حكاية عمر منير بشير مع العود تعود بنا في الزمن الى أكثر من ستين عاماً. بدأت مع الرعيل العراقي الأول الذي ساهم في نهضة الموسيقى العربية الكلاسيكية الحديثة. إنّهم تلامذة الشريف محي الدين، على يده تلقوا فنّ العزف على العود، وعلى رأسهم منير بشير الذي غاب قبل خمس سنوات، وأخوه جميل بشير وكان رحل قبل عقود... واليوم يحمل عمر منير بشير الراية راية مدرسة بشير للعزف على العود متنقلاً بها بين أوروبا والوطن العربي، حاملاً هموم موسيقى تختصر في ثناياها حضارة أمة عظيمة. خلال زيارته الأخيرة لبيروت التي يعتبرها صاحبة الفضل في إطلاقه إعلامياً، التقت "الحياة" به وحاورته عن مواضيع عدة: ما الجديد الذي أضافه عمر بشير الى العود؟ - أنا أنتمي الى مدرسة "بشير" لآلة العود، التي تعود في بداياتها الى الأربعينات من القرن الماضي. ولهذه المدرسة ركنان أساسيان هما منير بشير والدي صاحب التوجه الموسيقي الشرقي، وجميل بشير عمي صاحب التوجه الموسيقي الغربي، وصاحب أول كتاب لتعليم العود في العالم العربي. أستطيع القول أنني قد تأثرت بالاثنين معاً، وأمام هذه المدرسة الكبيرة أصبح من الصعب عليّ أن أضيف الشيء الكثير، لكنني اجتهدت بمزج موسيقى العود الشرقية بأنماط من الموسيقى الغربية كالفلامنغو والجاز من دون أن أشوه الموسيقى الشرقية. ولكن دعني أقول شيئاً مهماً للقارئ العربي. لدي نوعان من الاصدارات الموسيقية" النوع الأول تعليمي من مدرسة "بشير" وهو للاستماع والتعلم، أما الثاني، وهو خليط من الموسيقى الشرقية والفلامنكو أو الجاز، فهو للاستماع فقط ولا أنصح فيه للتعلم. ولا تناقض في ذلك" فالجيل الجديد المبتعد عن آلة العود قد تجذبه الإضافات الموسيقية الأخرى، وقد نتمكن بعد ذلك من اعادته الى موسيقى العود الأصيلة كالتقاسيم والمقامات. أفضّل المدرسة العراقية ما رأيك بالمدرسة المصرية للعود. وكيف ترى مساهمتها الحالية في تطوير الموسيقى العربية الكلاسيكية؟ - لا يمكن أحد أن ينكر ما للمدرسة المصرية من فضل في تطور الموسيقى العربية ككل، وليس العود فقط. لكن لدي ملاحظة أرددها دائماً... فالانحدار الفني في مصر بدأ منذ أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات مع غياب الملحنين الكبار أمثال السنباطي وعبدالوهاب ومن قبلهم القصبجي، اضافة الى رحيل المغنين الكبار أمثال أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وغيرهما. واليوم نجد ان عقدة "الغرب" قد أصابت الأوركسترا العربية في مصر، فأصبحت تعتمد وبشكل أساسي على الآلات الموسيقية الغربية كالكمان والأكورديون والأورغ وغيرها واختفت آلات الأوركسترا العربية. مع العلم بأن الغربيين أنفسهم يتهافتون على تعلم العزف على آلاتنا الشرقية. أما في ما يتعلق بمدارس العود، فالمدرسة المصرية لها أسلوبها الخاص. لكنني أفضل المدرسة العراقية، وهذا لا يعود لكوني عراقياً فقط، بل لأن معظم طلبة العود في العالم يتجهون الى المدرسة العراقية وأسلوبها. على رغم موقفك المعروف من التلحين، علمنا أنك وضعت عدد من الألحان. فهل من مرشح معين لغنائها؟ - موقفي من التلحين ينبع من قناعتي بأن اللحن يجب أن يتوافق مع صوت المطرب من دون أي تلاعبات الكترونية لا تخفى على أحد... وأقول أن لدي عدداً من الألحان الخفيفة التي قد تجعل من المطرب نجماً. وهناك بالفعل مشروع أعمل عليه الآن مع أحد المطربين الذي أتحفظ عن ذكر اسمه حالياً... فالمشروع يطبخ على نار هادئة، ولا أريد أن أقوم بخطوة قد تسبب أي أذى لتاريخ موسيقى "بشير". ما رأيك بأغاني الفيديو كليب العربية؟ - دعني أشدد أولاً على أن "الفيديو كليب" لا يتلاءم مع الموسيقى أو الأغنية العربية الراقية. أما ما نشاهده اليوم، من فيديو كليب فهو أسلوب مستورد من الغرب وفي شكل مشوه. فالمَشاهد لا تتطابق مع نص الكلام... والبذخ في كل شيء هو الأساس، ويتم استخدام العنصر النسائي بكثرة، بمناسبة أو من دونها، وذلك لأسباب تتعلق بالسوق العربية في شكل عام... باختصار، أنا أعتقد بأن البساطة هي أفضل العناصر لنجاح أي فيديو كليب. أقمت حفلات عدة في أوروبا وفي العالم العربي. في مقارنة بسيطة. ما الفرق بين المستمع الغربي والمستمع العربي؟ - المستمع الغربي، في شكل عام، مستمع ذواقة ومثقف ملتزم آداب المسرح. معظم حفلاتي في أوروبا تكون عزفاً منفرداً لمدة ساعة أو ساعتين، فتجد الصالة على اتساعها تغص بالحضور الآتي للاستماع الى الموسيقى الشرقية التقليدية والمقامات السماعية العراقية وغيرها... أما في الوطن العربي فأعداد هذه الشريحة من المستمعين في تناقص مستمر، والمسارح المهتمة بتقديم هذا النوع من الموسيقى لا يتعدى عددها أصابع اليد... أين المهرجانات التي تعنى بتقديم الموسيقى الشرقية الى الناس... يقولون لك أن الناس تسأم من الاستماع طويلاً الى موسيقى تقليدية... نريد شيئاً فيه حركة. لذلك تجدني أضيف في حفلاتي داخل الوطن العربي الايقاعات، وموسيقى الفلامنكو والجاز، وحتى الموسيقى الهندية. ومستغرب كيف أن المستمع الغربي يتقبل هذه الموسيقى بينما يعرض عنها المستمع العربي. وهناك أيضاً عتب دائم علينا: "لماذا لا تأتون وتعزفون في العالم العربي"... أقول لماذا لا تدعوننا أنتم... فإذا ما جاءت دعوة تكون "دعم ثقافي مجاني" وهذا أمر مستهجن" في الغرب المستمع يدفع خمسين دولاراً ثمن البطاقة، وفي العالم العربي بطاقة بأقل من عشرة دولارات تصبح "في غير امكانات المستمع"، بينما تعج صالات المطاعم بالرواد الذين يستمتعون بمطربي الأكل ويصبح أمر المال عندهم ثانوياً. شركة "بشير ريكورد". هل هي شركة لاحتكار انتاجكم الفني؟ وماذا عن شركات الانتاج الأخرى؟ - "بشير ريكورد" شركة تبلغ من العمر عاماً واحداً فقط. وجاءت بعد تجارب عدة ومريرة لنا مع شركات الانتاج الأخرى. وللشركة في الأسواق الآن عملان اثنان الأول بعنوان: The Masters of Oud لمنير بشير وعمر بشير. والثاني لعمر بشير بعنوان: Live in Beirut وهو تسجيل لحفلة أقيمت على مسرح المدينة في بيروت. وتقوم الشركة بتسويق هذين العملين بمساعدة شركات توزيع كبرى ضمن عقود زمنية محددة. وأود أن أضيف بأن لدينا أكثر من 1150 ساعة تسجيل عزف على العود لمنير بشير ستقوم الشركة بإصدارها تباعاً.