ضبط مسافر باكستاني لمحاولته دخول المملكة بطريقة غير مشروعة    فرض عقوبات على 222 صاحب عمل وإيقاف وسحب تراخيص 36 مكتب استقدام    «أوبك» تنفي تصريحات «وول ستريت جورنال» المنسوبة لوزير الطاقة    بعد اجتماع مع بري وجنبلاط.. ميقاتي: متمسكون بتطبيق القرار 1701    دوري روشن: الاتحاد ضيفاً ثقيلاً على الاخدود والاتفاق يواجه الرائد    الاتحاد الآسيوي يعلن المرشحين لجوائز افضلية 2023    نائب أمير المدينة يقدم واجب العزاء لأسرة شهيد الواجب الجندي أول أكرم الجهني    شرطة تبوك تباشر واقعة صدم 3 أشخاص لمركبة وإركاب امرأة معهم    سقوط فوهليدار يكشف تدهور أوكرانيا    ولي العهد: المملكة قوة خير لكل ما فيه صالح البشرية    فتح صفحة جديدة في العلاقات السعودية - الكندية    أمير القصيم يكرّم عددا من منسوبي الشرطة    إسرائيل وإيران يدخلان خط التصعيد رغم المخاوف    خيسوس: انتصارنا بخماسية نظيفة لا يعني أن الخصم سهل    المملكة تفوز باستضافة مؤتمر الرابطة الدولية للمدعين العامين لعام 2026    تحت رعاية الملك.. انطلاق النسخة الثالثة من دورة الألعاب السعودية 2024 غداً في الرياض    وزير الاقتصاد والتخطيط يجتمع مع وزير الخزانة والمالية التركي    محافظ بيشة يرعى حفل الاحتفاء باليوم الوطني 94 بتعليم بيشة    مفتي عام المملكة يستقبل مفوّض الإفتاء بمنطقة جازان    «هيئة الصحفيين» تُعدّل نظام عضويتها.. تستمر لعام كامل من تاريخ الحصول عليها    العيسى في معرض «كتاب الرياض»: وثيقة مكة ترسي حقيقة الإسلام    اتفاقية شراكة بين كرة المناورة واتحاد الجامعات    عودة "المعرض السعودي للطيران العام" إلى الرياض في حلة جديدة في نوفمبر القادم    أمير القصيم يتسلم شهادة الأيزو العالمية في التميز الإداري لجمعية الإسكان الاهلية    أمير الشرقية يدشن حملة الشرقية وردية " 16 " للكشف المبكر عن سرطان الثدي    أكثر من 10 آلاف جولة رقابية تنفذها بلدية محافظة المذنب لتعزيز الامتثال    القيادة تهنئ رئيس جمهورية غينيا رئيس الدولة بذكرى استقلال بلاده    نائب أمير تبوك يدشن حملة التطعيم ضد الانفلونزا الموسمية بالمنطقة    مستشفى أبها للولادة والأطفال يُنفّذ "اليوم العالمي للزهايمر"    مجزرة إسرائيلية جديدة.. والاحتلال يقتحم خان يونس    معرض الشارقة الدولي للكتاب 2024 يحتفي بمعارف وثقافات العالم من 6-17 نوفمبر تحت شعار "هكذا نبدأ"    الشيخي يحتفل بزواج نجليه    أمانة الشرقية تبدأ أعمال الصيانة لطريق الدمام - الرياض    هيئة الأمر بالمعروف تشارك في معرض الرياض الدولي للكتاب 2024م    27 ألف مستفيد من خدمات الرعاية المنزلية في "سعود الطبية"خلال 9 أشهر    ابتداءً من 3 أكتوبر.. الفصل في خلافات العمالة المنزلية ومن في حُكمهم عن طريق المحاكم العمالية بوزارة العدل    استمرار هطول أمطار رعدية على مختلف مناطق المملكة    «فيتش»: الأصول المدارة ستتجاوز 1.13 تريليون ريال في عامين    «الشورى» لجامعة حفر الباطن: فعّلوا الابتكار واستفيدوا من «ادرس في السعودية»    والد الشهيد أكرم الجهني ل«عكاظ»: نبذل الغالي والنفيس فداء للوطن    التعاون يتحدى القوة الجوية    عبر سلسلة تاريخية حافلة بالعادات والتقاليد.. المملكة تُجسد إرثها الثقافي في ارتباطها بالقهوة    المكتبات الخاصة.. والمصير المجهول    الرياض تستضيف أكبر تجمع في ( COP16).. السعودية تقود مبادرات مواجهة الجفاف في العالم    أمير الشرقية يثمن دعم القيادة للقطاع الصحي    «ميتا» تتيح مسح الأماكن وعرضها افتراضيا    «الغذاء والدواء»: توحيد معايير الحلال عالميًا    الحياة الزوجية.. بناء أسرة وجودة وحياة    محمد