رئيس لجنة مراقبة وقف النار يصل لبنان    وفاة والد الأستاذ سهم الدعجاني    نفاذ تذاكر "كلاسيكو" الاتحاد والنصر    «فار مكسور»    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    بسبب المخدرات .. نجوم خلف قضبان السجن!    مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يوقع عددًا من مذكرات التفاهم    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    تعزيز حماية المستهلك    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    في عهد الرؤية.. المرأة السعودية تأخذ نصيبها من التنمية    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    نائب وزير الموارد البشرية يزور فرع الوزارة والغرفة التجارية بالمدينه المنورة    إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين وقاية من الإرهاب    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    كابوس نيشيمورا !    بالله نحسدك على ايش؟!    الاستدامة المالية    لولو تعزز حضورها في السعودية وتفتتح هايبرماركت جديداً في الفاخرية بالدمام    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الرئاسة بمنطقة جازان    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    برنامج مفتوح لضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة "بتلفريك الهدا"    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    الدكتور عبدالله الوصالي يكشف سر فوزه ب قرص الدواء    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لم يعد السكن المستقل والمبكر حاجة ملحة ... . تمديد الإقامة في بيت الأهل الأوروبي الى سن الثلاثين ظاهرة تنتشر منذ عقد ونصف العقد
نشر في الحياة يوم 15 - 05 - 2001

أدخلت بعض الحركات الطالبية الأوروبية في برامجها المطلبية والمهنية، قبل ثلاثة عقود أو أربعة، ما سمته "الأجر" الطالبي. وبنت هذه الحركات مطالبتها بتسديد "أجر" للطلاب لقاء دراستهم، وليس لقاء عمل - على معنى العمل المعروف - على حسبانها الطالب الجامعي "عاملاً فكرياً أو ذهنياً فتياً". وهذا التعريف صاغته الحركة الطالبية الفرنسية غداة الحرب الثانية، إبان عودة بعض الشبان الذين كانوا انخرطوا في صفوف مقاومة الاحتلال الألماني الى الدراسة على مقاعد الجامعة. وأقنعت تكلفة الإعمار والبناء الباهظة، غداة الحرب، الفئات الاجتماعية كلها بالقناعة بحصة متواضعة من عائد الإنتاج، وبإرجاء مطاليبها الى وقت لاحق أقل ضيقاً وعسراً.
ولا يتفق تقاضي أجر عن الدراسة، هو بمنزلة منحة دراسية تعم كل الطلاب وتساوي الحد الأدنى للأجر العمالي، لا يتفق مع التقشف العام. فتغاضت الحركات الطالبية الأوروبية، بعد الحرب، عن مطلبها هذا. ولكنها رجعت إليه، وقدمته على غيره من المطاليب والشعارات، في العقد السابع الستينات. وكان بين البنود التي مهدت، هي والأفكار التي استندت إليها، ل"ثورة الطلاب" في أواخر الستينات، لاسيما في فرنسا أيار/ مايو 1968 وإيطاليا خريف العام نفسه وألمانيا في 1969.
ولعل الفكرة الأولى بين الأفكار "الربيعية" والطالبية يومذاك كانت فكرة استقلال الطالب الجامعي 17 - 20 سنة بنفسه، وقيامه بحاجاته، واختياره طرائق حياته كلها، من لباسه وقيافته الى أحكامه السياسية والفكرية مروراً بحياته الخاصة وذوقه، بنفسه. ويفترض الاستقلال بالنفس الانفصال المبكر عن الأهل. ولا يقتصر الانفصال هذا على انتهاج مسلك يخالف مسلك الوالدين، ولا على قضاء وقت طويل خارج مراقبتهم أو الدخول في شلل يتقاسم أفرادها الرأي والذوق.
فهو، أي الانفصال، يقتضي ربما، على ما ذهب إليه شبان أواخر الستينات وشاباته، الاستقلال بالمسكن. وشرط الاستقلال بالمسكن موارد مالية خاصة، ودخلٌ ليس الأهل مصدره. وشيدت المدن الجامعية، وانتشرت المطاعم الجامعية، تلبية جزئية لمطلب الطلاب والأهالي تخفيضَ تكلفة الدراسة وأعبائها، من وجه أول، وتوفيراً لبعض شروط الاستقلال عنهم من وجه ثان. فكانت المدن الجامعية توفر بعض المساكن الفردية للطلاب بأسعار قليلة، قياساً على إيجار المدن المتوسط. وتولى الأهل الميسورون ومتوسطو الحال، ومعظم الطلاب الجامعيين كانوا يتحدرون من أهل ميسورين ومتوسطي الحال، تسديد أعباء إقامة أولادهم المستقلة في مدن بعيدة أو قريبة من محال إقامتهم وعملهم. وأنشأت جمعيات أهلية، بعضها ديني وبعضها علماني وقريب من أحزاب سياسية كبيرة، "مضافات" للعمال الشبان والفتيان. ولكن عددها بقي قليلاً.
