خلّفت وقائع سياسية وتاريخية يعرض لها العميل السابق للاستخبارات المغربية أحمد البخاري في صحيفة "الأحداث المغربية"، منذ ما يزيد على شهر، ردود فعل سياسية ونيابية انتقدت جوانب في مضمونها الذي يطاول حياة شخصيات عدة زعم انها مرتبطة بأجهزة الاستخبارات أو شكك في أدوارها التاريخية خلال فترة مطبوعة بالاحتقان السياسي في السنوات الأولى لاستقلال البلاد. وإضافة الى ذلك، كشف البخاري معطيات قال انه عاينها في أحداث تتعلق بخطف المعارض الراحل المهدي بن بركة وقتله، وكذلك دور "ميليشيات" سياسية في تصفية خصوم سياسيين، وأحداث القلاقل المدنية في الدار البيضاء عام 1965، إذ حكى عن دفن مئات الجثث في ضواحي المدينة. وعرض العميل السابق أيضاً لعلاقات مشبوهة بين شخصيات نافذة في محيط الملك الراحل الحسن الثاني وأصحاب ملاه ليلية ونوادي قمار وضلوع استخبارات أجنبية في تجنيد شخصيات عدة للدفاع عن مصالح أجنبية. وركز البخاري في رواياته على شخصيات سياسية غيّب بعضها الموت وبعضها ما زال حياً، تلتقي جميعها في انتسابها الى أحزاب يمينية، كما في حال الراحلين المعطي بو عبيد رئيس وزراء سابق وعبداللطيف السملالي وزير الشباب والرياضة سابقاً اللذين قادا حزب الاتحاد الدستوري منذ العام 1984 الى العام 1999. وركّز الانتقاد كذلك على زعيم الحركة الوطنية الشعبية المحجوبي أحرضان وزير دفاع، وزير بريد سابقاً الذي اتهمه البخاري بالضلوع في محاولات لتصفية المعارض بن بركة والتشكيك في دوره في "جيش التحرير". وكذلك الحال بالنسبة الى زعيم الحركة الديموقراطية الاجتماعية محمود عرشان، عميد الشرطة السابق، الذي عرض البخاري لما وصفه ب"ضلوعه في تعذيب معتقلين سياسيين". كما تضمنت الوقائع التي رواها البخاري معطيات حول دور مدير الأمن الوطني الراحل محمد الغزاوي في أحداث سياسية غامضة ارتبطت بصراعات سياسية في نهاية الستينات، وتحديداً لدى انشقاق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن حزب الاستقلال في فترة اتسمت بالحدة، ما دفع الى تشكيل مركزيات نقابية لم يسلم بعض قادتها من اتهامات البخاري. لكن أكثر الانتقادات التي تضمنتها تلك الوقائع وُجّّهت الى وزير الداخلية السابق ادريس البصري، إضافة الى عملاء الاستخبارات رفاق البخاري وفي مقدمهم الراحل محمد العشعاشي وشقيقه عبدالحق العشعاشي وعبدالقادر الصاكة ومحمد المناوي والحسين جميل الرئيس السابق للاستخبارات. وعدد البخاري اسماء مئات من رجال الأمن الذين اتهمهم بالضلوع في خطف واعتقالات تعسفية واختفاءات قسرية. وقال ان مئات الضحايا توفوا في معتقلات سرية، مبرراً شهادته بأنها قد تساعد في كشف مناطق الظل في سنوات الاحتقان السياسي. كما تحدث البخاري باسهاب عن دور الجنرالين محمد أوفقير وأحمد الدليمي اللذين غيّبهما الموت في ظروف غامضة، الأول بعد التورط في المحاولة الثانية لإطاحة نظام الملك الراحل الحسن الثاني في صيف 1972، إذ تردد انه انتحر او قُتل لدى توجهه الى القصر الملكي في الصخيراتجنوب العاصمة الرباط بعد فشل المحاولة الانقلابية، والثاني تعرّض لحادث سير عام 1983، قبل يوم واحد من زيارة الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران للمغرب. ومعروف في هذا السياق ان القضاء الفرنسي دان غيابياً الجنرال الدليمي في قضية خطف المهدي بن بركة من باريس وقتله في 29 تشرين الأول اكتوبر 1965. ردود فعل وكان رد الفعل الأول على شهادة البخاري، من نصيب الاتحاد الدستوري الذي نظّم تجمعاً احتجاجياً أمام صحيفة "الأحداث المغربية". لكن منذ ذلك الوقت ارتدت ردود الفعل طابعاً سياسياً أكبر وصلت معه الى مجلس الحكومة الذي ناقش مزاعم العميل السابق في اجتماع برئاسة ادريس جطو. إذ أثيرت قضية اخلاقية تمس بشرف وزير المال فتح الله ولعلو عبر نشر أخبار اعتبرها حزب الاتحاد الاشتراكي مُخلّة بالاخلاق وعارية عن الصحة، ما حدا وزراء من أحزاب أخرى الى طرح موضوع المذكرات التي ينشرها البخاري. وقالت مصادر حزبية ان جطو أقر تشكيل لجنة تتابع مزاعم البخاري تكون مهمتها استشارية "لئلا يُفهم ذلك تدخلاً في حرية الصحافة". إلا ان نواباً من أحزاب الاتحاد الدستوري والحركة الوطنية الشعبية والحركة الشعبية احتجوا أمام البرلمان على السماح بنشر تلك الوقائع على أساس انها تمس رموزاً مغربية. غير ان زعيم الحركة الوطنية الشعبية المحجوبي احرضان احتج بطريقة مغايرة لدى تسليمه رسالة الى رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، إذ سُئل عن مضمونها فأجاب: "انهم يتهموننا بالخيانة في آخر العمر"، في إشارة الى بلوغه الخامسة والثمانين من عمره. أما القيادي البارز في حزب الاستقلال عبدالكريم غلاب، مدير صحيفة "العلم"، فعرض الى هذه الظاهرة بالقول انها "تجعل الجلادين يكتبون تاريخ البلاد". في حين امتنع آخرون من بين الشخصيات التي عرضتها وقائع البخاري، عن التعليق. وكتبت "الأحداث المغربية" التي تنشر المذكرات، انها لا تتبنى رواية البخاري للأحداث والوقائع موضوع شهادته، وانها ترى ان الشهادة "يمكن ان تشكّل فرصة لفتح ملفات سنوات الرصاص بشفافية". وحضّت المتورطين في أحداث الخطف والتعذيب على التقدم باعتذار الى الشعب المغربي. وهي نشرت أيضاً ردود فعل شخصيات أو أقاربها على تلك الوقائع. وتُعتبر هذه المرة الأولى التي تثير فيها مذكرات هذا النوع من الجدل. وفيما يرى بعض المراقبين هذا التوجه، خصوصاً نشر عملاء الاستخبارات شهادات عن المرحلة الماضية، مؤشراً ايجابياً، قال آخرون ان ثمة هيئات تعمل على ترتيب خطوات المصالحة في البلاد وان كتابة التاريخ لها شروطها.