1000 معمل بحثي بالمملكة    تهنئة 3 دول بمناسبتي ذكرى الاستقلال ويوم الحرية    بنك الخليج الدولي راعياً رسمياً لمحترف الجولف السعودي فيصل سلهب    مبادرة لحماية شواطئ جدة    33 مليون عملية إلكترونية عبر منصة أبشر    ضبط مقيمَين لارتكابهما عمليات نصب واحتيال بنشر إعلانات حملات حج وهمية    ‏ #صامطة تتألق بحدث رياضي ملهم: " #امش_30" يجمع الأهالي لتعزيز الحياة الصحية    الأمين العام للجامعة العربية يرحب بتعيين حسين الشيخ نائبًا لرئيس دولة فلسطي    إدارة المساجد ومركز الدعوة بمحافظة بيش ينفذان الجولة الدعوية العاشرة في المحافظة وقراها    الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء تجدّد التأكيد على فتوى وجوب استخراج التصريح لمن أراد الذهاب إلى الحج    مسامرة بيئية عن النباتات المحلية بمنطقة عسير    مدير عام فرع الإفتاء بمنطقة جازان يستقبل مدير عام التعليم بالمنطقة    استشهاد 18 فلسطينيًا في خيامٍ وتجمعات في قطاع غزة    شراكة إستراتيجية بين مجموعة فقيه للرعاية الصحية وشركة فوسون فارما    الجبير يستقبل وفدًا من معهد الحوار السويدي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا    هيئة الصحفيين بعسير تنظّم جلسة عن "الصحافة التلفزيونية والسياحة"    ولي العهد يوجه بإطلاق اسم الدكتور مطلب النفيسة على أحد شوارع الرياض    القهوة السعودية .. أحدث إصدارات مكتبة الملك عبدالعزيز العامة    بتنظيم من جمعية الآتار والتراث .. إنطلاق فعالية سوق اول بالقطيف    بيان سعودي قطري: سداد متأخرات سوريا لدى مجموعة البنك الدولي    أنشيلوتي: سنواصل المنافسة على لقب الدوري الإسباني    مدير عام الجوازات المكلّف يرأس اجتماع قيادات الجوازات لاستعراض خطة أعمال موسم الحج 1446ه    أمير جازان يستقبل مدير فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة    60 ٪ من النساء أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة العش الفارغ مقارنة بالرجال    البنك السعودي الأول يحقق 2.1 مليار ريال سعودي صافي دخل    المياه الوطنية تنتهي من تنفيذ مشاريع حيوية للمياه لخدمة أحياء الياقوت والزمرد واللؤلؤ في جدة    دوري يلو.. نيوم لحسم اللقب.. ومواجهات منتظرة في صراع "البلاي أوف"    "بر الشرقية" تُجدد التزامها المجتمعي في اليوم العالمي لليتيم 2025 م        بدرية عيسى: شغفي بالكلمة دفعني لمجال الإعلام.. ومواقع التواصل قلب نابض بحرية التعبير    أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق بالمملكة    القيادة تعزي الرئيس الإيراني في ضحايا انفجار ميناء رجائي بمدينة بندر عباس    قلصت الكويت وقت الإقامة والصلاة في المساجد ؟ توفيرا للكهرباء    ينتظر الفائز من السد وكاواساكي.. النصر يقسو على يوكوهاما ويتأهل لنصف النهائي    أمير الشرقية: إنجازات نوعية لمستقبل تنموي واعد    الأردن.. مصير نواب "العمل الإسلامي" معلق بالقضاء بعد حظر الإخوان    تفاهمات أمريكية سورية ومساعٍ كردية لتعزيز الشراكة الوطنية    حددت الشروط والمزايا..