المخطوط كتاب صغير أو كبير، مكتوب بخط مؤلّفه أو ناسخه في عصر ما قبل الطباعة، وهو يمتد في المجال العربي الإسلامي بين القرنين الثامن الميلادي والتاسع عشر. وقد أورثنا العرب القدامى ملايين الآثار المكتوبة على الرقوق والبرديات في البداية ثم على الورق بعد القرن التاسع الميلادي. ويقال ان المكتوب بالعربية في عصورها الكلاسيكية يتجاوز الخمسة عشر مليوناً، بيد ان البقية من ذاك التراث لا يزيد على الثلاثة ملايين، وربع المليون عنوان. وأكثر تلك المخطوطات اليوم موجودة في مكتبات العالمين العربي والإسلامي العمومية، أو في المكتبات العمومية في الجامعات أو في المتاحف بالدول الأوروبية والولايات المتحدة وروسيا وتركيا والجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز. وهناك مخطوطات كثيرة في مكتبات خاصة. لكن أصحابها وورثتهم باعوا أو أهدوا أكثرها للمكتبات العمومية في الداخل العربي والإسلامي وفي العالم. وتتوزع المخطوطات المتبقية على شتى الفنون، لكن أكثرها مخطوطات في العلوم الدينية واللغوية والأدبية. وقد أقبل المستشرقون في البداية على تحقيق المخطوطات المهمة ونشرها بطرائق علمية حديثة. وورث عنهم العرب مناهج النشر والتحقيق، ثم طوَّروها واستقلوا بها. ولا يزال المنشور ضئيلاً نحو العشرين ألف عنوان خلال قرنٍ ونصف القرن، لكن المصادر الأساسية في شتى الفنون صارت منشورةً تقريباً. وبسبب ضخامة الموروث الذي لا يزال مخطوطاً، فقد حفل النصف الثاني من القرن العشرين بالدراسات والبحوث الببليوغرافية التي تريد احصاء المخطوطات، وتقسيمها على الفنون والفروع العلمية والأدبية، والنظر في تحقيقها ونشرها. وكان النصف الأول من القرن العشرين قد حفل بفهارس المخطوطات العربية في شتى مكتبات العالم. وجاء بروكلمان، ومن بعده فؤاد سزكين، فوضعا تاريخاً للتراث العربي، تناولا فيه وبخاصةً سزكين التأريخ للكتابة العربية المخطوطة. ولا تزال الفهارس والدراسات تصدر عن التراث العربي المخطوط وفي شتى لغات العالم. وكانت الإدارة الثقافية في الجامعة العربية قامت بجهدٍ رائدٍ حين أسست معهد المخطوطات العربية عام 1946، والذي أقبل على جمع أهمّ المخطوطات العربية في العالم بطريقة المايكروفيلم، واتاحتها للباحثين والدارسين والطلاب، كما أصدر مجلةً صارت سجلاً لبحوث التراث المخطوط، فضلاً عن النشرات المهمة لروائع من ذاك التراث. وقد تعددت المعاهد والمراكز الآن في الوطن العربي والعالم للعناية بالتراث العربي عموماً، والمخطوط خصوصاً. ولدينا الآن عشرات الدراسات الدقيقة والجادّة والببليوغرافيات الشاملة لهذا الميراث الحضاري، والذي لا يزال يتطلب الكثير من الجهد والتقويم والبحث. كتب في هذا "الملفّ" عددٌ من الباحثين والدارسين العرب عن بعض مراكز العناية بالتراث العربي، وعن أماكن وجود مخطوطاته، والجهود الجارية لقراءة نصوصه، وكتابة تاريخه.