سنيا مبارك اسم يشغل محبي الطرب في تونس... عرفت هذه الفنانة كيف تتخطى ضفاف المتوسط لتصل إلى جمهور أوروبي، لكن قواعد الإنتاج الموسيقي والتوزيع في العالم العربي لم تفتح لها بعد أبواباً مشرقة. اختارت المطربة التونسية منذ صغرها الطريق الأصعب، رددت أغاني أم كلثوم، واستمرت وهي كبيرة في نهجها تغني القصائد الجميلة وفق أصول موسيقية. مبارك زارت بيروت أخيراً لتشارك في تنشيط دورات موسيقية. التقتها "الحياة"، وكان هذا الحوار: الجمهور اللبناني لم يتعرف إليك بعد، حدثينا عن بداياتك. - بداياتي كانت في البيت، منذ صغري كنت أهوى ترديد الأغاني الصعبة كأغاني أم كلثوم والأعمال الكلاسيكية التونسية. وبدأت الدراسة في المعهد الوطني للموسيقى في تونس وأنا في الثامنة من عمري. وكانت إطلالتي الأولى في برنامج تلفزيوني عندما بلغت الثانية عشرة فأديت دويتو "إحكي عليها يا بابا" مع الملحن عدنان الشاواشي وهو عمل من ألحانه، وكانت هذه الأغنية نقطة انطلاقي. لماذا اخترت الأغاني الصعبة؟ - تم ذلك من دون خيار، أحب هذه الأغاني لذلك أقدمها... الأغنية بالنسبة إلي تتألف من قصيدة جميلة ذات مضمون، وموسيقى متناسقة معها وأداء ينسجم مع هذه العناصر، وقد تكون الأغنية إيقاعية وقصيرة لكنها ذات مضمون جيد، عندما نتحدث عن أغنية صعبة لا نعني أن تكون طويلة بالضرورة. لم يتابع الجمهور العربي أغاني مصورة لك، هل تحملين موقفاً معارضاً للفيديو كليب؟ - لست ضد الفيديو كليب، بل أعتبره ضرورياً، لكن التفكير به يجب أن يتم بعد إنجاز العمل الموسيقي، أي أنه يأتي كتكملة للأغنية، في المرحلة الأولى يجدر التركيز على اختيار الكلمات واللحن والأداء، والتوزيع في بعض الأغاني، ثم على إنتاج الألبوم. أي أننا سنتابع لك قريباً كليباً مصوراً؟ - أنا في صدد إنتاج ألبومي الجديد "يا طير المنيار"، وسأصور على الأقل أغنيتين منه، وأتمنى أن أجد شركة تتولى توزيعه في العالم العربي. كيف تعرّفين دور الصورة بالنسبة الى الأغنية؟ - الصورة تكملة للأغنية، وبالنسبة إلي الفيديو كليب يجب أن يكون متناسقاً مع شخصية المطرب، أي أن لكل صوت لحناً يليق به ولكل شخصية فنية كليباً يليق بها. هل تجدين صعوبة في تقديم أعمال طربية في تونس، هل يتقبلها الجمهور بسهولة؟ - بل ثمة مساعدة على بث هذه الأغاني في تونس، والمشكلة الوحيدة هي في صعوبة الوصول إلى كل العالم العربي. وعلى المطرب أن يحاول أن يُعرف بثقافته الموسيقية. يمكن التعامل مع موسيقيين من لبنان ومصر، ولكنني أؤكد ضرورة ألا يفقد الفنان المغاربي شخصيته الفنية، وألاّ يبتعد نهائياً عن الموسيقى الآتية من المغرب العربي. تجدين صعوبة في الوصول إلى العالم العربي على رغم انتشار الفضائيات؟ - في تونس فضائية واحدة، وأعتقد أنه يجدر بالفضائيات العربية أن تقدم كل الألوان، وأن تعرف بالموسيقى الجديدة، ويحتاج الفنان التونسي الى مساعدة من وسائل الإعلام للوصول إلى المشرق العربي. ماذا عن التعاون الذي قام بينك وبين الملحن نصير شمة؟ - لقد تم هذا المشروع وقدمنا معاً مجموعة من الأغاني، واخترنا قصائد من أعمال شعراء عرب هم: لميعة عباس عمارة وجبار سهم من العراق، وأمل دنقل مصر، وعلي اللّواتي تونس، ونوري الجراح سورية، والأخطل الصغير لبنان، وقدمنا عرضنا هذا ما بين عامي 1996 و1997، ولكن لم يتم تسجيله. ولماذا لم يتكرر هذا التعاون؟ - أحب ألا يقترن اسمي بملحن واحد، فلي تجربة مع صفوان بهلوان من سورية، ومع أساتذة الموسيقى في تونس كصالح المهدي وشيخ الفناني التريكي، وتعاملت أيضاً مع ملحنين شبان، وقمت أيضاً بتلحين بعض أغانيّ. وماذا عن العروض التي قدمتها خارج تونس؟ - قدمت منذ سنوات عروضاً مع أنور ابراهم في تونس وباريس وتولوز، وكان بينها حفلات في "النجمة الزهراء"، وقدمت أيضاً ثلاث حفلات طربية تكريماً لعلي سريتي. وما هو سبب زيارتك الحالية لبيروت؟ - أتيت إلى بيروت في زيارة عمل في إطار مشروع تنظمه "أنخوردياس" اليونانية التي تعنى بالحفاظ على التراث الموسيقي البيزنطي، وينص المشروع على تبادل أساتذة الموسيقى في دول المتوسط، ويمول الاتحاد الأوروبي هذا المشروع. وجئت والموسيقي التونسي كمال فرجاني لإدارة دروس خاصة في إطار هذا المشروع، وكنا أجرينا دورة في الأردن، والثانية في المعهد الوطني لموسيقى في لبنان. أي أنك تعملين في مجال التدريس إلى جانب الغناء؟ - درست المقامات والإيقاعات الشرقية، ثم اقترح علي فرجاني تنشيط ورشة غناء في المعهد العالي للموسيقى في تونس، وأحببت هذه التجربة. وأحضر حالياً كتاباً عن تقنيات الصوت. تزورين بيروت، وتحدثت عن أهمية التعاون مع موسيقيين في لبنان، هل ثمة مشروع قريب؟ - أتمنى أن أتعاون مع منصور الرحباني، أي مع المدرسة الرحبانية، ومع المدرسة التقدمية متمثلة بزياد الرحباني، فموسيقاهم تؤثر فيّ كثيراً. لكنني لم أتعاون مع موسيقيين في لبنان بعد، تعاونت مع الملحن المصري حسن أبو السعود، وثمة خطة للتعاون مع الفنان مارسيل خليفة، إلتقينا في تونس الصيف الماضي، وتحدثنا في الأمر. وآمل أن نقدم عملاً يحمل نفساً جديداً، فخليفة فنان كبير ملتزم بفنه. وما جديدك؟ - ستصدر أسطوانتي الجديدة في تونس، وأتمنى أن تُوزع في العالم العربي، فأسطواناتي السابقة بيعت في تونس وأوروبا والولايات المتحدة. وأعتقد أن الوقت حان لإثبات وجودي في العالم العربي، بعدما حققت نجاحاً نسبياً في الغرب حيث قدمت نفسي بهويتي وأنا فخورة جداً بموسيقانا العربية ذات الجذور الحضارية الراسخة. في حفلاتي الأوروبية غنيت بالعربية وقدمت الموشحات الشرقية، وأعتقد أن هذه أفضل علاقة يمكن أن نقيمها مع الغرب، علاقة حوار نقدم لهم بموجبها ثقافتنا ونبرهن لهم أن موسيقانا جميلة ويمكن أن تؤثر فيهم، وهذا ما لمسته من خلال حفلاتي، فالجمهور أحب كثيراً ما قدمته.