لم أعرف أن السنين ستكون خصمي حتى انتبهت ذات صباح الى شعر أبيض كانت زوجتي تخفيه بتغيير مفرق شعرها. *** اجتهدت بصبغ شعرها، ولأنني لم أعلق، سألتني بعد يومين: - ألم تلاحظ تغيراً عليّ؟ تفرست في وجهها ثم قلت: - نعم... وجهك شاحب قليلاً. *** لفّت الشعر المتساقط بإصبعها وأخفته، فتظاهرت بعدم الانتباه. *** نظرت طويلاً الى صورتها بالأبيض والأسود، وهي ترتدي بنطلون "شارلستون" وبيدها كتب الثانوية... أذكر تماماً متى أعطتني إياها. *** عندما وضعت النظارة الطبية ذات الإطار الذهبي على عينيها، لاحظت خطوطاً عند زاوية عينها اليسرى لم تكن موجودة قبل خمس وعشرين وسنة. *** رفعت الكتاب عن وجهي، فوقعت عيناي عليها. كانت غافية على كرسيها، ثم وجهت نظري الى صورة لنا في شهر العسل... كانت ضحكتها واسعة وشعرها يرفرف مع الهواء كأجنحة طيور النوارس. *** قبل سنوات طويلة، عندما بكى طفلنا الرضيع صباحاً، لم أنهض ولكنني لكزتها بإصبعي قائلاً من دون أن أفتح عيني: - استيقظي... الطفل يبكي. نهضت على الفور وعيناها نصف مفتوحتين بسبب سهرها طوال الليل مع الرضيع المريض. *** كنت أشرب قهوة الصباح في أحد فنادق العالم عندما أحسست بشوق جارف إليها... رفعت الهاتف الجوال الى أذني وعندما سمعت الصوت الأليف سألتها: - هل الأولاد بخير؟ أجابت بنعم وأردفت: - أشتاق إليك. فقلت بصوت صباحي: - حسن الى اللقاء. *** استقبلتني مبتسمة في المطار، فلاحظت وخمنت أنها قضت نصف يومها في صالون السيدات، ولأنني لم أعلق غسلت وجهها وشعرها فور وصولنا الى البيت وظلت صامتة طوال اليوم. *** كانت الرحلة طويلة الى نيويورك، فتلهيت لساعات بقراءة كتاب، ولأنها ظلت صامتة أسندت رأسها الى كتفي ونامت. *** كنت نائماً عندما أحسست بيدها على جبهتي، فتحت عيني والعرق يتصبب من على جبهتي فقالت: - لقد كنت تهذي. *** عرفت أنها ستنظر الي من تحت نظارتها الطبية، لأنها تفعل ذلك كلما سعلتُ كثيراً. *** كأن شيئاً في حنجرتي عندما نظرت الى وجهها المحمر من السخونة والحمى... وضعت فوطة باردة على جبهتها وأطرقت برأسي... وبعد ساعات فتحت عينيها وسألتني: - هل تعشيت؟ *** لم ألتفت ولكنني شممت رائحة الصابون المعطر فعرفت أنها خرجت للتو من الحمام. *** نظرت في ساعتي أثناء الاجتماع، فاكتشفت أنني تأخرت أكثر من نصف ساعة على الاحتفال بعيد زواجنا. ولما دخلت باب المطعم ووصلت الى الطاولة لاهثاً، رأيت دمعة تكوي خدها الأيمن. *** مددت يدي بالبطاقتين الى عامل السينما، فأشر بمصباحه اليدوي الى كرسيين خاليين، جلسنا فقالت مبتهجة: - هذا الوضع يذكرني بأيام ما قبل الزواج. في منتصف الفيلم أعطيتها منديلاً ورقياً كي تمسح دموعها، ولكن عندما أضيئت الانوار هززت كتفها كي أوقظها. *** عندما وضعتُ فنجان القهوة السادة على الطاولة المنخفضة التي أمامي، أحنت ركبتيها ونزلت باستقامة، فعرفت أنها تعاني آلام الظهر. *** عندما أعود متأخراً الى البيت كنت أرى نصف وجهها في النافذة، بينما كان النصف الآخر يختبئ خلف الستارة. *** بعدما تزوج الأولاد وخرجوا من المنزل، أصبحت تتصل بي هاتفياً في مكتبي لتسأل السؤال اليومي نفسه: - متى تعود؟ وأجيب الإجابة نفسها: - عندما أنتهي من عملي. *** كان جسدها موصولاً بأسلاك وأجهزة تطلق صفيراً بإيقاع منتظم، ويطلق جهازي للنداء الآلي صفيراً لحوحاً مع إظهار رقم هاتف مكتبي، أقفلت جهاز النداء عندما أطلقت أجهزة المستشفى صفيراً طويلاً. *** عندما حملتها على النعش تذكرت عندما حملتها أيام شهر العسل، كانت تضحك وشعرها يرفرف في الفضاء. *** عدت الى البيت ونظرت الى صورتها عندما كانت طالبة في الثانوية، وتخيلت أن كل هذا الجمال مدفون تحت الرمال، فبكيت. * كاتب كويتي.