لطالما أدى الحديث عن العالم الخاص بمساكن الطالبات في الجزائر، إلى ردود فعل ساخطة، لأن غالبية الآراء تصب في خانة الاتهامات. "بنت لاسيتي"أو طالبة الحي الجامعي، كلمة يطلقها بعض الشباب الذكور، عندما يلمحون شابة جميلة تمر في الشارع، حاملة حافظة أوراق، وترتدي ملابس مثيرة، ويكسو وجهها ماكياج صارخ. وقد يروق لأحدهم معاكستها أو مطاردتها عشرات الأمتار حتى تستجيب لإغرائه وتبادله الإبتسامة، والشاطر من ظفر منها بموعد! في المقابل، يحبذ بعض الشباب السخرية وإطلاق نعوت مختلفة عليها، فيعلق أحدهم قائلاً:"ياخي بنات لاسيتي ياخي". على رغم أن ذلك النوع من الفتيات لا ينحصر وجوده في الأحياء الجامعية فقط. وحتى الطالبات اللائي يرتدين لباساً محتشماً، يتسبب جمالهن أحياناً في خلق متاعب لهن، إذ لا يسلمن من مسلسل المعاكسات والمغازلات. وإذا ما صمدت إحداهن أمام الإغراء، يلجأ الشاب إلى تغطية فشله أمام زملائه فيردد العبارة نفسها:"ومن تحسبين نفسك، لست سوى بنت لاسيتي". وتقابل"بنت لاسيتي""بنت الفاميلية"أي ابنة العائلة المحافظة. تسير في الشارع باحتشام ومن دون دلال، وغالباً ما تكون محجبة، فيشير الشباب إلى بعضهم بعضاً بتلك العبارة، إذا ما أراد أحدهم أن ينصح صديقه بالتقدم لخطبتها أو يطلب منه أن يمتنع عن معاكستها. هذا الواقع الذي يجعل من"بنت لاسيتي"مدعاة للسخرية والاتهام، يمكن فهمه بالدخول الى دهاليز الأحياء الجامعية التي تلتقي فيها سنوياً آلاف الطالبات اللائي يختلفن في لهجاتهن وقناعتهن وتقاليدهن وأخلاقهن. وتجبر الفتيات على العيش داخل غرف، يطلقن عليها تسمية"علبة السردين"لضيق مساحتها بالنسبة الى العدد الكبير الذي يسكنها وفي ظروف أقل ما يقال عنها، إنها لا تساعد الطالب على التركيز الجيد في دراسته، ولا تمنحه الراحة النفسية والجسدية بعد عناء يوم من الدراسة. وتلجأ الحكومة الجزائرية كل سنة لبناء غرف جديدة وتجنيد كل وزارتها، لتوفير مساكن إضافية لسيل الطلبة الجدد المتدفقين على الأحياء الجامعية، بينما تبقى ظروف الإقامة غير إنسانية في بعضها. وعلى رغم تلك الظروف، يضطر آلاف الطلبة الذين يجتازون عتبة البكالوريا، للإنفصال عن أهاليهم ومتابعة دراستهم الجامعية في مناطق الشمال خصوصاً. ويعتبر بعض الجزائريين ان الأحياء الجامعية باتت بؤراً لانتشار الرذائل. وتشير دراسة أعدتها العام الماضي هيئة لوزارة الصحة الى أن 13 في المئة من طالبات الأحياء الجامعية في العاصمة يتناولن المخدرات، و18 في المئة منهن يدخن السجائر، بينما 10 في المئة منهن يستهلكن المسكرات. والدراسة التي شملت 1110 فتيات، تتراوح أعمارهن بين 18 و33 عاماً، ويقمن في 7 أحياء جامعية في العاصمة الجزائر، وتنحدر غالبيتهن من المناطق الداخلية، خلصت إلى أن"22 في المئة أكدن أنهن يستهلكن المخدرات يومياً، و17 في المئة يستهلكنها في المناسبات، و20 في المئة مرحلياً، و41 في المئة نادراً". وتقول آسيا 28 عاماً خريجة معهد العلوم السياسية في تعليق على هذه الإحصاءات،"إنه واقع مخزٍ ومؤلم في الوقت ذاته، لكنها الحقيقة، فأنا أقيم في البيت معظم أيام السنة الدراسية، لكنني أضطر للإقامة في الحي الجامعي في منطقة لحيدرة المجاورة للمعهد خلال فترة الامتحانات حتى يتسنى لي الهروب من ضجيج البيت. وبالفعل صدمت مرات كثيرة بفتيات يدخلن قبل دقائق من إغلاق الباب وهن يترنحن". وليس من السهل أن تلتقي بطالبة مدمنة وتعترف بذلك، لكن عدداً من الطالبات اللائي التقتهن"الحياة"، أكدن وجود الظاهرة وبعضهن اعترفن أنهن