اللائحة الجديدة للاستثمار: تخصيص أراضٍ وإعفاءات رسوم للمستثمرين الأجانب    وزير الحرس: ما تحقق مبعث فخر واعتزاز    نائب أمير مكة: اقتصاد مزدهر لرفعة الوطن    خادم الحرمين: نعتز بما قدمه أبناء الوطن وما تحقق جعل المملكة نموذجاً عالمياً    أمة من الروبوتات    الآبار اليدوية القديمة في الحدود الشمالية.. شواهد على عبقرية الإنسان وصموده في مواجهة الطبيعة    اللواء عطية: المواطنة الواعية ركيزة الأمن الوطني    1500 متخصص من 30 دولة يبحثون تطورات طب طوارئ الأطفال    أرقام وإحصائيات وإنجازات نوعية    مدرب كاواساكي: قادرون على التأهل    فخر واعتزاز بالوطن والقيادة    بأمر الملك.. عبدالعزيز بن سلمان رئيساً لمجلس أمناء «كاوست»    وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تنظم ملتقى المسؤولية الاجتماعية    تدشين الحملة الوطنيه للمشي في محافظة محايل والمراكز التابعه    اكتشاف لأقدم نملة في التاريخ    الحكومة اليمنية تحذر موظفي ميناء رأس عيسى من الانخراط في عمليات تفريغ وقود غير قانونية بضغط من الحوثيين    قدراتنا البشرية في رؤية 2030    800 إصابة بالحصبة بأمريكا    فواتير الدفع مضرة صحيا    الذكور الأكثر إقبالا على بالونة المعدة    الشيخ صلاح البدير يؤم المصلين في جامع السلطان محمد تكروفان الأعظم بالمالديف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراجعة لسنوات الاحتقان السياسي في المغرب . الأزمات الكبرى في الستينات بين "مؤامرات" الفقيه البصري و"اختفاء" المهدي بن بركة 2 من 3
نشر في الحياة يوم 31 - 03 - 2005

بعدما عرضت الحلقة السابقة لفترات الانقسامات السياسية التي شهدها المغرب منذ الاستقلال في 1956 مروراً بحوادث الريف وقمع انتفاضته، تعرض حلقة اليوم الأزمات الكبرى التي شهدها حكم الملك الراحل الحسن الثاني في الستينات، خصوصاً "المؤامرات" التي قادها المعارض الراحل الفقيه محمد البصري وحادثة خطف المعارض الراحل المهدي بن بركة وقتله ... وشهادات ضحايا التعذيب في "دار المقري" في الرباط و"سجن مولاي الشريف" في الدار البيضاء.
لم تدم الحكومة الأولى للملك الحسن الثاني غير أربعة اشهر تخللها تعديل أُسندت فيه وزارة الداخلية الى المستشار أحمد رضا غديرة. وكان لافتاً ان الموريتاني خال ولد عمير اصبح وزير دولة في الحكومة الجديدة التي ضمت زعيم حزب الاستقلال علال الفاسي في منصب وزير الشؤون الاسلامية، وزعيم الشورى والاستقلال بلحسن الوزاني وزير دولة، والدكتور عبدالكريم الخطيب وزيراً للشؤون الافريقية، ومحمد بوستة وزيراً للعدل، والمحجوبي احرضان وزيراً للدفاع. غير ان تلك الحكومة خلت من مهمات وزارة الخارجية التي احتفظ بها الملك الحسن الثاني الى جانب رئاسة الوزراء، في حين ان طبيعة الائتلاف الحكومي فيها توزع بين الاستقلال والشورى والاستقلال والحركة الشعبية، وإن كان حزب الشورى قرر بدوره مقاطعة الدستور. غير ان ذلك التحالف لم يدم طويلاً. فمن جهة تعرض الوزير السابق في الاستقلال محمد الدويسري الى حملة اعلامية اتهمته بتجاوزات في بناء منشآت اقتصادية في مدينة أسفي على الساحل الاطلسي أدت الى اقامته دعوى قضائية ضد صحيفة "الطليعة" المحسوبة على نقابة الاتحاد المغربي للعمل. ومن جهة ثانية، بدا ان الاستقلال لم يكن راضياً عن حجم حضوره في الحكومة، على رغم انه انحاز الى النظام في الدفاع عن التصويت لفائدة دستور 1962. وكان من نتيجة ذلك انسحاب الوزراء علال الفاسي ومحمد بوستة ومحمد الدويري من الحكومة واعلان الحزب انضمامه الى المعارضة. وكرد فعل على ذلك اعلن وزير الداخلية وقتذاك احمد رضا غديرة تشكيل تحالف سياسي ضم احزاب الحركة