بن عبدالعزيز يستقبل قائد قوة جازان    أمير مكة المكرمة ونائبه يعزيان أسرتي الشهيدين في حريق سوق جدة    في الجولة الثانية لدوري أبطال أوروبا.. الريال في ضيافة ليل.. وبايرن ميونيخ للثأر من أستون فيلا    طريقة عمل سلطة البطاطس بالكزبرة والليمون والثوم    إطلاق مبادرة «عطاء القطاع الصحي الخاص»    بريطانيا: إصابة سفينتين بهجومين قبالة سواحل اليمن    الأمين الجديد لحلف الناتو.. تحديات جمة وترقب لفوز ترمب    المملكة.. الثبات على المبدأ    دبلوماسيون ومثقفون باكستانيون: "كتاب الرياض" يقدم تجربة مليئة بالإلهام والمعرفة    «كتاب الرياض» يحتضن ندوة عن الأمن الفكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحدث الاميركي في عيون عرب ومسلمين . بين مبادئ ثورة الفاتح ، وما تبثه لهم الفضائيات . الشباب في ليبيا : الجامعة تتآكل والهجرة صعبة ... والرياضة يكرهها القائد ويحبها نجله
نشر في الحياة يوم 18 - 09 - 2001

نشرت مجلة، العالم العربي مغرب - مشرق La documentation Franچaise الفصلية التي تصدر في فرنسا باللغة الفرنسية، في عددها الاخير، ملفاً عن الشبيبة في العالم العربي - تحديات وفرص، احتوى على تسع دراسات ذات صبغة تفاؤلية، حاولت تحليل المعطيات الديموغرافية الجديدة التي عرفتها المجتمعات العربية في فترة تعتبر وجيزة. فخفض معدل الانجاب من 7-9 أولاد للعائلة الواحدة في منتصف السبعينات، الى 3-4 في عام 2000 يعتبر تحولاً جذرياً ترافق مع تغيير في العقليات وفي المفاهيم الاجتماعية والعائلية وفي الظروف المعيشية. وبما ان التغيير الاجتماعي يحدث عادة من تتابع الاجيال التي لا تتشابه، كما يشرح فيليب فارغ الذي اشرف على الابحاث المنشورة وقدم لها، فإن حدوث هذا التغيير في جيل واحد في البلاد العربية، يعني ان "الفئة القديمة ما تزال على قيد الحياة فيما تلك التي تجسد التجديد وصلت"، وهكذا تتواجد معاً في الفترة الزمنية نفسها اجيال ذات معايير متناقضة.
اضافة الى ما سبق، هناك الاعداد الضخمة للشباب في سوق العمل وهم في رأي فارغ "أكثر كفاية بكثير من جيل آبائهم ويمكن معارفهم ان تشكل محركاً باتجاه تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي". وفي دراسة عن الانعكاسات الاقتصادية على الانتقال الديموغرافي في الشرق الاوسط يقترح الباحثون بيير دونت، رينا بهاتشاريا وطارق يوسف على الدول لمواجهة ذلك البحر الهائل والمتزايد لعدد طالبي العمل من الشبيبة المنتجة "ان تعمل على انعاش قطاع البناء باعتباره محركاً للنمو الاقتصادي". فهذا القطاع اضافة لتقديمه فرص عمل للشبيبة، يلبي ازمة السكن الملحة التي تعانيها. تلك الازمة التي تشكل احد العوائق الاساسية امام تحقيق حلم الشباب بالزواج في البلاد العربية، حتى في ليبيا، التي كانت تعتبر، الى وقت قريب، ذات مستوى معيشي مرتفع نسبياً تأثر بسبب الحصار فإن تأمين السكن يعتبر الآن من المشاغل الاولى للشباب فيها.
تطرق العدد ايضاً الى مواضيع اخرى تناولت الدمج الاجتماعي والسياسي للشبيبة الفلسطينية والمتغيرات الاجتماعية والديناميكية الجدلية بين جيل اليافعين وجيل الآباء في مصر والعلاقات العائلية على محك امراض الشبيبة في حي شعبي في القاهرة. وفي المجال التعليمي بحثان عن الديموغرافيا ودمقرطة المدرسة في الجزائر وعن تحديات التعليم العالي في البلدان المتوسطية حيث تطور التعليم والتزايد الهائل لملاك الجامعات يطرح مشكلات جديدة ويضع الطلاب في مواجهة خيبة الأمل بخصوص الشهادات العليا التي يحصلون عليها. واخترنا هنا الدراسة التي تناولت الشباب في ليبيا نظراً لندرة مصادر المعرفة والمعلومات التي تتعلق بهذا المجتمع.
