"افريكان دكتور"، و"كريم سعد"، و"هانيوس"، و"صادمو"، و"بيغ فارو" الفرعون الكبير، و"رامي سيدهوم"، "مي" Me أنا، "موا" Moi أنا، "سومة محمود"، "لورد مصر" Lord of Egypt . كل ما سبق يمثل اسماء صفحات ال "بلوغرز" Bloggers كتبها مصريون ومصريات على شبكة الانترنت. كيف نعرف انهم مصريون؟ ببساطة لانهم ذكروا ذلك على تلك الصفحات الالكترونية التي تحمل مذكراتهم، وآراءهم ومشاهداتهم وانطباعاتهم اليومية على الانترنت. يمكن المرء ان يمضي الساعات الطوال، بل والأيام، مثبتاً أمام شاشة الكومبيوتر ليطالع صفحات ال"بلوغ". ومع ذلك، فهي لا تمثل، في عُرف "بلوغرز" سوى عدد قليل. وللتذكير، فان ال"بلوغرز" هم الاشخاص الذين ينشرون مذكراتهم الشخصية على الانترنت، مفسحين للآخرين فرصة الاطلاع عليها. ويعتبر هذا الامر من الظواهر المستجدة على الشبكة الدولية للكومبيوتر. وينتشر في اوساط الشباب، بل يكاد ان تكون حكراً عليهم. وبيّن تحقيق سابق ل"الحياة" وجود آلاف من ال"بلوغرز" في لبنان، صفحة انترنت في 4 تشرين اول اكتوبر 2004، ما يحفز على التفكير بمدى انتشار هذه الظاهرة عربياً. مجهولو العدد والهوية ثمة اجماع على ان العدد الفعلي لل"بلوغز" المصريين غير معروف. ويقدرهم البعض ببضع مئات على الاقل. ويثير هذا الامر الدهشة. ففي مرحلة البحث التي سبقت كتابة هذا الموضوع، وردت اجابات شبه متطابقة من عشرات الشباب المهتم بالكومبيوتر والانترنت، عن سؤال "هل تعرفون البلوغرز"؟وكان الرد في الغالب، ما عدا استثناءات نادرة، "لماذا"؟ وعلى رغم ذلك فهناك من الشباب من رد على الفور: "آه طبعاً، لدي صديق مجنون "بلوغينغ" Blogging، فهو يمضي ما لا يقل عن ساعتين يومياً في اضافة الجديد الى ال"بلوغ" Blog الخاص به". ومن الملاحظ أن الشباب يشكلون غالبية ال"بلوغرز" مصرياً. بعض هؤلاء مصري الجنسية، والبعض الآخر من الاجانب المقيمين في مصر سواء بحكم للدراسة أم العمل أم الزواج. والارجح أن غالبية "البلوغرز" في مصر ذكور، فيما يتساوى الجنسان من "البلوغرز" الاجانب المقيمين في مصر. الطريف أيضاً أن محتوى "البلوغز" الاجنبية يتسم بالخصوصية الشديدة ويتناول تفاصيل حميمة في حياة اصحابها. وفي المقابل، ابتعد مصريو الجنسية عن الامور الشخصية، مفضلين الحديث عن الشأن العام، أو انتهاز فرصة "التجهيل" الذهبية، اي إخفاء هويتهم على الانترنت، والخوض في نقد الوضع السياسي بشكل لا يحدث بعيداً من العالم الافتراضي، ربما لأسباب خاصة بحاسة... الخوف. نماذج من "بلوغرز" مصر "نفرتيتي". غالب الظن أنها فتاة اميركية. تعمل مُدرّسة في القاهرة، وتكتب بصفة شبه منتظمة. تتحدث عن شعورها بتآكل حياتها الاجتماعية نظراً الى ساعات العمل الطويلة. تتذكر موعدها الغرامي الاول مع شاب مصري. لقد ازعجها بالحديث عن الزواج والاطفال، ولم يتركها إلا بعدما وافقت على التقاط صور تذكارية معه. ثم تتحدث عن رحلة قامت بها الى بريطانيا، وهكذا. وتعرف "كاثي" عن نفسها بأنها ألمانية تعمل في شركة إسرائيلية في القاهرة. يمكن القول ان يومياتها عبارة عن استعراض لمشاعر المصريين العدائية وغير المبررة تجاه اسرائيل. تستمتع بالكتابة عن سائق التاكسي الذي يحدثها بانكليزيته الركيكة عن الاسرائيليين الذين يبرمون صفقات في مصر، ويشترون اسلحة بالاموال التي يربحونها ليقتلوا المسلمين. تخبره أنها تعمل في شركة اسرائيلية، ثم تطمئنه بأن مديرها المباشر مسلم وأن زوجته محجبة. وهكذا. وإضافة الى "بلوغز" الغربيين المقيمين في مصر، هناك عدد من الصفحات يخطها المقيمون من دول اسلامية، في مصر. يغلب الظن بأنهم طلاب وطالبات يدرسون في كليات جامعة