الشعبية وفصائل صغيرة ضمن ما عرف ب"جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية" التي ينظر اليها راصدون لمسار تطورات الأوضاع السياسية في البلاد بأنها ستؤول بصورة مغايرة عند نهاية السبعينات ومنتصف الثمانينات الى تشكيل احزاب تصفها المعارضة بأنها من "صنع الادارة". لكن التطور السياسي البارز في هذه الفترة يكمن في اعلان السلطات المغربية وقتذاك احباط "مؤامرة لاطاحة النظام" في تموز يوليو 1963 يترتب عليها اعتقال أعداد كبيرة من قياديي ومنتسبي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، اضافة الى رئيس الاتحاد الوطني لطلاب المغرب حميد برادة واصدار حكم باعدام المعارض المهدي بن بركة ورفيقه الفقيه محمد البصري. وعزت الاحكام حيثيات ذلك الى موقف بن بركة المؤيد للجزائر في حرب الرمال بينها وبين المغرب، في حين دانت الفقيه البصري بالضلوع في مؤامرة اطاحة النظام. ويقول المعتقل السابق سعد الله صالح في افاداته عن المرحلة انه اعتقل ورفاقه في مقر الحزب حيث كان زعيمه عبدالرحيم بوعبيد يرأس اجتماعاً سياسياً الى جانب عبدالرحمن اليوسفي وقياديين آخرين، ويعزو ذلك الى موقف الحزب من مقاطعة الدستور، اضافة الى احداث الاغتيالات التي اتهم فيها "شيخ العرب". وقال انه اقتيد ورفاقه معصوبي الأعين وقسموا الى مجموعتين: اطلق سراح المجموعة الأولى واحتفظ بالثانية: "ذقنا خلال فترات الاعتقال عذاباً مريراً وكان رجال الشرطة يجبروننا على الجلوس على قارورات من زجاج لنزع الاعترافات". واضاف ان الفترة اتسمت بالقمع الشديد وان ذوي المعتقلين كانوا يخشون السؤال عن ابنائهم وذويهم كي لا يتعرضوا بدورهم الى الاعتقال. بيد أن الوقائع المرتبطة بهذه الاعتقالات التي طاولت أكثر من مئة شخص من الناشطين في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية قادها مدير الشرطة وقتذاك الجنرال محمد اوفقير، واستهدفت ما وصف ب"التنظيم السري" للحزب الذي كان يضم اعضاء سابقين في جيش التحرير، اضافة الى تنظيم "شيخ العرب" احمد اكوليز الذين وجهت اليه تهم قتل اعداد أفراد القوات ورعايا تردد انهم كانوا متعاونين مع السلطات الاستعمارية وخصوم سياسيين. ولم يمر عام 1964 الذي اصدرت فيه محكمة الرباط حكماً بإعدام الفقيه محمد البصري في 14 آذار مارس، الى جانب آخرين، حتى جاء رد قيادة الاتحاد الوطني سياسياً عبر تقديم طلب سحب الثقة من الحكومة. قبل ان تندلع في صيف العام ذاته اضطرابات على الحدود المغربية الجزائرية صدرت احكام بإعدام المتورطين فيها. وشكّل الملك حكومة جديدة في تشرين الثاني نوفمبر عام 1963 برئاسة احمد باحنيني، وأصبح فيها المستشار احمد رضا غديرة وزيراً للخارجية، والمستشار عبدالهادي بوطالب وزيراً منتدباً، واحتفظ المحجوبي احرضان بوزارة الدفاع في نطاق تحالف الأحزاب المُشكِّلة ل"جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية" بعد انسحاب "الاستقلال"، كما اسندت الداخلية لعبدالرحمن الخطيب شقيق الدكتور عبدالكريم الخطيب الذي واجهه النائب عبداللطيف بن جلون من كتلة "الاتحاد الوطني" قائلاً رداً على اتهامه المعتقلين "الاتحاديين" بالمؤامرة "لا اعتقد يا عبدالرحمن ان لك الصلاحية الوطنية لتحاسب وطنيين آخرين، يا عبدالرحمن لمّا كان شقيقك عبدالكريم الخطيب في أيام المحنة يكافح من أجل استقلال البلاد من خلال دوره في