مهم جداً ان تتخذ الحكومتان السورية واللبنانية قرار ترسيم الحدود بين البلدين، بما يشمل مزارع شبعا الواقعة تحت الاحتلال الاسرائيلي، لأن في هذا القرار مخرجاً لائقاً لهما ول"حزب الله"وتحدياً بناء لجميع اللاعبين الاقليميين والدوليين لإثبات حسن النية بجدية. مهم ايضاً إدراك معنى السابقة المتمثلة في صلاحيات"اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في العمل الارهابي"الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري والتي ستضم بين مئة الى مئتين من الخبراء في التحقيق والاستجواب والتحري، سيبدأون بالتوافد اعلى لبنان في الاسابيع القليلة المقبلة. فهناك تداخل وتعارض بين مفهوم السيادة التقليدي للحكومات وبين سيادة الدول على أراض مُرسمة في حدود واضحة. وهناك نوع من سقوط الحدود عندما تقوم لجنة دولية يفوَ اليها مجلس الأمن مثل هذا التحقيق السابقة. وهناك حاجة الى استراتيجية ديبلوماسية تجعل من ترسيم الحدود ومن مزارع شبعا نقطة التقاء المصالح المحلية والاقليمية والدولية الى صفحة جديدة ومفيدة. مزارع شبعا أرض عربية تحتلها اسرائيل، يجب ان تعود الى اصحابها بغض النظر عما اذا كانوا لبنانيين أو سوريين. الاراضي السورية المحتلة ليست أبداً أقل اهمية من الأراضي الفلسطينية المحتلة. فهذا احتلال يجب ان يزول. دمشق على حق في استيائها من استبعاد المسار السوري عن المفاوضات سواء كان هذا الاستبعاد بقرار اسرائيلي محض أو نتيجة اخطاء سورية ايضاً. فالقيادة السورية تريد تحرير الجولان من الاحتلال الاسرئيلي عبر المفاوضات، لكنها تواجه رفضاً اسرائيلياً للتجاوب وقراراً اميركياً بالعزل لها في كل مجال. قد يكون ترسيم الحدود السورية اللبنانية وسيلة من وسائل البناء لبنة لبنة لتتمكن دمشق من اعداد"حقيبة"بورتفوليو للخروج من مأزق العزل والاستبعاد ولإعادة طرح المسار السوري للتفاوض على طاولة اللجنة الرباعية التي تضم الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأممالمتحدة. أولى الخطوات الضرورية للاستفادة ألا تشترط دمشق مسبقاً التعاون بثمن وألا تطالب بالمقابل قبل الشروع بالاجراءات. بكلام آخر، لعل دمشق ترى الآن ما فاتها نتيجة رفضها المبادرة الى الانسحاب الكامل من لبنان. ولعلها تبدأ بالتفكير الجدي على اساس استراتيجية المبادرة وليس على اساس استراتيجية المقابل. مثل هذا التفكير قد يأخذ الحكومة السورية والحكومة اللبنانية الى المبادرة بترسيم الحدود بينهما مستعينتين بخبرات دولية في مجال ترسيم الحدود إذا اختلفتا على خط الحدود. عندما قامت الأممالمتحدة بترسيم الحدود اللبنانية - الاسرائيلية في إطار تنفيذ اسرائيل القرار 425، رسمت ما يسمى الآن بالخط الأزرق على اساس الوثائق التاريخية وسندات الممتلكات. بعض المسؤولين الدوليين أوحى للرئاسة السورية الجديدة حينذاك بأن أمامها فرصة لمعالجة الاحتلال الاسرائيلي للجولان على نسق معالجة الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان، أي بمفاوضات عبر الأممالمتحدة وبرسم خط على نسق الخط الأزرق. صاحبة هذا المقال كتبت حينذاك عن جدوى الاستفادة من الفرصة المتاحة من أجل استعادة الجولان حتى وان وضعت المناطق التي عطلت الاتفاق، مثل بحيرة طبريا، في خانة المناطق"المعلّقة"الى حين استكمال المفاوضات لاحقاً للتوصل الى صيغة حل مقبولة. فالفكرة الاساسية كانت استعادة كل ما يمكن من الأراضي من دون التخلي عن الحق بما تبقى من الاراضي المتنازع عليها. تلك الفكرة لم تلق الترحيب