فكان ابتداء الدراسة الجامعية، وفي بعض الأحيان أواخر الدراسة الثانوية، المدخل الى الانفصال عن الأهل، والخطوة الأولى والثابتة على طريق استقلال الشاب الفتى أو الشابة بشؤون حياته الدراسية والمهنية والخاصة، بعيداً من نظر الأهل ومراقبتهم وشروطهم. وعلى خلاف الحال قبل الحرب الثانية لم تحظ بمثل هذا الاستقلال قلة فقط من الطلاب من أبناء "البورجوازية". فالطلاب والطالبات الذين بلغوا سن الدراسة الجامعية في ستينات القرن العشرين هم أولاد "انفجار الولادات" "بايبي بوم" في أعقاب الحرب الثانية، والجيل العريض الأول الذي رفعت ديموقراطيةُ التعليم بعض الحواجز من وجه دراسته الطويلة. ففي أقل من عقد واحد، بين أواخر الخمسينات وأواخر الستينات بلغ عدد طلاب الجامعات الفرنسية نحو سبعمائة ألف طالب بعد ان كانوا أقل من مئتي ألف.
ويرتبط الاستقلال بالسكن، والسن التي يتفق معها هذا الاستقلال، بعوامل غير الدراسة الطويلة، منها العمل، والدخل، وسياسة الإسكان الاجتماعية، ومتوسط سن الزواج، والسياسة الاجتماعية الصحية، وحال العلاقة بين الجنسين، وحال العلاقة بين الأجيال جيل الأهل وجيل الأولاد، وأحوال العائلة عموماً والولادات.
وعلى خلاف عقدي الستينات والسبعينات طاولت مسألة السكن المستقل فئات من السكان أوسع من فئة الطلاب. وأول هذه الفئات النساء أو الفتيات والشابات. فدلت الاستطلاعات على أن نساء "الإناث" على قول الأبواب الإحصائية المجتمعات الأوروبية الجنوبية، "التقليدية"، مثل البورتغال واليونان وإسبانيا وإيطاليا يتزوج ثلثاهن قبل بلوغ الثلاثين. والزواج، والحال هذه، يلغي مسألة السكن المستقل، المبكر أو المتأخر. ولكن نصف الإسبانيات اللواتي بلغن سنة 25 الى 30 سنة كن لم يتزوجن بعد في 1997. وبلغت النسبة في إيطاليا 60 في المئة.
وقد تعني هذه الحال، شأنها في المجتمعات الأوروبية "الشمالية"، أن من لم يتزوجن عمدن الى المساكنة أو "المعاشرة" بديلاً من الزواج. فالنساء اللواتي ساكنّ أو يساكنّ بلغن 75 في المئة من السويديات والفنلنديات، و11 في المئة من الإسبانيات، فالإسبانيات الشابات اللواتي لم يتزوجن، شأن الإيطاليات، لا يساكنّ كذلك. فهنّ خارج "الزوجية"، على معناها القانوني المؤسسي وعلى معناها الاجتماعي كذلك. والمساكنة الحرة جزء من المعنى الاجتماعي. فأين هن؟ وتأنيث السؤال يؤدي الى تذكيره، حكماً: أين هم الشباب في سن 25 - 30 إذا لم يكونوا متزوجين ولا مساكنين؟ وتدل الاستطلاعات والاستقصاءات الاجتماعية أنهن وأنهم تالياً يقمن ويقيمون حتى هذه السن "المتأخرة" في بيت أهلهن وأهلهم، على خلاف تراث من الاستقلال المبكر عرفت به المجتمعات الأوروبية والأميركيةً.
وأدت الى إطالة أمد السكن في بيت الأهل تغيرات كثيرة. فبعد ميل متوسط سن الزواج الأوروبي والأنثوي الى الانخفاض، في ربع القرن الثالث 1950- 1975 من 26 سنة الى 23، عاد الى الارتفاع في الثمانينات. ونجم عن الأمرين، ارتفاع متوسط السن حين الزواج وقلة الولادات في الأسرة الجديدة، ركود عدد السكان ثم تراجعه. وزادت حالات الطلاق والانفصال. وطاول الطلاق أسر الأزواج الذين واللواتي ولدوا بين 1945 - 1955، أي في غضون مرحلة "الانتقال" من الزيادة السكانية المستمرة والمتواترة الى الضمور.