المقاومة وجيش التحرير كنت أنت تنصّب نفسك محامياً عن الطرف الآخر في محاكمة المغاربة الذين فجروا قنبلة في السوق المركزي في الدار البيضاء الذي كان يقصده المستعمرون الفرنسيون". لكن الوزير الخطيب رد على ذلك موجهاً كلامه الى المعارضة: "ليقولوا إننا على اتفاق ضد اعداء الدولة واعداء الوطن، وضد الذين يفجرون القنابل لقتل اخوانهم، وليتبرأوا جميعاً من التصريحات التي تُلقى ضد الوطن وضد الملك، واعطيكم كلمة الشرف بأنني سأجعل منصبي هذا المساء رهن اشارة الملك وستقدم الحكومة استقالتها". بيد ان المستشار الراحل احمد رضا غديرة نحا في اتجاه آخر للربط بين طلب اطاحة الحكومة وتداعيات حرب الرمال المغربية الجزائرية ولجوء شخصيات مغربية من المعارضة وقتذاك الى الجزائر. وقال في هذا الصدد: "في 15 من الشهر الجاري كان طلب سحب الثقة، قبل يوم واحد جاء الى المغرب موفد من الرئيس الجزائري احمد بن بلة، ويوم 13 من الشهر كان الملك اوفد المبعوث ادريس المحمدي الى الجزائر. أليست هناك صلة بين الارادة التي عبّر عنها الرئيس بن بلة لجهة التزامه عدم دعم أي حركة معارضة في البلاد وتوقيت طلب سحب الثقة؟". وربط بين أحداث القلاقل وموقف الحكومة: "نحن أنصار الحرية، لكننا نقول لا لأي سياسة ترمي الى الهدم والاضطهاد والقتل". عرض بيان الكتلة النيابية ل"الاتحاد الوطني" لدى تقديم طلب سحب الثقة الذي لم يحز الغالبية المطلوبة، الى اوضاع الحريات العامة في البلاد. ومما جاء فيه: "كثرت عمليات الخطف وانتشر التعذيب وانتهكت الحرمات وعمت الرشوة وساد تعسف السلطات وتزييف الانتخابات. باختصار أصبحت البلاد تسودها الشرطة السرية سيادة مطلقة من دون حد أو رقيب". وسيكون لافتاً في غضون هذه التطورات التي عكست درجة عالية من الاحتقان السياسي، ان وزير الخارجية احمد رضا غديرة الذي كان يُوصف بأنه صاحب اكبر عدد من الوزارات الزراعة والداخلية والتعليم والخارجية سيقدم استقالته من الحكومة في صيف 1964، مما افسح في المجال أمام إسناد الداخلية الى الجنرال محمد اوفقير، "مكافأة" له على دوره في احباط الحركات الاحتجاجية وقمعها. وعلى رغم ان الحكومة حاولت استباق الأحداث لدى رفعها دعوى قضائية لحل تنظيم "الاتحاد الوطني لطلاب المغرب" الذي كان يُسيطر عليه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فإن محكمة في الرباط حكمت لمصلحة عدم تعليق التنظيم. لكن الغليان الشعبي كان بلغ ذروته، خصوصاً في اوساط الطلاب والتلاميذ، ونتجت عنه اضطرابات وقلاقل مدنية في آذار مارس من عام 1965، مما أدى الى تدخل قوات الجيش والشرطة بعنف.
وروى عميل الاستخبارات السابق احمد البخاري ان عشرات من جثث الضحايا نقلت على متن شاحنات ودفنت في ضواحي الدار البيضاء التي كانت مسرحاً لتلك الأحداث الدموية. وبالتزامن مع تنفيذ احكام اعدام بحق 14 من المتورطين في اضطرابات الحدود الشرقية مع الجزائر في 27 آذار مارس من العام نفسه، حرص الملك الراحل الحسن الثاني - الذي كان بصدد ترتيب اجواء انفراج سياسي مع المعارضة - على اصدار عفو عن المعتقلين في ما عُرف ب"مؤامرة 1963" واستفاد منه الفقيه محمد البصري والمهدي بن بركة وآخرون. وقدم على اثر ذلك مذكرة الى زعماء الأحزاب السياسية دعاهم فيها الى "تشكيل حكومة وحدة وطنية"، وأوفد مبعوثين الى بن بركة يحضه على العودة الى المغرب. وروى أحد المبعوثين الذي شارك