قدمت"فرقة الحنونة للتراث الشعبي"عرضين راقصين للجيل السادس من الفرقة، في أمسيتين رمضانيتين أقيمتا على خشبة المسرح الرئيس في المركز الثقافي الملكي في عمان قبل يومين، لتحرك بعضاً من هدوء أمسيات رمضان الفنية. والحفلتان اللتان لم تختلفا كثيراً عما تقدمه"الحنونة"من لوحات تراثية شعبية في حفلاتها منذ تأسيسها مطلع تسعينات القرن الماضي، تضمنتا عرضاً جديداً كان عماد السهرتين هو"عيد الحكايات"الذي لم يأت بجديد جوهري يضاف إلى لوحات الفرقة الشعبية التي تحظى بشعبية واسعة في المملكة وفلسطين. فكما هي العادة، تجذب الفرقة جمهوراً عريضاً يحب الأجواء الشعبية والدبكات والعتابا والميجانا. إنه الجمهور ذاته الذي يحضر حفلات"الحنونة"منذ سنوات، والمتغير الوحيد في المعادلة كان المؤدين والمؤديات في الفرقة: إنه الجيل السادس من"الحنونة"، يتضمن شباباً يافعين وأطفالاً، يعدّون ليكونوا"المخزون الاستراتيجي"للفرقة التي تعتمد أساساً على تخريج الأجيال، لا على تطوير الفن الشعبي والفولكلوري، وعلى"حراسة الذاكرة"لا على تجديدها وجعلها أقرب إلى إيقاع العصر الحالي. الأثواب التي ترتديها المؤديات في الحفلتين كانت نجمة من نجوم الأمسيتين. تطغى بألوانها والزخرفات التي نقشت عليها وتسحر عيون الحضور أكثر من اللوحات الشعبية الراقصة: فالدبكة هي ذاتها، ولوحات العتابا والميجانا تكاد تتكرر. لكن رهان الفرقة الحقيقي، التجديد في المؤدين والحفاظ على التراث الشعبي في الذاكرة، تحقق فعلاً. لكن في اسم الفرقة المشتق من زهرة الحنونة التي تسمى أيضاً شقائق النعمان مفارقة كبيرة مع أهدافها. فبدلاً من التجديد في الموسيقى الشعبية أو الرقصات أو حتى الأداء، يظل كل هذا"طرازاً"موحداً تعتمده الفرقة في كل أمسياتها الفولكلورية، ويقتصر التجديد على الأشخاص. وبدلاً من إعلان"زهرة الحنونة"قدوم الربيع، تعلن الفرقة استمرار الفصل الذي كان مستمراً قبلاً ليس بالضرورة أن يكون شتاء، لكن بثياب جديدة ليس إلا. هنا يسقط الفن الشعبي أمام"عصرية"الفيديو كليب وحيويته بالضربة"الفنية"القاضية، وتتحول الدبكة إلى رقصة مصطنعة تكتفي بضرب الأرض لأن لا شيء سوى ذلك يعبر به المؤدي عن فرحه، وتصير لوحات استقبال"رمضان زمان"جزءاً من فيلم أبيض وأسود استهلك كثيراً، ليبدو المشهد كله، مع موسيقى"البلاي باك"جزءاً من حبكة معروفة سلفاً. الاشتغال على تخريج"الأفواج الراقصة"من الفرقة لا شك في انه غاية نبيلة وأمر يحسب لها، لكن تحول هذا الهدف إلى رهان الفرقة الأساسي يعد انتقاصاً لما يمكن أن تقدمه، خصوصاً أنها تتعامل مع فنون شعبية واسعة الطيف، مستلهمة لوحاتها الراقصة في شكل أساس من التراث الشعبي الفلسطيني الغني جداً، ومن التراث الشامي عموماً. والنتيجة تكون عروض شعبية لفرقة"الحنونة"، بمؤدين جدد يقدمون اللوحات نفسها... مع تعديلات غير جوهرية.