جاء انطلاق تصوير فيلم"عمارة يعقوبيان"بالتزامن مع صدور الطبعة السادسة للرواية الحدث والتي تحمل الاسم نفسه. يذكر أن الطبعة الأولى صدرت في آذار مارس 2002، وهو ما يعدّ حدثاً أدبياً حيث لم تطبع أي رواية هذا العدد من الطبعات في هذا الوقت القصير وهو ما لم يتوقعه أيضاً المؤلف الطبيب وفي ما بعد الروائي علاء الأسواني الذي يقول في حوار مع"الحياة"بالطبع ما حدث كان غير متوقع إطلاقاً ولكنه يدل الى أن قراء الأدب موجودون وبكثرة ولم ينصرفوا مثلما يردد البعض وإنما انصرفوا فقط عن الكتابة التي أسميها"عدمية"وليست حداثية! وعندما وجدوا كتابة مفهومة وبسيطة عادوا لقراءة الأدب. وهكذا يبدو أن الفيلم يستفيد من نجاح الرواية المستمر لدى القراء. ولقد أرجع الكثر نجاح الرواية إلى أنها تحدثت وبجرأة شديدة عن السياسة والجنس والفساد عند الكبار، بل نستطيع أن نقول إنها كشفت خبايا الكبار في القاهرة من خلال"عمارة يعقوبيان"المكان العتيق في وسط البلد القاهرة والذي يقول عنه الأسواني:"عمارة يعقوبيان اتخذتها كحيلة فنية لأحداث الرواية وهو مكان لفت نظري لأنه يحمل في ثناياه تاريخًا عتيقًا وكذلك يرمز الى فترة ليبرالية مهمة في تاريخ مصر، كما أن العمارة كان فيها مكتب والدي عباس الأسواني ثم عيادتي". لذلك فالمكان الحقيقي والموجود أمام الجميع في أحد أهم شوارع وسط البلد جذبهم لقراءة الرواية ولكن فوجئ القراء بعد ذلك بأن شخصيات الرواية وخصوصًا كمال الفولي، حاتم رشيد، الحاج عزام يعرفونها تمام المعرفة وتتطابق إلى حد كبير مع شخصيات عامة في مصر ربط القراء بينها، إلا أن علاء يقول:"من المهم أن تكون شخصيات روايتي عند الناس بهذا الصدق، والمؤكد أن الشخصيات مستوحاة فعلاً من الواقع ولكنها ليست متطابقة! بمعنى أنني آخذ شخصية حقيقية وأقوم بحذف أو إضافة لها حتى تظهر كشخصية فنية. ممكن أن نقول إن الشخصية الواحدة في داخلها أكثر من شخصية حقيقية". قراء متفرجون وعن تحويل العمل الأدبي الى عمل سينمائي يرى علاء الأسواني أن هذا يزيد من جماهيرية العمل الأدبي ولكن"على الأديب أن يعي جيداً الفرق بين الأدب والسينما كوسيط فني. فالعمل الأدبي أنت حر فيه لأنه عمل المؤلف الواحد، عكس السينما فهي عمل جماعي، وهناك ايضاً فرق في المتلقي الذي هو في الأدب على مستوى النخبة، ولذلك أنا لا أتدخل في العمل السينمائي وهمّي الأول هو قارئ الأدب والذي أكتب له ولكن سأسعد بجمهور السينما أيضاً، ونجاحي الأصلي استمده من قراء الأدب ولو كنت أكتب للسينما لكان أصبح همي هو جمهور السينما". واعتبر الأسواني أن تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي ليس دليلاً الى جودة الرواية الأدبية عموماً حيث"هناك روايات أدبية ضعيفة، وعندما حولت الى السينما نجحت جداً مثل"شيء من الخوف"لثروت أباظة، وبالعكس هناك روايات أدبية جيدة لا تصلح للسينما مثل روايات علاء الديب وروايات جمال الغيطاني التاريخية، وهناك رواية"في القبو"لدوستويفسكي كلها روايات جيدة جداً ولكن لا يجوز تحويلها الى السينما. وأؤكد أن الأدب يمثل نقطة انطلاق متقدمة للعمل السينمائي لأنه يوفر لكاتب السيناريو جواً أدبياً وشخصيات مرسومة بشكل جيد فينطلق كاتب السيناريو من نقطة متقدمة ويستطيع أن يحلق عالياً بعمله الفني". كان الفنان القدير عادل إمام أول فنان قرأ الرواية ولفتت نظره فاتصل بعلاء الأسواني مهنئاً ومبدياً إعجابة بها، وتصادف اتصال عادل بالمؤلف في الأسبوع