في مفاوضات في مدينة جنيف السويسرية في حضور شقيق الملك الأمير عبدالله الذي كان غادر البلاد متخفياً وضع شعراً مستعاراً، ان بن بركة أكد له انه سيعود الى البلاد بمجرد انهاء ترتيبات والتزامات تطاول تنظيم "مؤتمر القارات الثلاث" في هافانا وانجاز شريط سينمائي. ومثلما بات معروفاً سيكون ذلك الشريط سبباً في "مصيدة" نُصبت لخطف بن بركة واغتياله في ظروف ما زال يسودها الالتباس في 29 تشرين الأول اكتوبر 1965 في باريس. بيد ان فشل المشاورات السياسية في نيسان ابريل 1965 سيقود الملك الراحل الحسن الثاني الى إعلان "حال الاستثناء" التي علّق بموجبها البرلمان، لكن من دون حل الاحزاب السياسية. ودام ذلك الى عام 1970. وتميّزت تلك الفترة بتداعيات قضية خطف بن بركة، اضافة الى بدء خطوات التنسيق الأولى بين "الاستقلال" و"الاتحاد الوطني" التي ستتبلور عبر تشكيل الطبعة الأولى ل"الكتلة الوطنية" بقيادة الزعامات السياسية والنقابية علال الفاسي وعبدالرحيم بوحميد وعبدالله ابراهيم والمحجوب بن الصديق. واضطر البصري الى مغادرة البلاد عبر اسبانيا في صيف عام 1966، قبل ان يتوجه في وقت لاحق الى الجزائر ثم سورية، كون الأخيرة قطعت علاقاتها الديبلوماسية مع المغرب على خلفية خطف بن بركة. وسيعاود البصري جمع شتات اعضاء "التنظيم السري" الذين سبق لهم ان التجأوا الى الجزائر. وفي حين ستفتح ليبيا ابوابها للمعارضين المغاربة بعد ثورة العقيد معمر القذافي عام 1969، رأى متشددون جزائريون ان الفرصة قد تصبح مواتية للانتقام من تداعيات "حرب الرمال" المغربية الجزائرية. وستسهم هذه الأوضاع، الى جانب الاحتقان السياسي الداخلي، في توتر الأجواء أكثر. وفي تلك الفترة، شكل الملك الراحل حكومة جديدة بعد الاعلان عن "حال الاستثناء" او الطوارئ وأصبح رئيساً لها للمرة الثانية بعد اعتلائه العرش، وأسند وزارة العدل الى المستشار عبدالهادي بوطالب والخارجية الى احمد الطيبي بن هيمة والمال الى مأمون الطاهري الذي سيتورط بعد ذلك في فضيحة مالية تقوده ووزرء آخرين الى السجن. وتحولت وزارة الدفاع الى الجنرال محمد امزيان واسندت وزارة الداخلية الى الجنرال محمد أوفقير. وبالتزامن مع ذلك، تعرض حزب الحركة الشعبية بزعامة المحجوبي أحرضان الى انشقاق قاده الدكتور عبدالكريم الخطيب الذي سيؤسس في وقت لاحق "الحركة الشعبية الدستورية". وكان فرض حال الاستثناء موضع الخلاف بين الرجلين. ذلك ان أحرضان اعلن مساندته حال الاستثناء الطوارئ بينما احتج عليها الدكتور الخطيب كونه كان رئيساً للبرلمان الذي لم يُستشر وفق الاجراءات الدستورية الجاري بها العمل في مثل هذا الموقف. ويُلاحظ ان الحكومة احتفظت انذاك بمنصب "وزير شؤون موريتانيا والصحراء"، كون الخلاف المغربي -الاسباني كان مطروحاً وقتذاك أمام الامم المتحدة التي اصدرت القرار رقم 2073 تدعو فيه الى تنظيم استفتاء الاقليم. لكن اسبانيا التي كانت تستعمر المحافظات الصحراوية رفضت الاذعان الى القرار. بيد ان قضية الصحراء التي كانت موضع خلافات بين تشدد حزب الاستقلال ومرونة النظام، ستتحول الى محور اتفاق واجماع يُنهي القطيعة بين القصر والمعارضة بعد حوالي عشر سنوات اي بداية عام 1975 تاريخ تنظيم "المسيرة الخضراء" التي شارك فيها زعماء الأحزاب السياسية في المعارضة والموالاة على حد سواء. وعلى رغم ذلك الاجماع، كانت قضية الصحراء محور تحركات