وتزيد فرص الطلاق، والدواعي إليه من جهة النساء، مع الزواج المبكر، وزيادة فرق السن بين الزوجين على ثلاثة أعوام، ومع ارتفاع المستوى الثقافي التعليمي والمهني وتوفر دخلين في الأسرة الواحدة والدخل الثاني هو دخل المرأة في معظم الأحيان. وعلى هذا يتبع الطلاق، وزيادته، زيادة فرص عمل النساء: فثمة 29 طلاقاً لألف شخص في بريطانيا، و27 في فنلندا، و26 في السويد، وثمانية في إسبانيا، وستة في إيطاليا. والخط البياني المنحدر هذا يوازي ميل عمل النساء وفرصه الى الانخفاض والقلة.
وحيث الأسرة مكتملة - وتتألف من زوجين وأولاد، على ما هي الحال الغالبة في مجتمع ينتقل من المثال المحافظ الى مثال يقوم على تصدع المحافظة والتقليد على ما هي حال اسبانيا حيث الأسرة المكتملة تبلغ 8،55 في المئة من الأسر - حيث الأسرة مكتملة على هذا المثال، الأولاد الصغار قلة. فمتوسط الولادات في الأسرة الأوروبية يبلغ، في 1997، أقل من ولد واحد و"نصف" ولد 44،1. وهو ينقص عن هذا المتوسط في إيطاليا 22،1 وفي إسبانيا 15،1. ويحل محل الأولاد الصغار الأولاد البالغون الذين ما زالوا يقيمون مع أهلهم، ولم يتزوجوا بعد، واستبدلوا المساكنة الثابتة بعلاقة قد تكون ثابتة من غير ان تستدعي الانتقال الى مسكن واحد ما دام الأهل، أهل "المتعالقَيْن"، يرضون بإقامة ولدهم ابناً أو بنتاً في منزلهم إلى سن متأخرة.
وتستتبع هذه الحال تقويماً إيجابياً للعائلة، على نحو ما تستتبع رجوعاً عن إدانتها السابقة من شعارات 1968 و"الثورة الطالبية" يومها التنديد ب"المترو والعمل والنوم"، أو "الدودو" العائلي، وبمبالغة التحليل النفسي في إيلاء العلاقة الأوديبية الأبوية، نسبة الى أوديب و"عقدته"، مكانة راجحة، فكتب اثنان من وجوه ثقافة تلك الأعوام "نقضاً على أوديب" ومديحاً للترحال وانتهاك الحدود والتخوم وأولها العائلية. فالذين كانوا، في النصف الثاني من الثمانينات، ما زالوا يحسبون أن "العائلة هيئة فائتة"، كانوا واحداً من خمسة من سكان الجنوب الأوروبي. وهؤلاء نزلوا الى 12 في المئة بعد أقل من عشر سنوات. وبلغ الذين يحسبون ان العائلة لم تَفُتْ بعد 85 في المئة.
والحق أن تقويم العائلة إيجاباً وجه من وجوه نازع عام في إطار مستجد العناصر والعوامل. فالسبب الأول في إيثار العائلة على المساكنة ليس الدين، على ما كانت عليه الحال من قبل. وليس الإيحاء الاجتماعي وثقل إدانته المساكنة الحرة. بل هو مصلحة الأولاد ودواعي هذه المصلحة. وتصدّر الأولاد ومصلحتهم أسباب تفضيل الزواج القانوني قرينة على مكانة الأولاد وعلى رجحان داعي القيام بأعبائهم وقوة هذا الداعي.
ويعم نصف أوروبا، من إسبانيا الى الدانمرك وتستثنى اليونان وحدها من هذا الرأي، قبول تبني "الأزواج" المثليين والمثليات أولاداً لم ينجبوهم طبعاً. وما يعوِّل عليه زهاء نصف الأوروبيين هو شكل العائلة وصورتها، ولو نهض هذا الشكل، في حال المثليين والمثليات، على علاقة من ضرب جديد. ويتوج هذا الإعلاء من شأن العائلة تنديد متعاظم، يبلغ ذروته في البلدان الكاثوليكية والأرثوذكسية، بالجمع بين الزواج وبين علاقات جنسية خارج الزواج والمساكنة الثابتة معاً. فالقوانين الشخصية، حتى في المجتمعات الكاثوليكية، تقر للمساكنين، ولأولادهم، بحقوق الأزواج الشرعيين في أحوال الوفاة أو العطالة، وفيما يعود الى الإرث والتعويض والحق في المسكن، وفيما يعود الى التأمينات الصحية والتبني.
