قمتان تستضيفهما مدريد وغرناطة، سيكون لهما بعض الأثر، سلباً أو إيجاباً، على قضية الصحراء. الأولى تتعلق بزيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الى شبه الجزيرة الأيبيرية، والثانية هي أول قمة مغربية مع بلدان الاتحاد الأوروبي. لكن إسبانيا التي أصبحت مربط خيل لجذب العواصم المغاربية بعد توليها رئاسة الاتحاد الأوروبي، تدرك أن الفترة لن تكون كافية لإزاحة كل أسباب التوتر الذي يعتري جوارها الجنوبي، وإن كان رئيس الوزراء ثاباتيرو لمّح أكثر من مرة الى أنه يتوق الى حل كبير لمشكلة الصحراء، حدده في شبه قمة دولية تجمع المغرب والجزائر الى جانب إسبانيا وفرنسا. وزاد الوزير موراتينوس على ذلك بالإعلان قبل بضعة أيام أن هناك تصوراً مشتركاً تقوده مدريدوواشنطن وباريس، لاستيعاب التطورات الراهنة. من غير الوارد بالنسبة الى هذه العواصم إلغاء المسلسل الذي ترعاه الأممالمتحدة، طالما أن الأمر يتعلق بقرارات صادرة عن مجلس الأمن تدعو الى تشجيع خيار المفاوضات وحض دول الجوار على الدفع قدماً في هذا الاتجاه. وبالقدر نفسه أصبح من غير المجدي انتظار حدوث وفاق بين الأطراف المعنية يعزز فرص إحراز التقدم. ففي كل مرة تلوح فيها بوادر نهاية الأزمة، تنفجر أوضاع تبدد الآمال. زيارة الرئيس بوتفليقة الى مدريد تضع قضايا محورية على أجندة حوار يتوزع بين الملفات الاقتصادية والتجارة والهواجس الأمنية التي تطاول تنامي التطرف وتحركات «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي، بخاصة في ضوء اختطاف رعايا إسبان في موريتانيا، وتداعيات الهجرة غير الشرعية. لكنها ستركز في جانب أكبر على قضية الصحراء. ما من شك في أن هذه الانشغالات تلتقي وحرص الحكومة الإسبانية التي ستتحدث نيابة عن الاتحاد الأوروبي، على إيجاد حلول واقعية ومشجعة لهذه الإشكالات التي تعيق علاقات التوازن في الارتباطات الإسبانية بكل من الرباطوالجزائر، لكنها في ملف الصحراء ستواجه تبايناً في المواقف، إن لم يكن على صعيد التزام المبادئ، فعلى مستوى الآليات التي تفسح في المجال أمام تنفيذ القرارات ذات الصلة. الوضع نفسه يرجح أن ينسحب على القمة المغربية - الأوروبية المقررة في ربيع العام الجاري، فقضايا الهجرة والإرهاب والتطرف وتداعيات نزاع الصحراء تشد انتباه المغاربة والإسبان. إلا أن المبادرة ستكون بامتياز لفائدة الطرف الإسباني. أولاً: لأن الانفراد في المفاوضات مع الإسبان والشركاء الأوروبيين يضعف حظوظ المغاربة والجزائريين على حد سواء في أن يكون لهم التأثير المطلوب في حوار غير متكافئ أصلاً، بل تحكمه اعتبارات تكاد تفرق بين المواقف. ثانياً: لأن الإسبان كما الأوروبيين في إمكانهم دائماً أن يبرروا ما يمنحونه بيد ويأخذونه بأخرى، بأن صاحب التوازن يهتم بألا تكون علاقاتهم مع الجزائر على حساب المغرب أو العكس، بما يترتب على ذلك من تدني درجة الدعم والالتزام الذي يظل فضفاضاً يحتمل كل التأويلات. ثالثاً: لأن الديبلوماسية الموازية التي تلتزمها الإدارة الأميركية لدى دخولها على خط أي أزمة في المنطقة، تدفع لوضع موقف واشنطن في الاعتبار، بما قد لا يريح الأوروبيين كثيراً، لكنه لا يغضبهم في المدى القريب، بخاصة في ضوء تداعيات الحرب على الإرهاب. لا تهم المكاسب الآنية التي في إمكان الجزائريين أو المغاربة أن يحققوها في حواراتهم مع الأوروبيين أو الأميركيين، فهذا من باب تحصيل الحاصل، ما دام أن أولئك الشركاء يملون شروطهم، بما ينسجم والدفاع عن مصالح استراتيجية لا تخضع للأهواء والأحداث العارضة. ولكن الأهم أن يلتفت الجاران المغربي والجزائري الى أهداف أكبر تبقى في الظل، لمجرد أن كل طرف سيصور أنه سجل هدفاً ضد الآخر. في قضية الصحراء تحديداً يردد الأطراف جميعاً أنهم يريدون الحل، ولكن الفرق قائم بين من يقول ذلك ولا يرغب في تقديم أي تضحية من أجل ترجمة الأقوال الى أفعال وأيضاً بين من يرغب في ذلك ولا يقدر على إنجازه، وبين من لا يرغب، لكنه يستطيع تفويت الفرصة بكل عناد وإصرار. وليس هناك وضع يبعث على الارتياح، أكثر من أن يكون الأوروبيون أو الأميركيون يفيدون من حال اللاحل واللا تدهور. وتلك سياسة في حد ذاتها. مؤسف ألا تقابلها على الطرف الآخر رغبات وقدرات تعيد حوار الشراكة الى منطلق القوة بدل الضعف.