والتفعيل، ففاتت الفرصة حينذاك. الخط الأزرق الذي هو عبارة عن ترسيم الحدود اللبنانية الاسرائيلية وضع مزارع شبعا في منطقة الأراضي السورية المحتلة بسبب وقوعها تحت ولاية"قوة الأممالمتحدة لفك الاشتباك"بين سورية واسرائيل اندوف. الأممالمتحدة تحترم قول لبنان وسورية ان هذه المزارع لبنانية، لكنها تطلب الاثباتات على ذلك أولاً، وموافقة سورية على اعادة التفاوض على قوة"اندوف"ثانياً، حتى الآن ورغم ما جاء في رسالة وزير الخارجية السوري السيد فاروق الشرع الى الاممالمتحدة بأن شعبا لبنانية، لم تتسلم الأممالمتحدة الوثائق التي تدعم هذا القول. إذن، الوضع الآن هو الآتي: قانونياً وحسب المواقف الدولية بما فيها موقف مجلس الأمن وموقف الأمين العام للأمم المتحدة ان شبعا أراض سورية. لبنانياً وسورياً، هذه مزارع ذات ملكية لبنانية انما ليس واضحاً ان كانت أراض لبنانية أو اراض سورية من منظور الحدود والسيادة. ترسيم الحدود مسألة ثنائية عائدة الى البلدين المعنيين. حتى وإذا كانت هيئة دولية قامت برسمخط أزرق، ان ترسيم الحدود ثنائياً يعلو على الخط الأزرق الدولي، فإذا اتفقت الحكومتان السورية واللبنانية على ترسيم الحدود بينهما كاملة، بما فيها مزارع شبعا، على الأممالمتحدة ان تقبل بالقرار السيادي الثنائي مهما كان موقفها. فإذا جاء ترسيم الحدود اللبنانية السورية ليضع مزارع شبعا داخل الأراضي اللبنانية على الأممالمتحدة والاسرة الدولية ان تزج اسرائيل في زاوية الانسحاب الضروري من كامل الأراضي اللبنانية. موافقة اسرائيل على الانسحاب من مزارع شبعا، في مثل هذه الحال، تتطلب نوعاً من"الصفقة"الاقليمية الدولية التي تشمل سورية وايران والولاياتالمتحدةولبنان و"حزب الله"وأوروبا والأممالمتحدة. لبنان ليس مضطراً لتوقيع اتفاقية أو معاهدة سلام مع اسرائيل مقابل انسحابها من شبعا. لكنه مضطر ان يتوصل معها الى معاهدة أمنية تضمن عدم استخدام الأراضي اللبنانية لشن هجمات على اسرائيل. مثل هذه الاتفاقية أو المعاهدة يتطلب بالتأكيد معالجة ناحية"حزب الله"من المعادلة. فإذا زال الاحتلال، زال منطق مقاومة الاحتلال. هذا يعني انه يجب على"حزب الله"الإقرار بأن بقائه حزباًُ مسلحاً يعني إلغائه لسيادة الدولة اللبنانية وللجيش اللبناني. فلا منطق في"جيش"مقاومة بعد انهاء الاحتلال، ولا منطق في بقاء"جيش"موازٍ للجيش الوطني المكلف الدفاع عن كامل البلاد. وعليه، ان"حزب الله"مُطالب بالتعهد القاطع انه في حال وقوع مزارع شبعا داخل الاراضي اللبنانية نتيجة ترسيم الحدود رسمياً من قبل الحكومتين السورية واللبنانية، ولدى وضوح موافقة اسرائيل على الانسحاب منها، تتهي المقاومة من لبنان كلياً وتنحسر عملياً بصورة مطلقة. "حزب الله"مطالب بهذا التعهد وبهذا الموقف ايضاً في حال وقوع مزارع شبعا داخل الأراضي السورية - إذا حسم ترسيم الحدود ذلك عندئذ، ان المسؤولية الوطنية تطالب"حزب الله"ان يتصرف كحزب لبناني يهمه أمر لبنان أولاً ويقر بانتهاء منطق المقاومة اللبنانية. انتهاء المقاومة اللبنانية يعني بالضرورة حل"جيش المقاومة"ووضع القوات والمعدات والصواريخ تحت أمرة الجيش اللبناني بلا مساومات أو تدخلات. واثبات وطنية"حزب الله"يتطلب بالضرورة عدم خلق أي ظرف يضطر فيه الجيش اللبناني الى تجريد الحزب من السلاح، ميليشيات كانت أو مقاومة. فوائد مبادرة الحكومتان اللبنانية والسورية الى ترسيم الحدود بأسرع ما يمكن عديدة ولجميع الأطراف. وهنا بعض الأمثلة: - سورية ستستفيد من المبادرة لأن ترسيم الحدود