قطع أدب المذكرات الذاتية شوطاً كبيراً. فبعدما اعتادت الفتاة أن تدفن أحلامها في كتاب يومياتها، وبعدما اعتادت على الإفصاح عن حبها للحبيب عبر ريشة الكتابة المغطاة بالحبر، أصبحت تجاهر بآرائها وأفكارها الشخصية على الملأ. ولم يعد يقتصر الأمر على المجاهرة، بل تخطاه ليشمل الإفصاح عن الرغبات الشخصية لملايين الأشخاص في العالم، عبر...الإنترنت. وانضم الشبان إلى الفتيات في المجاهرة بالمشاعر الحميمة. وراجت الظاهرة في العالم. ولم تكن الكويت بعيدة عن "العدوى"! تواصل عبر مذكرات الكترونية وفي خطوة جريئة، أنشئ موقع "كويت بلوغز" kuwaitblogs.com على الإنترنت لإقامة "مجتمع افتراضي" يرسي أسس التواصل بين الشباب الكويتي، خصوصاً بعدما لوحظ تكاثر الصفحات الشبابية التي تُكتب فيها السير الذاتية. وسرعان ما جذب هذا الموقع مجموعة كبيرة من الشباب الكويتيين، وكذلك من المقيمين فيها. واصبح سفراً ضخماً يضم مذكراتهم الالكترونية الشخصية. وتتألف لفظة "بلوغز" Blogs باللغة الإنكليزية من شقين. يتمثل الأول بحرف الباءB المشتق من كلمة "بيوغرافي" Biography ، أي سيرة ذاتية بالعربية. أما الشق الثاني فيتألف من لوغ Log أي الجدول الذي تسجل عليه الأشياء بالتسلسل. ويضاف إلى الشقين مجموعين حرف "ز" أو s حين يقصد بها في صيغة الجمع لتصبح اللفظة "بلوغز" Blogs. تقسم صفحة الاستقبال في موقع "كويت بلوغز" إلى ثلاثة أعمدة. يضم الأول الى يسار الشاشة، 87 صفحة إلكترونية تحمل آراء أصحابها حول الأحداث الآنية، وان ذيّل الكثير منها باسماء وهمية. ومثلاً، تحدث "كويتي أونلاين" عن مهزلة إستخفاف وسائل الإعلام والمسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين وغيرهم إلى حد المغالاة، بصحة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وتحدث البعض عن موته، وآخرون عن استمراره مربوطاً بآلات الانعاش الطبية. ووسط تكهنات كثيرة، عاش الشعب الفلسطيني اياماً بين نيران مختلفة. ويعود الكاتب نفسه إلى التعليق على الانتخابات الأميركية وفوز بوش، وعن آلاف الأصوات الضائعة في ولاية أوهايو،او التي حسمت فوز الأخير. كما قارن هذه الوقائع بمثيلتها في الانتخابات الماضية في ولاية فلوريدا. وكيف أن الماضي أعاد نفسه ضارباً بعرض الحائط الديموقراطية، في بلد يعتبر مهداً لها. ويستعمل الكاتب هذه المناسبة لعرض ردود فعل الدول اللاتينية والآسيوية وغيرها إزاء الانتخابات الاميركية، مما حوّل صفحته الشخصية إلى ما يشبه الجريدة الإلكترونية. وبدت "جريدة" غنية بالأخبار والمتابعات والآراء الشخصية والمتفرقات المختلفة. من "بلوغرز" و...اليهم! تصلح صفحة "كويتي اون لاين" نموذجاً مما يصنعه "بلوغرز" الكويت. ويلاحظ ان بعض الصفحات حملت اسماء وشعارات عجيبة مثل "القهوة السوداء"، "ضجر ومتضايق"، "الهندي المبتكر"، "العالم الغريق" و"الأرض الكويتية" وغيرها. ويحتوي العمود نفسه صلات مع صفحات فرعية مصورة، مثل صفحة "عاصفة رعدية استوائية". أما العمود الثاني إلى يمين الشاشة، فيتضمن روابط فرعية لنقابتي "أر أس أس" و"أتوم" وروابط لأرشيف الموقع عن اشهر تشرين الثاني نوفمبر وتشرين الاول أكتوبر وآب أغسطس من العام 2004. كما يتضمن روابط مباشرة لصفحات في مواقع اخرى، مثل المواقع التي تحتوي مصادر لمعلومات مختلفة عن الكويت، اضافة إلى مواقع الوزارات كافة، وأخيراً روابط مباشرة مع 11 صحيفة كويتية. ويتوسط صفحة الاستقبال سجل بالصفحات التي انتسبت حديثاً إلى الموقع، وكذلك لائحة لإعلانات خاصة، تحمل احدث المستجدات في مجال ال"بلوغز". وخصصت الصفحة منبراً خاصاً ل"المنتدى الكويتي المتعدد الثقافات"، حيث تسرد نقاشات في الحياة الثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية، مأخوذة من مواقع "بلوغز" الكويت المختلفة. ويظهر في مقدمة الصفحة عنوان الموقع وعناوين فرعية تقدم معلومات عن الموقع وكيفية الانتساب إليه وإضافة "بلوغ" جديد. ويبدو أن شباب الكويت حريصون على اللحاق بركب التطور حتى في مجال السير الذاتية. فتخطوا الكتابة التقليدية إلى التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم في ما يتعلق بالأحداث السياسية المحلية والإقليمية والدولية، وكذلك عن رؤيتهم للمظاهر الاجتماعية المختلفة في بلدهم وتغيراتها. ونجد مثلاً كاتباً يتساءل: "أين هي الحياة الليلية في الكويت؟ ليس هناك نواد ليلية! يقصد الشعب الكويتي مجموعة واسعة من المقاهي والمطاعم للقاء الأصدقاء. كما يلتقون في المنازل حيث يلعبون الورق أو الطاولة...". ويتحدث آخر عن العواصف الرملية في الكويت والحياة المملة فيها. وثمة من يخبر أنه بعد الحرب عادت الأمور إلى طبيعتها، ف"ذهب فلان إلى شركة لطلب وظيفة فوجد أن الموظفين كلهم من الرجال وذلك لأن الشركة لا توظف نساء... وهي "ملك لمتطرف إسلامي"... حتى أن المالك رفض أن يسلم على اي امرأة باليد...وتبين أن المالك يملك أفضل الفنادق والمطاعم المعروفة دولياً في الكويت وهو مثقف معروف...". ويتساءل ال"بلوغز" "كيف يمكن لمثقف مثله أن يكون عنصرياً ومتأخراً في العالم". ويثير "بلوغر" آخر مسألة التحرش الجنسي اليومي في الكويت الذي تحوّل مع مرور الأيام إلى أمر عادي لا يستغربه الناس". وتثير هذه الصفحات سؤالاً شبه بديهي: هل تؤثر كتابات "بلوغرز" في المجتمع؟ وهل تجد لها آذاناً صاغية لدى المسؤولين؟