مضادة قادها منتسبون الى تيارات ماركسية - لينينية بزعامة ابراهام السرفاتي المتحدر من اصول يهودية عند مطلع السبعينات. الأزمة مع فرنسا وتعرضت العلاقات المغربية - الفرنسية الى أزمة عاصفة على خلفية خطف المهدي بن بركة في باريس. إذ صدر عن الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول اتهام مباشر الى الجنرال محمد أوفقير بالضلوع في الحادث. واستدعت باريس سفيرها في الرباط، ثم رد المغرب بالمثل. في حين اصدرت قيادة "الاتحاد الوطني" بياناً عرضت فيه الى الظروف الغامضة لخطفه وأكدت ان سفير المغرب في باريس "اجرى اتصالات مع المهدي بن بركة وتقابل معه مرتين على الأقل بقصد التمهيد لعودته الى المغرب" التي لم يحل دونها عدم صدور النصوص القانونية لقرارا لعفو العام. لكن صحيفة "الاتحاد الوطني" التي حملت عنوان "المحرر" بعد اعتقال المدير السابق ل"التحرير" الفقيه محمد البصري ورئيس تحريرها عبدالرحمن اليوسفي، توقفت عن الصدور منذ الثالث عشر من تشرين الثاني نوفمبر 1965 الى منتصف شباط فبراير 1967، وعزت مصادر الحزب الضغوط التي تعرضت لها امنياً وسياسياً الى "الحؤول دون رصد وقائع خطف المعارض بن بركة". غير ان الجنرال احمد الدليمي الذي كان مديراً للشرطة وقتذاك، توجه الى باريس في تشرين الأول اكتوبر 1966 - كونه كان مطلوباً للمحاكمة في قضية بن بركة، بيد ان محكمة لايسن اصدرت حكماً ببراءته هو وعميد الشرطة الغالي الماحي وابقت على ادانة الجنرال محمد أوفقير غيابياً، ما حدا به الى عدم زيارة فرنسا منذ ذلك الوقت الى ان غيّبه الموت في صيف 1973 إثر تورطه في المحاولة الثانية لاطاحة الملك الحسن الثاني في صيف العام ذاته. وربما انه بسبب غياب كثير من الشهود وتعقيد ملف خطف بن بركة لم تبدأ هيئة الانصاف والمصالحة في تقديم افادات عن ملابسات القضية. لكن قرار وزارة الدفاع الفرنسية رفع السرية عن الوثائق والأرشيف المتعلّق بملف بن بركة من شأنه ان يزيح الغموض عن بعض مناطق الظل والالتباس. واكتفت افادات معتقلين سياسيين حول تلك المرحلة بالتوقف عند ما تعرض له الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من مضايقات واعمال اضطهاد واعتقالات تعسفية ومحاكمات سياسية ضربت ارقاماً قياسية في اعداد المتهمين واعداد "المؤامرات". وكان النصيب الأوفر لأحكام الاعدام فيها من نصيب الفقيه محمد البصري وسعيد نوفيلات وعمر بن جلون ومومن الديوري، قبل ان تُخفف الى السجن مدى الحياة ثم العفو. أوفقير واعتقالات 1970 أشرف الجنرال أوفقير في نهاية عام 1970 على أكبر عملية اعتقال طاولت حوالي 300 شخص ينتسبون في غالبيتهم الى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المعارض. ووُجّهت اليهم اتهامات بالضلوع في محاولة اطاحة النظام عبر تجنيد مناصرين وعملاء ل"التنظيم السري" الذي كان يقوده المعارض الفقيه محمد البصري خارج البلاد. وبدا أن الخيط الذي مكّن الشرطة من اعتقال المتهمين كان العثور على قائمة بأسماء النشطاء تردد أنها وجدت في حوزة النائب البرلماني السابق الشاعر الحبيب الفرقاني ثم المعتقل السابق عبدالرحمن شوجار الذي كان اختفى في ضواحي مدينة مراكش. وقادت تلك الحملات الى استدراج المعتقلين السابقين سعيد بوسعيلات المدان بالإعدام مرات عدة وأحمد بن جلون زعيم حزب الطليعة الاشتراكي حالياً بعدما كانا يقيمان في اسبانيا. ويقول