ولما كان الزواج، وإنشاء الأسرة الثابتة والتامة، والحصول على العمل الدائم، والاستقلال بالمسكن، أموراً متصلة ومترابطة، أدى انفكاكها بعضها من بعضها الى ظهور علاقات وقيم جديدة لا توجب التبكير في الزواج، ولا قصر إنشاء الأسرة عليه، ولا اشتراط الحصول على عمل ثابت شرطاً لا بد منه لأجل علاقة ثابتة.
ففي فرنسا يجمع فوق ربع من هم في العشرينات من العمر 28 في المئة بين الإقامة في أسرتهم وبيت والديهم وبين القيام بعمل مأجور. وثلث الذين يقيمون بمفردهم، وتركوا أسرهم، لا يعملون. والفصل بين الإقامة الفردية والمنفصلة وبين العمل سبب راجح في دوام الإقامة في أسرة الأهل الى بلوغ سن الثلاثين، منذ عقد ونصف العقد تقريباً. فهذه الإقامة المتطاولة وجه من وجوه استطالة المرحلة الانتقالية بين الفتوة وبين الشباب، أو بين المراهقة وبين بلوغ الرشد. واستدل بعض المعلقين بالمسلسل التلفزيوني الفرنسي الطويل والمباشر البث الحي، "لوفت ستوري" أو "حكاية الجناح السكني" الذي خلف "بيغ براذير" "كبير الأخوة" كناية عن مراقبة الحياة الحميمة وتصويرها، استدلوا به وبأداء أحد عشر شاباً وشابة لم يبلغوا الثلاثين وإقبال أربعة ملايين فرنسي على مشاهدته، على استطالة العمر الانتقالي هذا.
ففي 1986 كان ثلثا من هم في سنة 20 الى 29 سنة، في اليونان وإيطاليا وإسبانيا، في منزل أسرتهم، على حين كانت نسبة من هم في سنهم وسكنهم نظير سكنهم، في ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا - 46 و41 و36 في المئة تباعاً. وبعد ثماني سنين تعاظم الفرق بين من هم في السن نفسها، في فئتي المجتمعات. فمن كادوا يبلغون الثلاثين وما زالوا متعلقين بالإقامة في أسرهم لا يقلون عن 79 في المئة في إسبانيا، و5،78 في إيطاليا، و71 في اليونان. وفي الأثناء تدنت النسبة في ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا إلى 44 و36 في البلدين الأولين. وزادت الى 41 في المئة في فرنسا.
وليس حال سوق العمل التعليلَ الوحيد. فإذا صح أن عمالة من هم في سن 20- 29، في ألمانيا وإنكلترا، تبلغ 75 في المئة من جملة الفئة - وقد تكون نسبة العمالة سبباً في انخفاض نسبة الإقامة المستقلة - فالعمالة في اليونان تفوق نظيرها الفرنسي. ولم يؤدِّ ذلك الى تناظر نسبة المقيمين في أسرتهم، ولا إلى انخفاضها في اليونان. ولم يؤدِّ تدني نسبة البطالة في إسبانيا على نحو كبير، منذ 1994، ولا أدى تعاظم حصة العمل الموقت في إسبانيا وإيطاليا واليونان وثلثا من يتولون أعمالاً موقتة هم من الشباب دون الثلاثين، الى تراجع نسبة المقيمين في أسرتهم.
وقد يكون ثمة رابط بين زيادة حصة العمل المؤقت و"المرن" بين شباب هذا الشطر من العمر وبين تطاول إقامتهم في أسرتهم. فمثل هذا العمل لا يضمن عائداً ثابتاً، ولا يبعث على الالتزام بمسكن دائم وبإيجار دائم. فعلى حين كان ثلثا من بلغوا الخامسة والعشرين، في 1985، يعيلون انفسهم من غير حاجة الى من يسهم في إعالتهم، هبطت هذه النسبة في أعقاب عقد من الزمن الى الثلث. أما من بلغوا التاسعة والعشرين فثلثاهم يعيلون أنفسهم. وفي العقد نفسه زادت نسبة الشبان المحتاجين الى أسرهم حاجة ماسة من 13 في المئة الى 24. وزادت نسبة من يعولون بعض التعويل في سد حاجاتهم على مساعدة أهلهم من 12 في المئة الى 26.
