لا يبدو أن ديبلوماسية المعايدة خلال فترة الأزمة الصحية التي اجتازها الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في باريس حققت الاختراق المطلوب في ملف العلاقات المغربية - الجزائرية، غير أن ورود العاهل المغربي الملك محمد السادس وبرقية التهنئة بمعافاته، أفسحت في المجال أمام الديبلوماسية الإنسانية، وإن كان قانون الطبيعة حال دون التئام أكثر من قمة مغربية - جزائرية منذ اندلاع نزاع الصحراء. فالموت الذي غيب الرئيس الجزائري هواري بومدين جعل الحسن الثاني يقرّ بفقدان نصفه الآخر في رئيس تصارع معه من منطلقات خلاقات ايديولوجية وثفافية، والحال ان غياب الملك الراحل اضاع فرصة الوفاق مع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. أمام تباين المصالح وتباعدها بين الجزائر والرباط، حافظ البلدان على التزام الأعراف الديبلوماسية. وبدا مرة أن انزعاج المغرب من سياسة جارته الشمالية اسبانيا دفعه الى سحب سفيره في مدريد، غير أنه لم يلجأ الى القطيعة مع الجار الشرقي، على رغم وصول علاقات البلدين الى حافة التدهور. فالتاريخ هنا يسير في طريق أخرى ولو أنها محفوفة بالصعوبات. وفيما كان المغرب يرصد ما سيتمخض عنه صراع السلطة في البلد الجار، ما تسبب وقتذاك بانتكاس مساعٍ عدة لإقرار الوفاق والانفراج، شكلت الولاية الثانية للرئيس المدني المنتخب فرصة سانحة للرهان عما ستتمخض عنه جهوده. أكان ذلك على الصعيد الثنائي أو في نطاق معاودة تفعيل الاتحاد المغاربي المنهار. وكما في العلاقات بين الأفراد، فإن الدول إذ تسمو على العيوب تتقدم خطوات الى الأمام. في سجل العلاقات المغربية - الجزائرية اختبارات لأنواع من الديبلوماسيات. لم يكن آخرها اللجوء الى التضامن في مواجهة كوارث غضب طبيعية. فقد وجد البلدان نفسيهما يخطوان مع بعض في مواجهة غزو الجراد، حين تعاونا عسكرياً وميدانياً لصد فلوله الزاحفة على الحدود المشتركة. والحال أن بوادر تضامن إنساني صدرت عن الجزائر حين تعرضت مصفاة البترول في المحمدية لمخاطر، بمقدار ما حطت الطائرات التي تحمل المساعدات المغربية الى الجزائر ابان تعرضها لزلزال. وساد اعتقاد بأن غضب الطبيعة يقرب بين الاخوة - الأعداء، لولا أن زلازل من نوع آخر لا تزال تهتز تحت الأقدام، وأقربها سريان مفعول اغلاق الحدود وتناقض المواقف ازاء نزاع الصحراء، ما يعني أن اللجوء الى ديبلوماسية تقارير المعاهد الاستراتيجية المعنية بأمن المنطقة واستقرارها يشكل صوتاً جديداً يراد له أن يكون مسموعاً. ولا يعني ذلك سوى استعارة منطق جديد في العلاقات بين الدول لا تلوح من الجزائر ولا يصرخ به من المغرب، وإنما يطرح تطورات بديلة قد تجعل البلدين ينفتحان على بعضها في مواجهة المخاطر المحتملة، كونها المحور الحقيقي للمشاكل الكبرى التي تترتب عن انفلات الأمن وانعدام الاستقرار. غير أن قراءة تقرير المعهد الاستراتيجي الأوروبي للأمن في موضوع نزاع الصحراء ومستقبل جبهة"بوليساريو"وآفاق الحل السياسي للتوتر بارتباط مع التداخلات الأمنية في منطقة شمال افريقيا ينبغي أن تعين المغاربة والجزائريين على حد سواء في تلمس طريق المستقبل، ومع أنه يقدم سيناريوات متشائمة في حال استمرار الوضع الراهن. فإنه يفتح منافذ جديدة لاحتواء الوضع والتغلب على الصعوبات، ولا يسع المرء إلا أن يكون حذراً في مقاربة المخاطر، فثمة أطراف ومصالح يعنيها الافادة من سوء العلاقات المغربية - الجزائرية. وبالقدر نفسه فالأطراف الأكثر تضرراً في المغرب أو الجزائر أو المنطقة المغاربية برمتها يعنيها أن يكتشف البلدان قدرتهما على تجنب الأخطاء. ورجال الاستراتيجية الجغرافية يحسبون الكم الهائل من الفرص الضائعة التي أهدرها البلدان. ومع ان التاريخ تكيفه الفرص الضائعة في نوازل عدة، فالرؤية المفروضة بقوة المصالح لا تترك أمام الجزائر ملاذ التحرك من دون رفقة المغرب. ولا تفتح هوامش أكبر أمام طريق المغاربة من دون الالتفات الى الشرق، ففي الغرب توجد التحديات الأطلسية، وفي الشمال عيون أوروبية، وأهل المغرب منذ المرابطين والموحدين كانوا يتجهون الى الجزائر من عمق الصحراء.