لم يكن المكان الذي اختاره الاديب علاء الاسواني مسرحاً لروايته الاولى "عمارة يعقوبيان" مجرد مكان تدور فيه احداث رواية ادبية. فهذه العمارة التي تدور فيها احداث الرواية ليست مكاناً افتراضياً من صنع خيال المؤلف ولكنه مكان حقيقي وعمارة حقيقية موجودة في ميدان طلعت حرب بوسط مدينة القاهرة.. بناها المليونير الارمني "جاكوب يعقوبيان" عميد الجالية الارمينية في مصر عام 1934 وسكنتها في تلك الفترة طبقة ارستقراطية اجنبية ثم تغير سكان العمارة بعد الثورة فاحتلها مجموعة من ضباط الثورة ومجموعة من التجار ورجال الاعمال، حتى الغرف التي فوق السطح والتي كانت مخصصة لتخزين المواد الغذائية ومبيت كلاب اصحاب الشقق تغير فأصبحت سكناً للعديد من الاسر الفقيرة في هذا المكان فلم يكن مجرد مكان للحدث ولكنه مكان يشهد ويرصد التغيرات التي حدثت في مصر ما بين عهدين، عهد ما قبل الثورة، وعهد بعدها ثم نأتي لاحداث الرواية نفسها وهي ترصد من خلال كاتبها هذا الحراك الاجتماعي الذي حدث في مصر في سنوات ما بعد الثورة حيث صعد إلى اعلى الدرجات اقل الناس شأنا وانهار ابناء الطبقات الارستقراطية ولم يبق لهم الا اجترار الماضي والبحث عن دور لهم في احداث تلك الفترة. ولقد حاول علاء الاسواني من خلال تلك الرواية ان يقدم نماذج تجمع مختلف الشرائح الاجتماعية والثقافية في احداث روايته التي تشتمل على اربع روايات مختلفة تسير على التوازي وتدور احداثها في نفس المكان (العمارة) فهذا هو زكي بك الدسوقي اقدم سكان العمارة والابن الاصغر لعبد العال باشا الدسوقي القطب الوفدي المشهور الذي تولى الوزارة اكثر من مرة وكان من كبار الاثرياء قبل الثورة والذي ارسل ابنه ليتعلم في باريس وكان يعده للعب احد الادوار السياسية البارزة بعد عودته ولكن بعد قيام الثورة وتأميم ثروة عبد العال باشا يموت ويترك ابنه يجتر ذكريات باريس ويغرق في ملاحقة النساء واستعراض خبرته الواسعة في الايقاع بهن اما صاحب القصة الثانية فهو "طه الشاذلي" ابن البواب الذي بدأ حياته بحلم ان يصبح ضابط شرطة وظل لقب ابن البواب يطارده حتى بعد دخوله الجامعة ولم يجد الملاذ الا في الدين. اما الشخصية الثالثة فهي شخصية الصحفي حاتم رشيد رئيس التحرير الناجح الذي لديه مشكلة خاصة مع عبده عسكري الامن المركزي وتظل تلك العلاقة مسببة التوتر لعبده الصعيدي حتى يتركه في النهاية مسبباً له ازمة نفسية وعاطفية. اما القصة الاخيرة فهي قصة الحاج محمد عزام الذي بدأ حياته في المنطقة كماسح احذية ثم اختفى عن الاعين لسنوات وعاد ثرياً يعقد الصفقات ويقيم المشروعات التي تحقق الملايين وبدأ يفكر في دخول عالم السياسة عن طريق الانتخابات التي يتحكم فيها كمال الفولي رجل السياسة الذي يمسك في يده بكل الخيوط بدءاً من التحكم فيمن يدخل المجلس او من لا يدخل حتى خيط الاتصال بالرجل الكبير. تتداخل القصص الاربع من خلال المكان والشخصيات الهامشية ومما لا شك فيه ان علاء الاسواني قد استطاع من خلال لغة بسيطة وحوار جيد ان يبني بناء ادبياً جيداً وصل إلى المتلقي بسهولة فحققت الرواية نجاحاً وتوزيعاً هائلاً على مستوى الطبعات الثلاث التي صدرت للرواية.. الاولى كانت عن دار ميريت في يناير 2002 والثانية عن مكتبة مدبولي في يوليو 2002 والثالثة عن نفس الدار في يناير عام 2003 وكان من آثار هذا النجاح الهائل التحضير لعمل فيلم سينمائي عن نفس الرواية التي كتبها الاديب المبدع علاء الاسواني بلغة بسيطة اقرب إلى لغة الحوار السينمائي ولعل هذا هو احد اسباب تواصل الجمهور العادي من القراء مع تلك الرواية اما السبب القوي الاخر لنجاح تلك الرواية فهو انها تقترب باحداثها وشخوصها من الواقع بكل احباطاته وسلبياته وفساده، حتى ابطال الرواية يمكن ان تجد تشابهاً او تطابقاً مع شخصيات حقيقية تعرفها او سمعت عنها حتى ان البعض من تلك الشخصيات يمكن للكثيرين ان يتعرفوا على نظرائهم الموجودين في الواقع حتى ان العديد من القراء يمكنهم ان يشيروا الى احدى الشخصيات العامة التي تحاك حولها الشائعات مؤكدين انه هو نفسه كمال الفولي او حاتم رشيد او طه الشاذلي او غيرهم من ابطال تلك الرواية التي تأخذ من خلطة البساطة والواقعية سر نجاحها.