تعاني الدائرة السياسية التركية وهي في الواقع دائرتان، مشكلتين: اولاهما، عنوانها اسرائيل التي بات"حزب العدالة والتنمية"الحاكم يشعر بالحرج حيال العلاقة الحارة معها بعد الانتهاكات الاخيرة في رفح. وهذا فيما المؤسسة العسكرية، وهي عضو بارز في الناتو، ضالعة في علاقات متينة مع المؤسسة العسكرية والصناعة الحربية الاسرائيليتين. اما المشكلة الثانية فتطول خريجي المدارس الدينية ممن يجمع الجيش واحزاب المعارضة والرئيس احمد نجدت سيزر على رفض قبولهم في الجامعة. واذ يشكّل هؤلاء الخريجون احدى دعائم"حزب العدالة والتنمية"يعتبر رئيس الجمهورية قبولهم مخالفة للدستور. لهذا، ومنعاً"لتزايد وزن الاسلام في التعليم"، رد لائحة كانت الحكومة قد رفعتها لهذا الغرض. ولا يتوقع المراقبون في تركيا ان تتفاقم المشكلتان، ذاهبين الى ان الحزب الاسلامي لا بد ان يتراجع في اللحظة المناسبة. فالتجارب السابقة توحي بهذا الاستخلاص، كما يوحي به المصير البائس لحكومة"الرفاه"الاسلامية هي الاخرى، والتي قضى عليها خلافها مع الجيش في 1997. مع هذا، فالمشكلتان هاتان معطوفتان على ما سبق وما قد يلي، لا تبعثان على التفاؤل في ما خص حاكمية تركيا. ذاك ان البلد يعيش انقساماً يبدو من المستحيل معه اجتماع السلطة السيادية في يد واحدة. ف"الشعبية"عند"العدالة والتنمية"فيما"المصالح"عند الجيش. وفي انتظار ان يتبلور الخيار الاوروبي بحيث يمكن الجمع بين الديموقراطية والتحديث، تبدو الديموقراطية ذات البعد التحديثي الضعيف حصة اردوغان وحكومته، بينما يبدو التحديث ذو البعد الديموقراطي الاضعف حصة لابسي الخوذة. والواضح ان اردوغان يراهن على اوروبا والزمن. فهو يعرف ان جعل السياسة ترجمة دقيقة لصناديق الاقتراع مستحيلاً، مثلما يعرف ان الجيش مستعد للعنف عند ادنى اخلال بالمعادلات الأتاتوركية الاساسية. بيد ان الزمن ربما كان يدفع باتجاه غير ذاك الذي تدفع باتجاهه اوروبا، او بالاحرى غير الذي يأمل اردوغان ان تدفع باتجاهه. اذ ان العنف الارهابي الذي ضرب تركيا يزكي الفرز والاستقطاب، فيما احداث العراق وفلسطين تعززهما. وهذا ما لا يكفي هدوء اردوغان ولا موقفه العاقل حيال الموضوع القبرصي لتهدئته. فتركيا مقسومة بعمق، وهذا هو الاساس. وغني عن القول ان البلد لا يستطيع ان يعيش من دون طبقته الوسطى المتعلمة والمتأثرة بالغرب، ولا من دون جيشه وميراثه الاتاتوركي. الا انه، من باب اولى، لا يستطيع ان يعيش من دون... شعبه.