ما زالت رواية "عمارة يعقوبيان" للكاتب علاء الأسواني تجذب القارئ والناقد، فهي التي حققت نجاحاً استثنائياً في الأوساط الثقافية المصرية والعربية ولاقت طبعاتها المختلفة رواجاً جاوز اهتمامات النخبة الى الجمهور العادي، تدخل هذه الأيام باباً جديداً من "الشهرة" لكن هذه الشهرة لن تأتي مع الأسماء الكبيرة التي تؤدي بطولة الفيلم السينمائي المأخوذ عنها وعلى رأسها عادل امام ومعه جمع من نجوم السينما المصرية. ولن تأتي أيضاً من خلال اللافتة التي وضعها صاحب البناية أو العمارة لتشير الى مكانها في شارع طلعت حرب وسط القاهرة بعد أن اصبحت موقعاً سياحياً يقصده المفتونون بالادب، بل تأتي الشهرة في شكل اتهامات اطلقتها دراسة مثيرة اعدها الكاتب والمحامي المصري صبري العسكري وألمح فيها الى ان شخصيات الرواية مستوحاة او مستنسخة من اعمال الكاتب المسرحي المصري الراحل نعمان عاشور، وبخاصة شخصية السيدة "دولت" المنقولة بحسب وصف الدراسة من "دولت" اخرى موجودة في مسرحية "برج المدابغ" لعاشور. واعتبرت الدراسة ان شخصية "زكي الدسوقي" وهي الشخصية الرئيسة في "عمارة يعقوبيان" خلاصة شخصيات عدة في أعمال أخرى لعاشور وبخاصة مسرحياته من مثل: "الليلة الحمراء" و"الجيل الطالع" و"سيما أوَنطة"، والاسم تحديداً اختاره مؤلف "عمارة يعقوبيان" نقلاً عن هذه المسرحيات. اما من حيث نشأة الشخصية وتطورها درامياً فمأخوذان من شخصية "رجائي" في مسرحية "الناس اللي تحت" لنعمان عاشور. وتقصى صبري العسكري عن شخصيات اخرى في "العمارة" فوجد ان "ملاك" في الرواية موجود في مسرحية "الجيل الطالع" لعاشور و"ظلال شنن" في الرواية هو "ابو الرضا شنن" في "عيلة الدوغري" و"ابسخرون" في الرواية فيه الكثير من ملامح "هشام في برج المدابغ" هذا على خلاف صور اخرى من التشابه بين "العمارة" ومسرحيات اخرى لعاشور، مما دفع العسكري الى اعتبار الامر يخرج عن دائرة توارد الخواطر ويقع في نطاق النقل? ويؤكد العسكري ان النقل عن مسرحيات عاشور لا يقف عند استعارة الشخصيات الكثيرة وانما يشمل مبنى "العمارة" الذي يتشابه مع وصف عاشور ل"برج المدابغ". وعلى رغم ذلك لا يتورط صبري العسكري في اعتبار هذا الأمر نوعاً من السرقة الادبية لأن شرط السرقة الادبية لا يتحقق هنا بسبب لاختلاف طبيعة أو نوع العمل الناقل عن العمل المنقول عنه فهذا الاختلاف يعني ان هناك اضافة في العمل الناقل لم تكن موجودة في العمل الاصلي المنقول عنه وهو ما حصل في النصف الثاني من "عمارة يعقوبيان" التي ابتعد صاحبها في هذا النصف بحسب وصف الدراسة عن الالتزام بمسار شخصيات عاشور وقدم لها مساراً مختلفاً، لكن علاء الاسواني لم يعلن عن ذلك في عنوان الرواية او متنها. وينتهي العسكري الى اعتبار هذه الحالة "المتلبسة" على حد وصفه تقع تحت بند "الابداع والاستنساخ" حيث للمبدع الاصلي فضل وللمستنسخ عنه فضل آخر، غير ان المبدع الاول يبقى هو الاصل بينما يبقى دور المستنسخ هو "الحاضن". وغضاً للنظر عن جدية هذه الاتهامات وحقيقتها التي يمكن لدراسة نقدية معدة بأدوات اكثر منهجية اثبات هذه التهمة أو نفيها، تظل الحقيقة المؤكدة ان رواية "عمارة يعقوبيان" أعادت الرواية المصرية الى صدارة الاهتمام الشعبي وكادت تصبح عملاً شعبياً بفضل الحفاوة النقدية التي لقيتها وصاحبها الذي أصبح الكاتب المصري الوحيد الذي يتوجه الجمهور لحضور ندواته الادبية عبر شراء تذكرة كرسم دخول، إضافة الى حضوره اللافت في الشاشات الصغيرة المصرية وفي صحف المعارضة التي تحتفي بمقالاته وتبرزها بما يليق بكاتب "نجم". إلا أن الناقد فاروق عبدالقادر حاول النيل من هذه الحفاوة قبل أشهرعلى صفحات مجلة "المصور" متهماً الرواية بأنها عما يقع في اطار ما سماه "أدب التلسين". والسؤال الان هل يمكن النظر الى دراسة العسكري باعتبارها تدخلاً في نطاق دراسات "التلسين النقدي" ايضاًَ للنيل من نجاح الرواية؟