بعد أقل من اسبوع على خطفه جنوببغداد وقتل مترجمه وسائقه، أقدمت جماعة مسلحة على قتل الصحافي الايطالي انزو بالدوني. وفيما جددت ايطاليا تمسكها ببقاء قواتها في العراق، ووصف رئيس وزرائها سيلفيو برلوسكوني قتل الصحافي بأنه عمل "بربري" استنكر مسجد روما الكبير عملية القتل وأعربت منظمة "صحافيون بلا حدود" عن قلقها. ونعت الصحف الايطالية بالدوني الذي اتخذ موقفاً ضد الحرب وساعد في ايصال المواد الغذائية الى النجف. وكان بالدوني توجه الى النجف في قافلة تلكأت بسبب تعرض احدى آلياتها للغم أرضي. وأصر على مواصلة طريقه برفقة سائقه ومترجمه الفلسطيني الأصل غريب. وبعد ساعات قليلة انقطعت أنباؤهما، وتأكد تعرض الصحافي الايطالي للخطف بعد العثور على جثة محترقة للمترجم. وعلى رغم ان الحكومة الايطالية واجهزة استخباراتها باشرت اتصالات مع أطراف عراقية لاطلاقه فإن الجماعة الخاطفة لم تعط فرصة أو هامشاً للمفاوضات وطالبت حكومة برلوسكوني بسحب قواتها من العراق وهددت بقتل بالدوني. الطلب الذي تقدمت به الجماعة وضيق الوقت الذي اشترطته لتنفيذ تهديدها أوضحا بجلاء أنها كانت قررت منذ اللحظة الأولى قتل بالدوني، لخلق هالة من الضجيج الاعلامي حولها وإخافة حكومات البلاد الأخرى التي قد يتعرض مواطنوها للخطف. وكان بالدوني، الذي يعمل صحافياً في مجلة "دياريو" الاسبوعية اليسارية الايطالية وصل الى بغداد مطلع الشهر الجاري وكان وصل الى النجف في 14 الجاري وأرسل في اليوم التالي آخر مراسلاته الى صحيفته وعاد في اليوم التالي الى بغداد. في 19 الجاري انضم بالدوني ومترجمه الى قافلة الصليب الأحمر الايطالي التي كانت تحمل المؤن والمساعدات لأهالي النجف. وبعد خمسة أيام من اختفائه ومقتل مترجمه عرضت قناة "الجزيرة" شريطاً يظهره لدى جماعة أطلقت على نفسها اسم "الجيش الاسلامي في العراق" وأذاع الخاطفون بياناً يمهلون فيه الحكومة الايطالية 48 ساعة لإعلان سحب قواتها من العراق. وجاء خطف بالدوني في ظل أجواء من التهديد للحكومة الايطالية. وعلى رغم الخلاف في مواقف الحكم والمعارضة من وجود الوحدة العسكرية الايطالية في العراق سادت أجواء مشبعة بالحزن والأسى جميع التعليقات التي صدرت عن المسؤولين والسياسيين الايطاليين، واعتبر رئيس الجمهورية الايطالية قتل بالدوني "عملاً بربرياً". وأعربت المعارضة اليسارية والمسيحية عن ادانتها لعملية الاغتيال، وأكد بعض قادتها انها تتفق مع الحكومة "في عدم الرضوخ لمطالب الارهابيين"، لكنها في الوقت ذاته أعلنت انه "آن الأوان لسحب القوات من العراق". يذكر أن بالدوني كان مناهضاً للحرب على العراق، وانشأ موقعاً الكترونياً باسم "بلوغدادذ" كان يجمع فيه آراء معارضي الحرب وينقل من خلاله عذابات ومعاناة قطاعات واسعة من الشعب العراقي. واعتبرت عائلته قتله "جريمة" لأنه "كان رجل سلام وكان يسعى لمساعدة الشعب العراقي". الى ذلك، ندد مسجد روما الكبير أمس بقتل بالدوني، وقال الناطق باسم المركز الثقافي الاسلامي ان المركز "يستنكر الجريمة البشعة ويعرب عن تضامنه مع عائلة الضحية". وأضاف ان "الذين يرتكبون هذه الأعمال البشعة يضعون أنفسهم خارج الاسلام". واستنكر سياسيون ايطاليون من شتى الأحزاب والاتجاهات إعدام بالدوني وتعهدوا عدم الاذعان للابتزاز. وفي العاصمة اليونانية أثينا التي تستضيف دورة الألعاب الأولمبية، قرر لاعبو المنتخبين العراقي والايطالي لكرة القدم وضع شارات سوداء خلال مباراتهما على الميدالية البرونزية والمركز الثالث حداداً على بالدوني. ونقل التلفزيون الايطالي عن وزير الخارجية فرانكو فراتيني قوله: "ما زلنا عند موقفنا. عندما تطلب منا حكومة العراق الموقتة المغادرة سنغادر". ووصف قتل بالدوني بأنه "عمل مروع إلا أنه لن يجعل ايطاليا تتخلى عن التزاماتها تجاه العراق". في باريس، أعربت "مراسلون بلا حدود" في بيان عن "استنكارها لهذا العمل الوحشي"، وقدمت تعازيها الى "عائلة بالدوني وزملائه". كما أعربت عن خوفها على مصير "الصحافيين الفرنسيين كريستيان شيسنوت وجورج مالبرونو اللذين انقطعت أخبارهما منذ 19 الجاري".