ويعزو مراقبون وباحثون ضعف أثر العمل المؤقت والمرن في إيجار المسكن المستقل الى أزمة سوق السكن. فتكلفة إيجار مسكن خاص في سوق مضاربة عقارية حادة، تفوق دخل العاملين والعاملات الشباب، لاسيما إذا كان عملهم الأول من النوع المؤقت على ما هي حاله ونجم عن تراجع البطالة ازديادُ الطلب على السكن المناسب. فارتفعت أسعار المساكن وإيجاراتها ارتفاعاً كبيراً. ولم تعوض الاستثمارات الاجتماعية في البناء هذا الارتفاع، فمضى على نازعه ولم يكبحه كابح.
فيمَّم شطر متعاظم من الشبان والشابان في هذه السن صوب التعليم الجامعي الطويل. ودعاهم الى هذا تفشي البطالة في صفوفهم، من وجه، وزيادة حظ حاملي الشهادات الجامعية في الوقوع على عمل. وإذا كان معظم طلاب أوروبا لا يسددون إلا 20 في المئة من تكلفة دراستهم الجامعية، وتتولى الإدارة العامة الشطر الباقي، لا يقل عدد الطلاب الذين يعملون في فرنسا، ويسددون تكلفة دراستهم من عائد عملهم عن 800 ألف طالب هم ثلث عدد الطلاب في العام 2000. ويرتب هذا عليهم، على ما أشار تقرير الاتحاد الوطني لطلاب فرنسا، تأخير دراستهم وعزوفهم عن دراسات تقتضي الدوام الطويل أو الاصطفاء الصارم.
والأهل بدورهم تغيَّروا. فهم يعتقدون وجوبَ اليسر وليس العسر في معاملتهم أولادهم. وأهل البالغين 20 الى 30 سنة ولدوا في الأربعينات والخمسينات، وقاموا على آبائهم في أثناء فتوتهم. فلما أنجبوا رعوا أولادهم رعاية من غير تزمت ولا قسر. فخلت أسرهم من منازعة الأجيال، تقريباً وعلى وجه العموم. فثلثا من يقيمون في أسرهم، من البالغين ثمانية عشر عاماً، يقولون أن في وسعهم الانفراد في حجرتهم، وقفل بابهم عليهم وعلى صديقتهم أو صديقهم، في حال الفتيات.
ويذهب النصف الى أن في وسعهم دعوة الصديق أو الصديقة إلى مشاطرتهم الحجرة الشخصية أياماً، من غير أن تؤدي المشاطرة الى سخط الأهل أو برمهم. وتزعم ثلث البنات الإسبانيات أن أهلهن لا يعترضون على حرية تصرفهن في غرفهن الفردية. وتذهب كثرة الشبان والشابات الساحقة 90 في المئة الى أن كل المسائل التي تعود إليهم وإليهن تناقش مع الأهل، ويُنتهى في نصفها الى اتفاق. ولا يقيد الأهل حرية رواح أولادهم المقيمين معهم ومجيئهم. فعلى نحو ما يستقبلون في غرفتهم يسعهم تركها يوماً أو يومين، والنزول ضيوفاً في بيوت أصحابهم. ولا قيد على العودة المتأخرة الى البيت. فلا عجب إذا اقتصر من يحكمون في أهلهم بالقسوة على 10 في المئة.
ويتضافر على إسهام النساء الشابات في انتشار هذه الظاهرة تحررهن من السعي في حياة الزوجية، زواجاً شرعياً أو مساكنة، سعياً لازماً. فالحياة الزوجية، على المعنى هذا، لم تبقَ قدراً محتوماً. فالمرأة الشابة، في أوروبا الجنوبية منذ عقد ونصف العقد تقريباً، في خيرة من أمرها. فإذا هي درست، وعملت، ووسعها السكن في بيت أسرتها الى سن متأخرة، ونسج علاقة مع قرين من غير أن يفترض ذلك إنشاء أسرة ثابتة مع تقديمات الأسرة الاجتماعية كلها، أدى ذلك كله الى نظير شبابي أو ذكري. فالنساء، عملاً وسنناً اجتماعية، قاطراتُ تحولاتٍ كبيرة وعميقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.