نفسه الذي تحدث فيه مع المؤلف الكاتب محمد حسنين هيكل مهنئاً أيضاً? وسيشاهد الجمهور النجم عادل إمام في حالة فنية خاصة جداً شكلاً وموضوعاً مع شخصية"زكي الدسوقي"التي وقع في حبها منذ قراءة الرواية ومعه هند صبري التي تؤدي دور الفتاة الصغيرة بثينة في دور إحدى البائعات في محلات وسط البلد، وكمال الفولي البرلماني الفاسد والحاج عزام رجل الأعمال الشهير الذي يحاول دخول مجلس الشعب من طريق دفع الرشى، وحاتم رشيد الصحافي الشاذ وآخرون. ويعلق علاء على اختيار الممثلين قائلاً:"بصراحة لو كنت أنا الذي سأختار لم أكن لأختار أفضل من هؤلاء النجوم وعلى رأسهم عادل إمام ونور الشريف ويسرا وخالد الصاوي وأنا أثق جداً فيهم جميعاً لأنهم وافقوا على العمل في الفيلم بعد أن قرأوا الرواية وهو ما طمأنني لأن حبهم للرواية هو الذي جعلهم يوافقون"? وفوجئ قراء الرواية بوجود شخصية حاتم رشيد رئيس التحرير الشاذ جنسياً داخل الرواية وتم الربط بينها وبين شخصية حقيقية، كما فوجئوا بالجرأة في تناول الجنس خصوصًا بين الحاج عزام وزوجته سعاد جابر أو بين حاتم رشيد وعبد ربه! ولكن علاء الأسواني يؤكد أن الجنس في الرواية عُولج بطريقة بعيدة عن الابتذال، توحي ولا تصرح، حتى لا تخدش حياء القارئ. أما عن الشخصية المثيرة للجدل حاتم رشيد فأوضح لأول مرة أنها ليست لصحافي وإنما أخذتها من شخصية أحد المثقفين صاحب ثقافة عالية ووالده صاحب قيمة كبيرة في المجتمع المصري؟! وكنت تعرفت إليه في إحدى الندوات الثقافية. علاقة... بسكان العمارة؟ مع تحويل الرواية الى فيلم سينمائي سعى البعض للكسب المادي من طريق رفع قضايا تعويضات ضد المؤلف والمنتج بحجة تشابه أسمائهم مع أسماء شخصيات الرواية. يؤكد الأسواني أن شخصيات الرواية"ليست لها علاقة لا من قريب أو بعيد بسكان العمارة الحاليين أو السابقين، وإذا حدث تشابه فذلك من قبيل الصدفة البحتة فقط". ويضيف:"فوجئت بغضب شخصيات كانت في العمارة مثل الأستاذ فكري عبد الملك المحامي والذي أعتز به منذ كانت عيادتي في العمارة ولا يمكن أن يتطرق الشك إلى نزاهته أبداً اذ غضب مني لأن هناك شخصية محامي العمارة الحرامي!! وأؤكد أن الرواية ليست عملاً تسجيليًا وإنما خيال كاتب. وبالنسبة الى ما أشير حول موقف نقابة الصحافيين من تقديم شخصية صحافي شاذ في الفيلم، تحدثت مع النقيب جلال عارف وبعض أعضاء مجلس النقابة وقلت لهم أتخيل أنني كأديب وكاتب لو وقعت في مشكلة، أنتم أول من ستقفون الى جانبي لأن نقابة الصحافيين في تاريخ مصر ومعها نقابة المحامين رفعتا لواء الحريات ودافعتا عنه، فأجابوني بأنه لا يمكن أن نأخذ أي إجراء أو ننزعج لأنه سيكون سبة في جبيننا إذا لم نستطع أن نفرق بين الواقع والخيال". ويكشف علاء الأسواني أنه لم يقرأ السيناريو الذي كتبه وحيد حامد عمداً لخوفه من أن يتأثر ويتدخل في العمل، ويضيف:"أثق تمام الثقة في عادل إمام ووحيد حامد لأنهما وعداني بالمحافظة على مضمون الرواية ورسالتها". في النهاية يعترف علاء الأسواني بأنه تأثر بكل من نجيب محفوظ وعلاء الديب وجمال الغيطاني ويعتبر محفوظ تجربة إنسانية فريدة في عالم الأدب وأنه لو لم يكتب غير الثلاثية لاستحق أيضاً عليها نوبل، وكذلك الأديب ستويشكوف الذي يردد قولة:"الطب زوجتي... والأدب حبيبتي". بقي أن ننتظر لنشاهد فيلم"عمارة يعقوبيان"للمخرج مروان حامد ونرى كيف سيكشف الفيلم بكل نجومه عن خبايا عالم الكبار في السياسة والفساد والجنس في القاهرة.