إنعكس حب والديه الكبير للموسيقى عليه، فتعلم العزف على البيانو وعمره ستة أعوام وعشق الموسيقى الشرقية من كثرة سماعها في البيت . وتعلم في سن مبكرة الموسيقى على مدرسين من روسيا، وكان المؤلف الموسيقي فتحي سلامة تخرج في كلية الهندسة في جامعة عين شمس وعين معيداً فيها، لكنه لم يجد نفسه في هذ المجال فتركه. وهو يؤكد أنه لا يفكر في ما حقق من انجازات ولكنه ينظر دائماً إلى المحطات التالية في مشواره. وكان ألبومه "مصر" الذي أنتجه ووزعه حصل على جائزة الغرامي" العالمية في دورتها السابعة والأربعين والتي أعلنت في 13 شباط فبراير الماضي في لوس أنجليس. وتعد الجائزة الأولى التي يحصل عليها مبدع عربي عبر تاريخ الجائزة الممتد لحوالى 50 عاماً. "الحياة" التقت فتحي سلامة وأجرت معه حواراً تناول تفاصيل الجائزة ومشروعه "شرقيات" ومشواره مع الموسيقى وجديده الذي يعد له. متى بدأت العمل في الموسيقى؟ - بدأت العزف مع فرق موسيقية كثيرة سواء عربية أم أوروبية تنشد أغاني الروك آند روك والبيتلز وغيرها في سن الثالثة عشرة. وأتذكر أنني تعاونت في هذه الفترة المبكرة مع كثيرين منهم سمير الاسكندراني. وفي نهاية العام 1978 تعرفت الى يحيى خليل ومحمد منير الذي قمت بتوزيع أغنياته في ألبوماته الأربعة الأولى إلى جانب تلحين بعض هذه الأغنيات. وتعاونت في هذه الأثناء ايضاً مع عدد من المطربين في أغنياتهم التي حققت رواجاً ونجاحاً جماهيرياً كبيراً، ومنها "خالصين" و"ميال" لعمرو دياب و"صلينا الفجر فين" لعلي الحجار، إلى جانب أغنيات لمدحت صالح وسيمون ومصطفى قمر وأنوشكا. وبعد ذلك مباشرة سافرت إلى الولاياتالمتحدة وتعلمت توزيع موسيقى الجاز وتأليفها. ألم تفكر في دراسة الموسيقى أكاديمياً في مصر؟ - لا. لأنني درست في طفولتي على أساتذة روس وغيرهم، وكنت أجيد قراءة النوتة الموسيقية في سن السادسة، وأذكر هنا أن من يدرسون الموسيقى في "بيركلي كوليدج" في بوسطن لا يعرفون قراءة الموسيقى وكتابتها, ولكي ندرس موسيقى شرقيةأصيلة علينا أن نحضر صاحب الربابة، وللأسف معاهدنا الموسيقية تخرج مجموعة من الجهلة نطلق عليهم دكاترة باستثناء البعض الجيدين. ومعظم الدارسين يتحولون إلى مدرسي موسيقى في المدارس الاعدادية والثانوية من خلال حصص الموسيقى التي غالباً ما تتحول إلى حصص حياكة وتربية رياضية. وأنا لا أرى أي قيمة لتدريس الموسيقي في مصر، ما عدا من يهوون الموسيقى بصدق ويريدون تدعيم هوايتهم، ماذا عن مشروعك الخاص "شرقيات"؟ - بدأت المشروع العام 1988 وهو عبارة عن ورشة عمل اشترك فيها حوالى ألفي موسيقي إلى الآن من مصر والدول العربية. منهم من لا يعرفون القراءة أو الكتابة ومنهم أساتذة موسيقى في كليات أجنبية. وكان غرضي الحفاظ على التراث الموسيقي العربي ليتنفس ويعيش بدلاً من الحفاظ عليه في المتحف. والتراث الموسيقي لا يقصد به العربي فقط لأن لموسيقانا العربية صلات كثيرة بالموسيقات العالمية، ولأنه يوجد كم كبير من الايقاعات العربية القديمة الأصيلة، "الدروب"، التي جاءت نتيجة الفتوحات مثل مقامات "أصفهاني" و"عجم" وكلمة "دوزان" وكلها تدل على أنها إما فارسية أو تركية. وكما هو معروف تاريخياً، فإن بغداد في العصر العباسي كان يفد إليها الكثيرون، لذلك فالموسيقى العربية زاخرة ب"الخلطات". وكان من نتيجة المشروع إلى الآن أكثر من ثمانية أقراصCD إلى جانب حوالى ألفي حفلة في معظم دول العالم. ما دوافعك لمشروعك الجديد الذي يحمل عنوان "كُشري"؟ - قصدت من المشروع الخلط بين أشياء مختلفة وهو مشروع يستعمل الفيديو مع الموسيقى الالكترونية العربية، باستخدام تراثنا الموسيقي. وكل هذا بطريقة تكنولوجية. ودفعني لهذا المشروع أنني أرى أن مصر جزء من القارة الأفريقية مثلما هي جزء من العالم العربي، وأن كمية المعلومات المتاحة بالنسبة للشخص العادي عن القارة الأفريقية محدودة للغاية ولا نعرف شيئاً عن الفنون الموجودة فيها، ماذا عن جائزة "غرامي" العالمية، وكيف جاء تعاونك مع المطرب السنغالي العالمي يوسوندور؟ - هو أشهر مطرب في القارة الأفريقية بما فيها المطربون العرب، وقدم أشياء فنية ضخمة مع بيتر غبريال وبافاروتي وأروكسترا لندن السيمفونية وهو الذي غنى في أولمبياد سول العام 2002، وهو منتج للقارة كلها ولديه محطة تلفزيونية تبث من العاصمة السنغالية داكار، وله مشاريع في لندن، وهو سفير القارة للنيات الحسنة في اليونسكو. واكتشفت أنه كان "سَمّيعاً" للموسيقى الشرقية ولأغنيات أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، وتعرفت اليه أثناء إقامتي في باريس لفترة من خلال صديق مشترك، وفكرة الألبوم جاءت من خلاله لأنه كان يبحث عمن يشاركه مشروعه في تقديم شيء عن الموسيقى الصوفية وعن الإسلام وسماحته والتعبير عن الأغاني موسيقياً. وبدأنا مشروع الألبوم الذي سجل فيه 80 موسيقياً استخدموا الآلات الشرقية والأفريقية المعروفة ومنها المزمار والكولة والقانون والربابة والأرغول والمجرونة والآلات السنغالية مثل كرا وبلفون صبار وريتي. كما استعان ببعض عازفي أوركسترا القاهرة السيمفونية على الآلات الوترية. واشترك معنا "كابوجاي" وكنت القاسم المشترك في المشروع حيث كنت أذهب إلى داكار. للتسجيل ثم أعود إلى مصر ثم إلى فرنسا لعمل المكساج ثم إلى داكار وهكذا وانتهى المشروع عام 2001 وجاءت أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001، فكان من الصعب طرح الألبوم، الذي طرحناه العام الماضي وفاز بجائزة "غرامي" العالمية التي تعادل جائزة أوسكار في التمثيل. كما اختير أفضل ألبوم لعام 2004 من محطةBBC . ونظمنا ما يقرب من 25 حفلة في أوروبا والمغرب والسنغال ونحاول إقامة حفلات أخرى خلال الصيف المقبل في مصر وبقية الدول العربية، وأعتبر جائزة "غرامي" تقنية وليست تجارية على رغم أن الألبوم حقق مبيعات كثيرة ولا يزال، لأنه إفريقي وشرقي ومصري جداً من دون أي تكرار. هل تعتبر مشاريعك محاولة للحفاظ على هوية الموسيقى العربية؟ - نعم، وهذا ليس اختراعي ولكنه أمر موجود منذ عصر النهضة. وليست الفكرة تكرار التراث ولكن التعلم منه، لأننا للأسف ليست لنا علاقة بتراثنا لأننا ننسخ أعمال الخواجة، وأعتبر هذا الأمر ضحالة وضآلة، ما رأيك في ظاهرة الفيديو كليب, وهل ترفض التعاون مع الجدد على الساحة الغنائية؟ - ليس لدي مانع من التعاون مع أي شخص يريد تقديم فن جديد وجيد, ولست ضد الفيديو كليب أو الموسيقى الجارية، لأن هذه أمور واردة. ولكنني ضد أي شخص يريد أن ينسخ أغنية لجانيت جاكسون أو يقص شعره مثل جورج مايكل "هذا الأمر مثير للاشمئزاز". وظاهرة الفيديو كليب موجودة في العالم كله ولا يمكن محاربتها، والفيديو كليب أداة مثل الكومبيوتر. هل ترى أن الأغنية العربية فقدت هويتها؟ - تماماً، والشيء العربي الوحيد المتبقي هو الكلمات وهي ليس لها معنى، فلم تعد "تفرق" أي لغة وأشعر بأننا سنفقد كل شيء قريباً. هل ما نسمعه عن حصول بعض الأغاني العربية على جوائز عالمية حقيقة أم دعاية؟ - هذه الأشياء للاستهلاك العربي فقط ولن تقوم للأغنية العربية الموجودة في كل المحطات المنتشرة حالياً قائمة، والدليل أن الخواجات عندما يشاهدون مثل هذه الأغاني المصورة فيديو كليب يتساءلون: هل لديكم محطات بورنو؟ هم يرونها هكذا، وأنا أرى أن هناك كثيرين تحدثوا عن العالمية ولا يفعلون أي شيء ومعظم المطربين في الوطن العربي يدعون أنهم يقيمون حفلات عالمية والحقيقة أنها تكون فقط للمغتربين العرب سواء في أوروبا أم أميركا. هل تواجهك صعوبات في مصر؟ - تعاملت مع كل الوسط الموسيقي والغنائي لمدة طويلة حققت فيها نجاحات أكبر وعندما تركت الساحة كان ذلك باختياري. أما الصعوبات فتكمن في الجهل الذي لا أستطيع الانتماء إليه. ماذا تقصد بالجهل؟ - جهل صناعة النجم والأغنية في العالم العربي.