عبدالرحمن شوجار في افاداته عن تلك الفترة: "كانت الأجواء متوترة على خلفية أحداث عرفتها البلاد وأصبحت فيها عيون الاستخبارات تلتقط الأنفاس وتراقب تحركات النشطاء السياسيين، وضمنهم العاملون في نطاق مشروع. ومن جهتي كنت اضطر الى المبيت في الخلاء والحدائق العامة، وأُغيّر الأمكنة باستمرار، ما حداني الى مغادرة البلاد والالتحاق باللاجئين المغاربة في الجزائر، ثم معسكرات الفدائيين في سورية. لكنني اعتقلت بمجرد عودتي الى المغرب ونُقلت والرفيق الحبيب الفرقاني الى "دار المقري" في الرباط التي مكثنا فيها أكثر من سبعة شهور ذُقنا خلالها مرارة العذاب قبل ان يتم نقلنا الى سجن القنيطرة حيث زج بنا في مراحيض يطوقها الحراس". ويصف سمات المرحلة الأولى بالقول إن البلاد لم تكن تعاني من مجرد تجاوزات وهفوات وإنما كان هناك "قمع ممنهج وخطة دقيقة هدفها تدمير المجتمع وخنق الأصوات الرافضة للسيطرة والخنوع والتحكم في الثروات والموارد". لكن الحبيب الفرقاني، الذي لم يقدم افادات عن الفترة، كان واجه المحكمة بالقول في محضر مسجل: "اطلب اليكم ألا تغفلوا وأنتم تصدرون حكمكم معي أو ضدي ان تقارنوا بيني أنا الماثل أمامكم بتهمة الاعتداء على النظام والمس بالأمن العام وبين أولئك الذين يعمدون باسم الدولة ونفوذها الى نهب الأموال والإضرار بمصالح البلاد". لكن المحكمة دانته بالسجن عشر سنوات، كما دانت المعارض البصري وقياديين في "التنظيم السري" بالإعدام، غير أنه لم ينفذ. واستندت في ذلك الى كون البصري ورفاقه كانوا يدعون الى اطاحة النظام و"احلال نظام اشتراكي جمهوري بديلاً عنه" وشكلوا خلايا سرية تلقى المنتسبون اليها تدريبات في الجزائر وسورية، كما أقام بعضهم في مدريد بهدف تسهيل نقل الأسلحة الى الأراضي المغربية عبر مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين شمال البلاد. غير أن المحكمة ذاتها برأت قياديين بارزين في الاتحاد الاشتراكي المنشق عن الاتحاد الوطني وتيار الفقيه البصري عام 1974، وفي مقدمهم زعيم الحزب رئيس الوزراء السابق عبدالرحمن اليوسفي والسكرتير الأول الحالي وزير الاسكان محمد اليازغي، وعزت ذلك الى عدم وجود أدلة كافية على تورطهم، إضافة الى الحكم ببراءة زعيم اليسار الموحد محمد آيت سعيد.
ويقول المعتقل السابق رشيد المانوزي الذي يتحدر من أسرة تعرض أفرادها الى الاعتقال، إنه كان في طريقه لأداء امتحانات شهادة البكالوريوس عام 1970 واعترضه ثلاثة أشخاص مجهولين اقتادوه معصوب العينين الى مكان مجهول، سيكتشف بعد فترة أنه معتقل "درب مولاي الشريف" في الدار البيضاء، وأن أباه وأشقاءه كانوا معتقلين هناك. ويتذكر أنه سمع كلاماً عن ذلك المعتقل الرهيب الذي غيّب الموت فيه أعداداً من الضحايا ضمنهم المعتقل محمد مجيد عندما كان طفلاً. ويضيف: "تعرضت هناك للضرب المبرح والتعذيب النفسي والاعتداء الجنسي". وكان أكثر ما يعذبه انصاته الى أنين المعتقلين من فرط التعذيب، بيد أن محكمة مراكش لعام 1971 أصدرت حكماً ببراءته من تهمة "المس بالنظام" فيما دانت شقيقه الحسين المانوزي بالإعدام على خلفية ورود اسمه ضمن قوائم متهمين تلقوا تدريبات على استخدام الاسلحة في معسكرات في الجزائر قبل انتقالهم الى المغرب على دفعات، ستكون اخرها تقريباً في عام 1973 ضمن ما يُعرف ب"أحداث مولاي بوعزة"، التي صادفت ذكرى الاحتفال بعيد جلوس الملك الحسن