تذوب خصوصية الفرد فوق خيوط الشبكة العنكبوتية التي أتت بمفرداتها الثقافية الدخيلة، حتى صار من الطبيعي أن يبوح الشباب لشاشة الكومبيوتر بأدق تفاصيل حياتهم اليومية من خلال منظومة"البلوغ". والبلوغ المؤلفة من كلمتين إنكليزيتين الأولى وتعني سيرة Biography والثانية جدولاً متسلسلاً Log"صرعة"جديدة للبوح, يفصح الشاب من خلالها عما يجول في نفسه. ويشارك غيره ما خاضه من تجارب ويدخل معه في مناقشات تخترق محظورات الدين والسياسة في فضاءات الكترونية افتراضية تنشر إلى جانب صور وتسجيلات صوتية وموسيقى وأغانٍ وأشرطة مصورة معظمها من صنع الكاتب نفسه. ويقترب"البلوغ"من يوميات أون لاين تغني البلوغرز عن التواصل الحقيقي، واللافت أن الشباب الذين"يتعرون"عبر مواقع"البلوغرز"قد يكونون إنطوائيين في حياتهم الطبيعية ولا يرغبون عادة في الحديث مع أقرب الناس إليهم. ويجمع الشبان الأردنيين موقع الكتروني واحد هو"جوردن بلانيت"، www.jordanplanet.netپ يدونون من خلاله مذكراتهم اليومية ويعلقون على أهم الأخبار التي تلفت انتباههم. ويقول"البلوغر"رشاد 23عاماً إنه يتناقل عبر موقع"جوردن بلانيت"أخباراً لا تنقلها وسائل الإعلام ويعلق عليها بحرية كاملة. ويهدف رشاد من خلال تعاطيه"البلوغرز"إلى إيصال صوته إلى من يريد أن يسمع ويقرأ، طامحاً إلى جعل تلك الصفحات منبراً لتبادل الآراء مع نظرائه الشباب. ويوضح رشاد أنه استفاد كثيراً من هذه الظاهرة، خصوصاً في مجال عمله الذي يتطلب البحث المستمر عن المعلومة. ويقول مستشار ومطور"البلوغ"على موقع"جوردن بلانيت"عمار إبراهيم إنه ومدير الموقع عصام بيازيدي ابتكرا فكرة ال"بلانيت"، ليحملا المتصفحين على قراءة جميع ال"بلوغرز"الأردنيين عبر موقع واحد. ويقرر بيازيدي قبول ال"بلوغ"الذي يظهر على الموقع أو رفضه، من خلال التصويت، موضحاً أن التصويت يركز على إذا ما كان البلوغ الجديد"منسجماً مع مبادئنا". ويبين إبراهيم أن ال"بلوغ"مساحة تعبير حرة تتيح للشاب طرح رؤيته للأحداث ومناقشتها مع ال"بلوغرز". ويقضي ال"بلوغر"رامي ما معدله خمس ساعات أمام الكومبيوتر بين كتابة وتجديد ال"بلوغز"الخاصة به وقراءة"بلوغز"الآخرين، إلا أن رامي لا يعتبر ما يفعله إدماناً، بل تطوير لمداركه وقدراته. ويرى عمار أن التعرض للمعلومات من طريق ال"بلوغ"أفضل من الصحف التقليدية، معللاً أن الصحف تكون عادة"منحازة"إلى جانب ما، في حين أن"البلوغ"يطرح كل الآراء حتى المرفوض منها ويناقشها كما قد تنشر مواد لا يمكن للصحف أن تنشرها. ويأمل عمار بأن ينشر"البلوغ"الأفكار الايجابية ويساهم في تغيير المجتمع عن طريق عرض القضايا التي تهم الشباب. وعن سبب طغيان اللغة الإنكليزية على ال"بلوغ"يقول عمار إن الموقع باللغة الإنكليزية، وجميع رواده يجيدونها. ويشير البلوغر منير 20 عاماً إلى أنه يستخدم اللغة الإنكليزية كونه سريعاً بالطباعة فيها فضلاً عن أنه يحب التعبير بالإنكليزية أكثر من العربية. ويوضح عمار أن ل"بلوغ"خطوطاً عريضة يضعها الموقع لتجنب حدوث المشكلات وتضمن ألا يجرح أحد"البلوغرز"الآخر، لافتاً إلى أنه غالبيتهم متفتحون وراغبون في التعبير عن أنفسهم. ولا يكتفي"بلوغرز جوردن بلانيت"بكتابة ال"بلوغز"الخاصة بهم وقراءته، بل يلتقون شخصياً للتعارف في ما بينهم، كما يؤكد عمار بأن عدد ال"بلوغرز"يتزايد في شكل سريع"عندما بدأنا كنا أربعة أو خمسة، أما الآن فهناك أكثر من 32"بلوغر"في البلانيت، والعدد مرشح للارتفاع". ووفق شباب أصبح"البلوغ"في خضم الأحداث السياسية البارزة وخصوصاً حرب العراق مصدراً من مصادر تتبع الأنباء والحصول على استطلاعات الرأي حول موضوع معين لدى الفئة الأكثر شباباً من رواد الانترنت. وكان مصطلح"البلوغ"ظهر عام 1997 عندما نشأ أول المواقع التي تعطي المستخدم صفحة شخصية لكتابة مذكراته، إلا أن الفضل في جذب الاهتمام العام الى هذه الظاهرة يرجع إلى حرب العراق، إذ قام جنود بتدوين مذكراتهم، خصوصاً الجندي جاسون، الذي وضع صوراً رقمية قوية عن تلك الحرب ضمن مذكراته الالكترونية، كما استطاع المهندس العراقي باسمه المستعار سلام باكس تقديم ما لم تلتفت إليه التغطيات الصحافية والتلفزيونية حين قام بكتابة مذكراته عن الحرب وتقديم صورة حقيقية عن طبيعة الوضع في العراق في فترة الحرب التي تمثلت من وجهة نظر المدنيين العراقيين ومعاناتهم وآمالهم وأحزانهم ومآسيهم وغيرها، ما جعل الكثير من الشباب الأميركي يتابعون أحداث الحرب من خلال مذكرات ذلك ال"بلوغر"العراقي.پپ ومن أبرز تجارب ال"بلوغرز"في العالم بعد تجربة"البلوغر"العراقي سلام هو"بلوغرز"الإيرانيين الأوسع في المنطقة، اذ هناك اكثر من 75 الف"بلوغرز"إيراني يدونون مذكراتهم باللغة الفارسية أما الموضوع الرئيس المطروح لديهم فهو السياسة التي تشكل بالنسبة اليهم متنفساً للتعبير عن آرائهم وبديلاً عن إعلامهم التقليدي. كما ساهم ال"بلوغرز"في جمع التبرعات لكارثة التسونامي التي ضربت آسيا.