ومتآلفان فعلاً، وكذلك من الناخبين الذين جاءوا باكراً، ولكن في الخفاء لا يدري أحد ما "تنجب" الصناديق. وقال مندوب للائحة الائتلافية "ما يهمنا أن تكون اللائحة كاملة علناً وفي الخفاء كل واحد يفعل ما يناسبه". يضاف الى ذلك عدد من اللوائح الملغومة وزعت في المنطقة، ولوائح ركبها ناخبون على مزاجهم، فيها خليط من اللوائح المتنافسة وهي، الى اللائحة الائتلافية، لائحة "الخيار الديموقراطي" ولائحة "كامل الأسعد"، على ما قال مندوب لها اذ لم يطلق عليها اسم. والحال هذه تنسحب على معظم قرى قضاء بنت جبيل لناحية قلة عدد المقترعين صباحاً، ومنها تبنين بلدة رئيس المجلس النيابي نبيه برّي التي لم تمتلئ شوارعها الا حين زارها ناخباً العاشرة صباحاً. ففي القلم الذي اقترع فيه في "مكتبة جوزف مغيزل" بلغ عدد المقترعين 48 من أصل 446، بمن فيهم برّي الذي جدد تأكيد تحالف التنظيمين الذي يتعدى الانتخابات الى تثبيت النصر وتحصينه وصولاً الى حفظ الخط العربي والقومي. وقال إن "الردة التي نراها الآن من الناس الذين استعملوا الرصاصة السورية في سبيل مصالحهم، أعتقد أن "حزب الله" وحركة "أمل" هما السد المنيع لها. ومثلما حققا النصر هما مسؤولان عن الحفاظ على العصر العربي الذي بدأ في 6 شباط فيراير 1984"، مشيراً الى انهما سيكونان كتلة واحدة في المجلس النيابي. وأضاف "ان في الجنوب بحيرة اسمها حركة "أمل" و"حزب الله" وكتلة "المقاومة والتنمية"، والبقية ضفادع تنقّ حولها". ورد على هذا الكلام النائب السابق حبيب صادق، آسفاً لانحدار الكلام إلى هذا الدرك، وداعياً الناخبين إلى الاقتراع لغير الإقطاع الجديد. وفي مدينة صور، لم تكن نسبة الاقتراع مرتفعة أيضاً. اذ اقترع حتى الثانية عشرة في أحد الاقلام 68 من أصل 647. ونسبة انخفاض النسبة يجد لها مندوبون ومرشحون تحدثوا الى "الحياة" سبباً. واذ اشار النائب مرشح "أمل" محمد عبدالحميد بيضون الى ان النسب في المدن تقوى عادة بعد الظهر، أكد النائب عبدالله قصير "حزب الله" ان "لدى الناس نية الإقبال وان النسب سترتفع". وعن التشطيب قال بيضون "هناك حالات تشبه الألغام الفردية، ولكن يمكننا كشفها في مساعدة الوحدة الأوكرانية العاملة في اطار قوات الطوارئ الدولية". لكن قصير اعتبر ان "نسبة التشطيب لن تتعدى العشرة في المئة في أحسن حالاتها". والتشطيب هذا يعول عليه كثيراً مرشحو اللائحتين المتنافستين اللتين ليستا رسميتين بل جمع من مرشحين منفردين، وخصوصاً لائحة "الخيار الديموقراطي" اذ يتوقعون خرقاً في الزهراني ومرجعيون وجزين، على ما قال ل"الحياة" رياض سعيد الأسعد المرشح في قضاء الزهراني. وأشار الى ان اللائحة خاضت المعركة بمزايا مرشحيها، مؤكداً ان "الناس آمنوا بقدرتهم على التغيير اسوة بما حدث في معركة الجبل. واذا لم نفز نكون اثبتنا شرعية لمعارضة مستقبلية مبنية على برنامج وطني". أما مدينة صيدا التي شهدت مصالحة بين قطبيها مصطفى معروف سعد وبهية الحريري عشية الانتخابات، فبدا الحذر واضحاً على ابنائها مناصريهما، خصوصاً ان الليل حمل اخباراً عن امكان التشطيب. وراح المناصرون يراقبون بعضهم بعضاً، وفي العاشرة صباحاً بدأت عمليات التشطيب، ما حدا بسعد والحريري الى وقف ناخبيهم عن الاقتراع الى ما بعد الظهر، ما سبب فتوراً في الاقتراع اضافة الى ان الناخبين الصيداويين اصبحوا مقتنعين بأن المرشحين سيفوزان من دون اصواتهم اذ لا منافس لهما في المدينة. وعلى رغم كل الاجواء هذه، فكل المندوبين والمرشحين والمناصرين لا يبادرون سائلهم عن أجواء الانتخابات ووضع المرشحين الا بمفردات لا تقل عن "هائلة"، و"رائعة" و"عظيمة"، و... غداً تُخرج الصناديق "أثقالها" لتأتي بالجواب الذي يؤمَّل ان يكون شافياً.