الثاني على عرش المغرب. لكن رشيد المانوزي، بحسب افاداته، سيضطر الى مغادرة البلاد والاستقرار لاجئاً في عواصم أوروبية، وسيدعو مجدداَ الى اماطة اللثام عن ظروف اختفاء شقيقه حسين المانوزي وآخرين ما زال الغموض يلف مصيرهم ضمن ما يُعرف ب"ملفات المختفين" وإن كانت جرت محاولات للكشف عن مصير أعداد منهم وتسليم ذويهم شهادات الوفاة لتدبير الاجراءات الإدارية والإنسانية. المعتقل السابق أحمد بمن منصور يربط بين الحملات التي تعرض لها المغاربة في فترة الكفاح من أجل الاستقلال لإخماد شرارة الانعتاق وبين البطش الذي ذاقه المعتقلون الذين كانوا يتوقون الى التحرر في سنوات بناء الاستقلال. ويرى أن مظاهر القمع ارتبطت بالتنكيل بأعضاء المقاومة وجيش التحرير وإبعادهم عن وظائفهم: "بدأت القوة الظلامية تنصب المصائد لاقتياد الذين يرفضون الانصياع لمخططاتها". وقال إنه اعتقل في مسكنه ليل 13 آذار مارس 1970 واقتيد الى مركز الشرطة في الدار البيضاء ثم الى "دار المقري" في الرباط ثم "درب مولاي الشريف" في الدار البيضاء والسجن المركزي في القنيطرة قبل أن يُحال على محكمة مراكش بعد أن كانت المحكمة العسكرية في القنيطرة قضت بعدم الاختصاص، كونها تتابع العسكريين فقط، بينما احيل عليها المتهمون بسبب حيازتهم اسلحة وفق محاضر التحقيقات الأمنية التي جاء فيها أن الأسلحة المحجوزة زادت على أربعين قطعة، بينها مسدسات ورشاشات وقنابل. لكن اقامتهم في سجن "بومهارز" في مراكش كانت بدورها استرداداً لجوانب من التعذيب النفسي، إذ وضعوا ضمن اكثر من ثلاث مجموعات في زنزانة انفرادية، ما حدا بالمعتقلين الى تنفيذ اضراب عام عن الطعام. ولفت زعيم الاتحاد الاشتراكي وقتذاك المحامي عبدالرحيم بوعبيد الذي كان يؤازر بعض المتهمين، انتباه المحكمة الى الأوضاع غير الإنسانية التي طاولت المتهمين وهم في السجن، في إشارة الى وجود عناصر من قوات الأمن السري داخل السجن، بخاصة وقد ثبت أن بعضهم متحدر من القبيلة ذاتها التي يتحدر منها الجنرال محمد أوفقير، أي منطقة "عين الشعير"، مكان ولادته. كما ترافع محمد بوستة، زعيم حزب الاستقلال"، عن أعداد من المتهمين، ما اعتُبر تنسيقاً حقوقياً بين الحزبين، سيتعزز سياسياً في وقت لاحق. وأشار محامون الى أن مظاهر انتهاك القانون في محاكمة مراكش شملت انتزاع الاعترافات تحت التعذيب ومعاودة الاستنطاقات حتى بعد كتابة المحاضر والتوقيع عليها من منطلق ظهور افادات جديدة أو اعتقال اشخاص جدد، عدا أن فترات الاعتقال تجاوزت في بعض الحالات أكثر من عام في معتقلات سرية وتسبب لأعداد من المتهمين في عاهات دائمة وأصيب بعضهم بخلل عقلي، في حين قال المعتقل السابق أحمد بن جلون إنه كان يرى الديدان تخرج من أجزاء من جسده، خصوصاً قدميه، من فرط الضرب المبرح، وواجهه أحد الجلادين: "في المرة المقبلة سنخرج الأفاعي والعقارب من قدميك". لكن السيدة خديجة المالكي، نجلة اللاجئ أحمد المالكي، قالت إنه لدى اعتقالها "تعرضت لأشياء يصعب البوح بها". وعزت اعتقالها الى أنها تلقت طلباً من والدها المقيم في الجزائر يتمنى عليها ان تستقبل سيدة تعرفها في محطة القطار وتصحبها الى شخص يُفترض أن يساعدها في العبور من وجدة الى الجزائر لملاقاة زوجها هناك. لكن تلك السيدة ألحّت عليها في كتابة رسالة مفادها ان "الأمانة وصلت".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.