سيسلم الأميركيون السلطة الى جهة ما عراقية في آخر حزيران يونيو، فهذا هو الجزء الوحيد الذي لا يزال قائماً من اتفاق 18 تشرين الثاني نوفمبر الماضي بين بول بريمر، رئيس السلطة الموقتة للتحالف، ومجلس الحكم العراقي. كان يفترض بموجب الاتفاق تشكيل 18 مجلساً اقليمياً تختار ممثلين عنها الى جمعية وطنية انتقالية تختار حكومة موقتة تتسلم السلطة. وقَبِل اعضاء مجلس الحكم في البداية تشكيل هذه المجالس، على طريقة "الكوكس" الأميركية، إلا انهم تراجعوا تحت ضغط آية الله علي السيستاني. وكان يفترض ان يتم تشكيل الحكومة الموقتة على أساس دستور موقت يوضع قبل آذار مارس المقبل، إلا ان هذا ارجئ أيضاً لأسباب دينية وأمنية، وبريمر يصر على لأن يكون الدستور العراقي ديموقراطياً علمانياً، وهو مستعد لأن يستخدم حق النقض الفيتو لمنع اقرار دستور على أساس الشريعة. أما الجانب الأمني فهو سبب لكل التأخير الحاصل، كما انه نتيجة لها. وكل طرف لا تناسبه الانتخابات سيلجأ الى العنف أو الارهاب لإرجائها. الانتخابات لن تجرى قبل نهاية هذه السنة، أو مطلع السنة المقبلة، وهي بالتأكيد لن تجرى قبل الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني نوفمبر المقبل. وقد عاد مبعوث الأممالمتحدة السيد الأخضر الابراهيمي الى نيويورك مقتنعاً بأن الوضع الأمني مع الأسباب الأخرى، من عدم وجود حكومة أو قوائم للناخبين، تمنع اجراء انتخابات ديموقراطية، وقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة حكمة تأجيل الانتخابات، واقترحَ موعداً لها قرب نهاية هذه السنة أو مطلع السنة وطلب أن يتولى العراقيون تحديد نوع حكومتهم المقبلة، لتكون ذات صدقية يفتقر اليها مجلس الحكم الحالي. والأرجح ان يعود السيد الابراهيمي الى العراق في الأسابيع القليلة المقبلة للبحث عن صيغة جديدة أو آلية لتشكيل حكومة انتقالية. وقال بريمر انه لن يعطي رأياً قبل أن يسمع رأي الأممالمتحدة، وهو موقف يعكس رغبة الادارة التي أصبحت تريد دخول الأممالمتحدة ميدان العراق لتتحمل عنها مسؤولية المشكلات القائمة. المشكلات كثيرة، من الحكومة الموقتة الى الدستور الانتقالي والفيدرالية والعلمانية أو الشريعة، غير ان اكبر المشكلات هما الوضع الأمني ومجلس الحكم نفسه. التدهور الأمني المستمر أوجد جواً من التشاؤم يحيط بالعملية السياسية كلها، وقد سجل شهرا كانون الثاني يناير وشباط فبراير أعلى نسبة من القتل في هجمات المقاومة منذ سقوط بغداد. وكان الهجوم على مراكز أمنية في الفلوجة هذا الشهر تحدياً مباشراً للأميركيين وسلطات الأمن المحلية. وأسرع مجلس الحكم ليعلن ان ارهابيين أجانب كانوا بين المهاجمين، بل حدد جنسيات بعض القتلى منهم. غير ان قادة الميدان الاميركيين عادوا فأعلنوا ان جميع المهاجمين كانوا من العراقيين. أما مجلس الحكم فهو من دون صدقية بين العراقيين، وكان يمكن ان يكسب شرعية من طريق الانجاز، إلا انه فعل العكس. فبعض اعضائه من دون مؤهلات لتحمّل مسؤولية كبيرة، وبعضهم لا يمثل إلا نفسه. واذا استثنينا عضوين أو ثلاثة، فأفضل الأعضاء هو من يعمل لطائفته، وأسوأهم هو من يعمل لنفسه. أما الذين يعملون للعراق كله، فأقل من اصابع اليد الواحدة. ومع ذلك فمع غياب حكومة تتسلم السلطة اعتباراً من أول تموز يوليو، فإن الحديث هو عن تقليص مجلس الحكم أو توسيعه. والتقليص هدفه طرد الأعضاء الذين ثبت فشلهم، أما التوسيع فهو لجعله أكثر تمثيلاً للعراقيين. وكانت المشكلة الأولى مع المجلس الحالي ان الاميركيين اختاروا اعضاءه، وأصبح هؤلاء بالتالي متهمين كعملاء. واذا اختار الأميركيون الآن الأعضاء الاضافيين فستستمر التهمة، اما اذا اختار كل عضو في المجلس ثلاثة اعضاء آخرين او اربعة، فإن النتيجة ستظل ان هناك مجلس حكم معيناً من جانب الاميركيين وعملائهم. في جميع الأحوال، ومع غياب خيار آخر، فإن مجلس الحكم قد يوسع ليتألف من مئة عضو أو 125 عضواً، إلا أن اي اجراء ستظل صفته موقته، فالمطلوب انتخابات ينبثق منها مجلس وطني يضع دستوراً ويشكل حكومة تتحمل المسؤولية. غير ان الانتخابات نفسها قد تخلق مشكلة، فهي لو أجريت هذه السنة أو السنة المقبلة، فإنها ستنتهي بوجود غالبية شيعية في البرلمان المقبل، تفرض رأيها، ومن هنا كان اصرار آية الله السيستاني على الانتخابات على رغم ادراكه صعوبة ذلك مع تدهور الوضع الأمني وعدم وجود قوائم بأسماء الناخبين، فهو لا بد يعلم ان قوائم الإعاشة التي طُرح موضوع الاستعانة بها في جمع اسماء الناخبين لا تصلح، فهي ناقصة أو مزورة، مع تكرار أسماء كثيرة. وسمعت من مصادر رافقت السيد الأخضر الابراهيمي الى العراق ان آية الله السيستاني وافق على دور للأمم المتحدة في الاشراف على الانتخابات المقبلة وعلى مساعدتها في نقل السلطة الى العراقيين، والأرجح ألا تعارض الادارة الأميركية مثل هذا الدور، لأنها لم تعد تعرف كيف تتخلص من مسؤولية ادارة العراق في ظل استمرار تدهور الوضع الأمني وتزامنه مع حملة انتخابات الرئاسة الأميركية. وقد شكا مسؤولون عراقيون وديبلوماسيون عرب في واشنطن، وأيضاً سياسيون اميركيون من معارضي ادارة بوش، من أن هذه الادارة تخطط لنقل السلطة الى العراقيين من منطلق ما يفيد جورج بوش أو يضره خلال حملة الانتخابات. غير ان ما يفيد الرئيس في حملته قد لا يفيد العراقيين، وإنما يمهد لانفجار السيناريو الأسوأ فيه حرب أهلية إذا بدأت فلا يعرف سوى الله كيف تنتهي. والأمل ان يكون العراقيون واعين لمصلحتهم، وأن يمنعوا قيام وضع في العراق أسوأ مما ترك صدام حسين، على رغم ما يبدو من استحالة ذلك.