يثبت جديتها في الاعتراف بسيادة لبنان واستقلاله السياسي ويسحب عنها تهمة استخدام شبعا ذريعة للمقاومة عبر"حزب الله"تجنباً لفتح الجبهة السورية. فإذا بادرت دمشق الى ترسيم الحدود فإنها تبعث رسائل سياسية مهمة الى واشنطن والى نيويورك وتضع اسرائيل على المحك وتسحب منها ذريعة استمرار احتلالها لمزارع شبعا في حال ثبوت وقوعها في الاراضي اللبنانية. ولذلك ستكون دمشق مستفيدة حتى اذا توصل الفنيون بترسيم الحدود الى خلاصة تستنتج ان مزارع شبعا سورية، تستفيد من من النتيجة ديبلوماسياً وسياسياً ايضاً لأنها تكون عملياً بادرت الى ايجاد المخرج القانوني اللائق لمشكلة شبعا وتكون ساهمت في تحويل"حزب الله"الى حزب سياسي بعيداً عن كونه ميليشيات أو جيش مقاومة بعد اغلاق ملف شبعا ثنائياً. -"حزب الله"ايضاً يستفيد بغض النظر عن نتيجة ترسيم الحدود، فلا حاجة به الى الظهور وكأنه ممثل لمصالح اقليمية في لبنان. فهو جزء رئيسي من النسيج الاجتماعي والسياسي اللبناني، وهذه فرصة له لإثبات أولية لبنانيته على الطموحات الاقليمية له أو لسورية أو لايران. يستفيد لأن القرار الدولي بحل الميليشيات لا يستثنيه، بل يركز عليه، لذلك من الأفضل له المبادرة الى المساهمة الجذرية في بسط سلطة الجيش اللبناني من خلال المبادرة الى حل الميليشيات التابعة له ودمج قواته في الجيش وتحت امرته. مبادرة"حزب الله"الى الغاء المقاومة من لبنان وعبر الحدود اللبنانية - الاسرائيلية بعد وضوح انتهاء الاحتلال للاراضي اللبنانية، لها فوائدها المباشرة له في اطار التفاهمات الضرورية الاقليمية منها والدولية. وهنا يأتي دور واشنطن بالذات مع اسرائيل في حال ترسيم الحدود بما يضع مزارع شبعا في الأراضي اللبنانية. مسؤولية واشنطن ان تضمن موافقة اسرائيل على الانسحاب من شبعا كاملاً مقابل معاهدة أمنية دون الطموح الى معاهدة سياسية أو معاهدة سلام أو تطبيع. التحدي الرئيسي أمام الادارة الاميركية، في حال حسم ترسيم الحدود بشبعا اللبنانية، هو ان تثبت حقاً اهتمامها الصادق بلبنان وليس استخدامها له لإيذاء سورية. الفوائد لإدارة جورج بوش تتعدى اغلاق ملف الحدود اللبنانية الاسرائيلية والحدود اللبنانية السورية، اذ تكون وقفت بوضوح للمرة الأولى مع انهاء احتلال اسرائيلي لأراضٍ عربية. هذا بالطبع الى جانب فائدة تحويل"حزب الله"الى حزب سياسي وإلغاء منطق المقاومة من لبنان. - اسرائيل تستفيد لو بادرت الى الانسحاب من مزارع شبعا كتعبير عن حسن نياتها، لكنها لن تفعل. انها ستصر على مقابل يتمثل في المعاهدة الأمنية وفي ضمانات لعدم تدفق اي مقاومة أو عنف اليها عبر الحدود اللبنانية. ستفعل ذلك فقط اذا اضطرت عبر قرار سوري لبناني بترسيم الحدود. ولمثل هذا القرار فوائده للجميع، اذ قد تكون مزارع شبعا مدخلاً الى عودة طرح الأراضي السورية المحتلة على قائمة اعمال"الرباعية"بصورة ناشطة. حتى الآن، واشنطن لا تثق بما تقوم به القيادة السورية وتريد تغيير النظام السوري بغض النظر عن قدر تلبية دمشق للمطالب الدولية. ما لا تتوقعه واشنطن هو قيام دمشق بالمبادرة. فإذا تبنت القيادة السورية مبدأ واستراتيجية المبادرة بدلاً من استراتيجية المقابل، قد تجد من يدافع عنها في الصفوف الدولية ويبرز ايجابيات مواقفها. وهذا يتطلب ان تتوقف اذا نظرت جدياً الى الفرص والمطبّات الباقية، أو التي أبقتها في الساحة اللبنانية التي تغزوها الفرق الدولية، فسترى ان المطبّات حقيقية وخطيرة. فالفرص موجودة فقط إذا أتت عبر المبادرة بلا تقطير ولا فذلكة.