وقعن ضحايا لها. وتعلق سمية 22 عاماً الطالبة في معهد الإعلام والاتصال قائلة:"للأسف بعض المدمنات لطخن سمعة المقيمات كلهن، خصوصاً أن الجزائريين عادة يلجأون إلى تعميم أحكامهم". وعن الأسباب التي تؤدي بالطالبات إلى تناول المخدرات، تقول سمية:"السبب عادة يكون صحبة السوء من الشباب ورجال الأعمال الذين تلتقي الفتيات بهم سرّاً. وتتحجج أخريات بأن المخدرات تنسيهن مشاكلهن الإجتماعية والنفسية". وفي نظر شلة من طالبات معهد التخطيط والإحصاء، فإن الأحياء الجامعية تحولت من"حرم جامعي"إلى حانات! وتشير لمياء 02 عاماً، وهي حديثة السكن في الحي الجامعي، إلى أنها بقيت مندهشة، غير قادرة على نصح صديقاتها اللائي فاجأنها بتناولهن مختلف أنواع المسكرات، بينما تشير زميلتها أمينة 22 عاماً التي تدرس معها في القسم نفسه، إلى أن ظاهرة التدخين أصبحت"موضة رائجة". وتحولت الأحياء الجامعية للبنات إلى قبلة للشباب باختلاف مستوياتهم الثقافية. حتى المنحرفين منهم يتهافتون يومياً الى ال"سيتي"للقاء"الحبيبة". لكن بعض الطالبات يؤكدن أن الحي كان"فأل خير"على عدد كبير من زميلاتهن اللائي تعرفن الى شريك الحياة خلال سنوات إقامتهن في الحي. بيد أن طالبات أخريات يبدين رفضهن واستنكارهن للظاهرة، ولا يثقن في فارس أحلام يترصد خطوات خطيبته المستقبلية في بهو الإقامة الجامعية، ولا يحبذ علاقة غرامية عواقبها غير مضمونة. وتقول سارة 24 عاماً الطالبة في معهد اللغة الانكليزية في جامعة بوزريعة:"لا أعترف بزواج يبنى بهذه الطريقة، والتجربة بينت أن معظم هؤلاء الشباب يأتون للمتعة والتسلية فقط. ومن كان في نيته أن يخطبني فليتقدم إلى أهلي من دون لف أو دوران". مساكن الطالبات قبلة"المعاكسين" غير أن معاكسة"بنات لاسيتي"، لم تقتصر على بعض الشباب، إذ أصبحت أحياء بن عكنون وبني مسوس في العاصمة، قبلة لعدد كبير من لاعبي نوادي كرة القدم المشاهير، ورجال الأعمال وأصحاب المال والجاه الذين يحضرون كل مساء بسيارات فاخرة يقبعون أمام مدخل الإقامة، لإغراء بنات يبحثن عن التسلية والمال بعد ساعات طويلة في المدرج الجامعي. فيصطحبونهن ويعيدونهن قبل أن يغلق الحي أبوابه في التاسعة مساء. وتعترف طالبات كثيرات بأنهن لا يقوين على فعل شيء أمام هذا الوضع، بسبب تواطؤ بعض المسؤولين عن الأمن داخل الأحياء الجامعية مع الطالبات، فيسمحون لهن بالدخول في ساعات متأخرة وهن في حال متدهورة، فيما لا تملك المنظمات الطالبية حيلة. وعلاوة على ذلك كله، وجدت الصراعات السياسية طريقها إلى الأحياء الجامعية، اذ ترتبط المنظمات الطالبية بالأحزاب السياسية في توجهها من دون ان تعلن ذلك صراحة. ولطالما نشبت مشاجرات بين الطالبات المنتميات الى"الاتحاد الطالبي الحر"المحسوب على"حركة السلم الإسلامية"، وزميلاتهن المؤيدات لتنظيمات وطنية أو علمانية، بسبب رفض الإسلاميين السماح بدخول فناني الراي، وإقامة حفلات لهم داخل الحرم. وإن كان مسلماً به أن الأحياء الجامعية في كل دول العالم، تعرف ظواهر مماثلة لانحراف الشباب من كلا الجنسين، إلا أن هذه الحقيقة لا يتقبلها المجتمع الجزائري، على رغم أن صور الانحراف داخل الأحياء الجامعية وجدت منذ أن أنشئت أول جامعة جزائرية بعد الاستقلال. لكن الظاهرة استفحلت في شكل خطير في السنوات الأخيرة، مع عودة الأمن تدريجاً وانفجار نزوات الشباب الذين عانوا الكبت النفسي والاجتماعي لأكثر من عقد كامل. فعاشوا مع الإرهاب وضعاً اجتماعياً واقتصادياً صعباً حرمهم اجتياز فترة المراهقة في ظروف طبيعية.