لم يكن التحالف الشيعي المتمثل ب"حزب الله"وحركة"أمل"مضطراً الى الطلب من وزرائه في الحكومة الانسحاب من الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء اول من امس، وكان من الافضل له - بحسب قول وزير ينتمي الى الغالبية النيابية - عدم الاقدام على خطوة كهذه، ألحقت به خسارة معنوية امام الرأي العام اللبناني والمجتمع الدولي خصوصاً ان ما نقله وزير الاعلام غازي العريضي عن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في رده على الهجوم الشخصي الذي أصابه من الرئيس السوري بشار الأسد لا يستحق كل هذه الضجة السياسية المترتبة على انسحابهم من الجلسة. وكشف الوزير ل"الحياة"ان جلسة مجلس الوزراء كانت موضع مراقبة واهتمام من السفراء العرب والاجانب في لبنان لمعرفة رد فعل الوزراء المنتمين الى التحالف الشيعي من خطاب الأسد الذي تعرض فيه لرئيس الحكومة وآخرين، وقال انهم اخطأوا في الشكل وفي المضمون على السواء وكانوا في غنى عن اللجوء الى هذه الخطوة التي وضعتهم في مكان غير المكان الذي اختارته غالبية الوزراء بمن فيهم اولئك المحسوبون على رئيس الجمهورية اميل لحود وتحديداً الوزيرين شارل رزق ويعقوب الصراف اللذين عبرا عن تضامنهما مع السنيورة، ناهيك بالموقف المتقدم لنائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الوطني الياس المر الذي تصرف كوزراء الغالبية النيابية. واذ تحدث الوزير عن الدور التوفيقي لزميله العريضي، سواء قبل اجتماع مجلس الوزراء، او خلال عقد الجلسة، قال ان الاخير ابدى مرونة فائقة في الموقف وأظهر ليونة في التعاطي مع وزراء التحالف الشيعي في محاولة لضبط ايقاع الجلسة من جهة وللتأكيد على عدم وجود نية لدى أي طرف في الوزارة لاتخاذ أي موقف ينم عن رغبة في احراج التحالف او تصوير الوزراء التابعين له وكأنهم معزولون عن الآخرين. ولفت الى ان الوزير محمد فنيش تصرف باضطراب خلافاً للانطباع المعروف عنه في الوسط السياسي من انه واحد من الداعين الى الحوار والتواصل مع الآخرين. وقال ان هذا التصرف ألحق بالتحالف خسارة بالشكل على خلفية رفض الوزراء السماح لرئيس الحكومة بأن يتابع كلامه في رده على الرئيس السوري. واضاف:"كان في مقدور فنيش ان يفسح المجال للسنيورة للتعبير عن موقفه، وفي ضوئه يمكن ان يقرر الرد عليه او الانسحاب من الجلسة بحجة المطالبة بعقد جلسة استثنائية تخصص لمناقشة خطاب الاسد من جوانبه كلها وتداعياته السياسية والامنية على الساحة اللبنانية، على رغم ان رئيس الحكومة لم يتطرق الى مضمون الخطاب، وقد جاراه في الموقف لاحقاً معظم الوزراء الذين اكدوا تضامنهم معه، من دون الغوص في تفاصيل الخطاب. ورأى الوزير ان الوزراء الشيعة استعجلوا اتخاذ موقف بالانسحاب من الجلسة وذلك كرد فعل متسرع بدلاً من التريث ليكون في وسعهم الاستماع الى وجهة نظر السنيورة، ومن ثم تحديد موقفهم. وبالنسبة الى المضمون، لم يكن الوزراء الشيعة - كما يقول احد الوزراء - في حاجة الى التسرع في الموقف الذي اتخذوه والذي اظهرهم امام الرأي العام المحلي ومن خلاله المجتمعين الدولي والعربي وكأنهم يلوذون بالصمت ازاء تعرض الرئيس السوري لرئيس حكومتهم الذي لم يكن من خيار عنده سوى الدفاع عن نفسه. لكن الوزير استبعد ان تترتب على انسحابهم من الجلسة مضاعفات سياسية يمكن ان تدفع في اتجاه خروجهم من الحكومة، وعزا السبب اولاً الى عدم وجود قرار في هذا الصدد، وثانياً الى حاجة التحالف الشيعي للاجماع السياسي القائم حول المقاومة وسلاحها، على الاقل من"تيار المستقبل"واللقاء النيابي الديموقراطي والقوى المتحالفة معهما، وثالثاً الى وجود رغبة مشتركة بعدم اقحام البلاد في ازمة سياسية خانقة. وأكد ان الوزراء الشيعة اكتشفوا فور انتهاء الجلسة ان لا نية لدى الغالبية بفتح النار على الرئيس السوري كرد على"أمر العمليات"الذي احتواه خطابه الناري وان لا مبرر لتأجيل البحث في رد رئيس الحكومة عليه طالما ان الاخير تصرف بحكمة وحنكة وعرض وجهة نظره بهدوء بعيداً من الانفعال أو رد الفعل على الافتراء الذي استهدفه. واضاف الوزير ان الجلسة كانت استيعابية بامتياز نظراً الى الحرص الذي اظهره الوزراء في الحفاظ على التلوينة الوزارية متماسكة بحدودها الدنيا رغبة منهم في عدم الانجرار الى رد فعل يمكن ان يتسبب بتأزيم الوضع، مشيراً في هذا المجال الى الرد الهادئ الذي صدر عن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي يصنفه النظام السوري على انه من أشد خصومه في الوقت الحاضر. واوضح ان لا مصلحة للتحالف الشيعي بالانسحاب من الحكومة وان من الافضل له البقاء في موقعه في السلطة التنفيذية خصوصاً ان البلاد مقبلة على تطورات لا يرى معها من مصلحة له في الاستقالة من الحكومة، لان استمراره في التواصل مع الآخرين له تأثير ايجابي في ضبط الاوضاع من ناحية وفي قطع الطريق على محاولة ايجاد شرخ سياسي ينتهي الى فرز طائفي تكون المقاومة المتضرر الاول منه ومن الاطاحة بالائتلاف الحكومي. وبالتالي ليس هناك من يراهن على الانتحار السياسي، لا سيما بعد المواقف التضامنية التي صدرت امس عن عدد من الوزراء الشيعة ما اعتبر تداركاً لتداعيات الخطأ.