الازهر. هنالك فتيات من اندونيسيا تمتزج في يومياتهن احاديث الدين الاسلامي، والحنين الى بلادهن، باحاديث النميمة الانثوية عن زميلاتهن. وثمة طلاب اتراك كتبوا بالتركية ما يعيشونه. ثمة نوعية اخرى من "البلوغز" تتحدث، على الارجح، بلسان الطبقة المندثرة من الخادمات والمربيات الآتيات من جنوب شرقي آسيا. لقد اندثرت هذه الطبقة، بعد ما صدر قرار بمنع "استيراد" الخادمات من خارج البلاد، وهو ما ادى الى تقلص عددهن. ومن انتهى عقدها تسافر بلا رجعة. ولا يقوى على خرق القرار سوى القلة من اصحاب النفوذ. ويقدم ال"بلوغرز" المصريو الهوية اشكالاً وألواناً متمازجة من الانتماءات العقائدية والاجتماعية والاقتصادية. يجمع بينهم قدر من المستوى التعليمي يتيح استخدام الانترنت والوصول الى تقنية عمل "بلوغ" خاص بهم. وكذلك تجمع بينهم "تركيبة" نفسية تؤهلهم لعرض افكارهم وتفاصيل من حياتهم على الشبكة الدولية للكومبيوتر. يستعرض بعضهم انتماءاته الدينية الاسلامية أو المسيحية التي يغلب عليها التشدد. فهذا شاب مصري مسيحي يتحدث عن فرص العمل المتقلصة المتاحة للمسيحيين. وتنعى شابة ما آل اليه حال المسلمين والمسلمات لعدم تمسكهم بتعاليم دينهم. وهكذا. واختارت فتاة او سيدة مصرية تعمل في حقل الصحافة أن يكون "البلوغ" الخاص بها ارشيفاً لمواضيعها المنشورة وغير المنشورة في احدى المجلات التي تصدر في القاهرة باللغة الانكليزية. يعتبر "بيغ فارو" أو "الفرعون الكبير"، من اشهر "البلوغرز" المصريين. ويعرف نفسه بأنه من مصر. ويبين أنه يكتب "بلوغه" الاول، الذي يهدف ل"جعل صوته مسموعاً". ويبدو أن اهتمامات "الفرعون الاكبر" الرئيسة سياسية. يغلب على محتوى صفحاته وصف الاخبار التي يشاهدها في تلفزيون "الجزيرة" الذي يكرهه بشدة. ثم يعلق على الاخبار بمهاجمة مسؤولي المحطة، والساسة العرب بالانكليزية. يكتب "بلوغر" مصري آخر بالانكليزية. ويهتم بالسياسة، لكن اهتمامه ينصب على المحليات. وينتقد الاوضاع الداخلية بجرأة يحسد عليها. ويبدو انه يغذي "البلوغ" الخاص به من داخل مصر. على غير عادة اشباهه، وضع "بلوغز" مصري آخر صورة فوتوغرافية يفترض أنها صورة شخصية. ولا يخوض في تفاصيل حياته، على عادة "البلوغرز" المصريين. ويكاد "يلطم"، في أحد تعليقاته، لأنه وجد أن "البلوغ" الخاص به ظهر لأحد متصفحي موقع "غوغل" من الباحثين عن معلومات تتعلق بتنظيم "القاعدة". ويقسم "البلوغر المصري" أن السبب الوحيد لظهور "البلوغ" في ذلك البحث المرعب، هو استعانة المقال بال"بلوغ" في الحديث عن الاحتلال الاميركي للعراق، الذي جر المقال كله الى الحديث عن "القاعدة". ...ويسمونها "بَلْوَغَة"! على صعيد آخر توصل هذا "البلوغر" إلى تعريب أو بالأحرى "تمصير" فعل "البلوغ"، مستعملاً مصطلح "البَلْوَغَة". وبين "المُبَلْوَغين" من تعكس كتاباته قدراً غير قليل من سمات التفكير والتأمل والتحليل ورفض الواقع المفروض فرضاً، مثل "بلوغ" ممدوح شوقي. ويعلن في بداية "بلوغه" أنه لا يعلم ماهية المواضيع التي سيكتب عنها، على رغم اهتمامه بأثر السياسة والدين والعُرف في البشر. ويبرهن ذلك بكتاباته. ويسأل عن سر محاربة الحكومات العربية للمثليين، وسبب بحثها الدائم عما يلهي الشعب عن المشكلات الحقيقية: مرة باختلاق أزمة "عبدة الشيطان" ومرة بافتعال فضيجة عن "مثليين". وفي صفحة اخرى، يكتب عن أمه وزوجها، اللذين يعترضان على احتسائه الكحوليات في البيت، على رغم أنهما يفعلان ذلك أمامه، وما الى ذلك. الارجح ان صفحات ال"بلوغز" المصرية منهل خصب لاتجاهات غير مألوفة. وغالب الظن أن عيون الرقباء، لم تصل بعد إلى هذه المواقع. ونرجو ألا تفعل.