وفاة عملاق الكنيسة الكاثيوليكية البابا يوحنا بولس الثاني تشكل خسارة كبرى للعالم ولهذه الكنيسة. وعشية الجنازة في روما، ينتاب اللبنانيين حزن كبير لفقد مثل هذه الشخصية التي تغيب قبل استكمال الحوار الحقيقي والمصالحة التي هي على الطريق بين مسيحيي لبنان ومسلميه. الآن وبعد اعادة السيادة والاستقلال الى لبنان، مطلوب الإسراع في اللقاء المرجو والمتوقع بين شخصيتين اساسيتين في الحياة السياسية والدينية في لبنان وهما البطريرك الماروني نصرالله صفير والأمين العام ل"حزب الله"حسن نصرالله. وكانت مبادرة لافتة ان ينعى الرئيس الايراني محمد خاتمي البابا، كما كانت لفتة مهمة ان تقطع"المنار"محطة تلفزيون"حزب الله"برامجها لاعلان وفاة الحبر الأعظم. ومع يقظة الشعب اللبناني ونهوضه لاستعادة استقلاله والكشف عن الحقيقة في اغتيال رئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري، المطلوب حوار عميق وحقيقي بين الطوائف المختلفة من اجل مستقبل أفضل لابناء لبنان وشبابه الصاعد. فالأمور لا يمكن ان تستمر على حالها في ظل النزيف الشهري للشبان اللبنانيين الذين يهاجرون بسبب تدهور الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في بلدهم. وامام مسؤولي الطوائف المختلفة والسياسيين الأوفياء لبلدهم، ورشة عمل ضخمة لانقاذ هذا البلد اذا تحقق الاستقلال. ففي سنة 1994 صدر في فرنسا كتاب عنوانه"حياة وموت مسيحي الشرق"ألفه كاتب فرنسي باسم مستعار هو جان بيار فالوني ويشغل الآن مركزاً حساساً في فرنسا. وينطوي الكتاب على أهمية بالغة لأنه يستعرض بدقة وجدية وبأسلوب علمي أوضاع المسيحيين في الشرق. وفي اطار عرضه لأوضاع مسيحيي لبنان، ونذكر بأن الكتاب صدر في 1994 وان الظروف تغيرت منذ ذلك الحين، يقول المؤلف انه"في عهد البابا يوحنا بولس الثاني تحول انتباهه الى كنائس أوروبا الشرقية، ومن بين كل الأوضاع التي كانت تتطلب تدخله، لم يكن لدى البابا فعلاً أولوية لبنانية". ويضيف انه خلال الأزمة اللبنانية كان البابا ينتظر من القيادة المارونية مبادرات سياسية موجهة بعقلية الدفاع عن المسيحية وايضاً بروح التحاور بين الأديان. ويشير الى انه كان يعتزم تحويل الكنيسة المارونية، باعتبارها الكنيسة الكاثوليكية الشرقية الرئيسية، الى عامل موحد للمسيحيين على اختلاف مذاهبهم وصولاً الى ارساء"كنيسة العرب الكبيرة"بحيث تكون على قدر واسع من المتانة والانتشار لتؤمن استمرارية المسيحيين في الشرق. ويعتبر المؤلف ان أمل البابا خاب بعض الشيء، من جراء عدم تمكن القيادة المارونية من جمع الكنائس الأخرى حولها ومن توجيه الشعب المسيحي في المحنة ومن تحقيق التقارب مع الاسلام عبر تجاوز القوى المقاتلة. هذه الأهداف التي كان يريدها البابا في حينه للكنيسة المارونية كانت تواجه عقبات لا يمكن تجاوزها. اليوم وبعدما تغيرت الأوضاع على الأرض منذ اغتيال الحريري، الذي كان توقع في حديثه مع شخص نقل اليه قناعة زعيم المعارضة وليد جنبلاط بأن القوات السورية لن تنسحب من لبنان، بأن"جنبلاط وصفير سيخرجان السوريين من لبنان"بالتعاون معه. وبوفاته فإنه سرّع وتيرة خروجهم، مما يحوّل المهمة الآن الى حوار بين الطوائف والاعداد لمستقبل افضل للجميع في لبنان.