يمثل الشباب في ليبيا، كما هي الحال في معظم البلدان العربية، غالبية السكان. وفي عام 1969 بلغ تعداد السكان 7،1 مليون، فيما يصل اليوم الى 5 ملايين، 30 في المئة منهم تحت سن الثلاثين. وهؤلاء لم يعرفوا إلا نظاماً سياسياً واحداً هو ثورة الفاتح.
تصف هذه المقالة ل"نديم الشاذلي" هموم الشبيبة الليبية عبر ملاحظة حياتها اليومية، وتحليل آمالها وطموحاتها، في جو خارج لتوه من حال الحصار ويعاني ازمة اقتصادية. واعتمد على بحث ميداني، اجري في طرابلس عام 2000، اي بعد عام من انتهاء الحصار الذي دام سبع سنوات. وتألفت العينة من 30 شاباً تراوحت اعمارهم بين 22 سنة و33، من مستوى تعليمي مرتفع نسبياً، عزاب ويقطنون مع اهلهم في العاصمة، وتنتمي غالبيتهم الى الطبقة الوسطى. وسننطلق من جامعة طرابلس حيث تابع ويتابع الكثر دراستهم، وحيث يجدون فيها مكاناً اساسياً للعلاقات الاجتماعية، في مدينة تندر فيها اماكن التسلية والخروج، ثم سنتحدث عن اندماجهم في المجتمع وضيقهم الذي يقلق محيطهم والسلطات على حد سواء، وفي النهاية سنتطرق الى نظرتهم الى العالم الخارجي التي تعكس ادراكهم للنظام الذي يعيشون فيه.
تأسست الجامعة في ليبيا عام 1955، وبفضل الامكانات التي وظفت، محيت امية الجيل الشاب في فترة وجيزة. في عام 1956، كانت كلية آداب بنغازي تضم 32 طالباً. ثم انشئت كلية العلوم في طرابلس. وفي عام 1979 جمعت الجامعتان معاً نحو 12 ألف طالب. وارتفع عدد الطلاب في ليبيا الى 162523 ولم يؤخذ في الحسبان هنا طلاب المعاهد العليا.
في جامعة الفاتح في طرابلس فرعان، تقع الكليات العلمية والحقوق في المكان نفسه، بينما تقع كليات اللغات والعلوم الانسانية والاجتماعية في مكان آخر، كان ثكنة عسكرية، ويبعد قليلاً عن المركز ويدعى فرع ناصر. يلاحظ في داخل الجامعة، سوء التنظيم ونقص العناية والصيانة، فهناك نوافذ مكسرة وأبواب مخلعة. ونجد بعض المقاهي. وأول ما يلفت النظر، وجود عدد كبير من الفتيات وخصوصاً غير المحجبات، يفوق عددهن ما في الشارع، مما يدعو الطلاب الى القول إن عددهن هو ضعف عدد الرجال في طرابلس. تضع الكثيرات منهن المساحيق، وترتدي بعضهن الملابس الضيقة.
تعتبر الجامعة المكان الرئيس للقاء بين الشباب والفتيات، ويمتلئ موقف السيارات بالحركة، وتنبعث من السيارات موسيقى الراي والأنغلوساكسونية. ويأتي شباب من خارج الجامعة "لمغازلة" الفتيات، مما حدا بالمسؤولين الى مراقبة باب الدخول، ولكن ذلك لم يدم طويلاً وعاد الوضع الى سابقه.
الدوافع والتعليم
في كلية اللغات، يمكن تعلم الفرنسية، الايطالية، الانكليزية، الالمانية، الروسية وحتى العبرية. وبالأحرى كان ذلك ممكناً، كما يشرح احد الطلاب "على ما يبدو فإن كلية اللغات لم تعد موجودة. اعتقد بأننا نستطيع تعلم الفرنسية والانكليزية. ولكن التسجيل في غير هذه اللغات لم يعد ممكناً. وستضم تلك الكلية الى كلية الآداب. لماذا؟ لا احد يدري".
تغيرات مفاجئة كتلك، تحصل مراراً. طالب اراد التسجل في العلوم السياسية، يقول: "في السنة التي اردت التسجيل فيها اغلقوا القسم ولا اعرف السبب. فسجلت في قسم اللغة الفرنسية". بعض طلاب اللغات لديهم علاقات خاصة، او ميل نحو البلد الذي يدرسون لغته، وبعضهم الآخر لم يقم بالاختيار. ومن الجلي ان الحافز غير متوافر لدى الغالبية من الطلاب. كما ان ظروف الدراسة ليست جيدة، والمكتبة سيئة التجهيز.
وبسبب نظام التوجيه، الذي لا يأخذ في الحسبان رغبات الطلاب، وانما علاماتهم، فإنهم غالباً ما يجدون انفسهم يدرسون ما لم يقوموا باختياره. وهو امر يبدو اكثر وضوحاً عند بعض الفتيات اللواتي يعطين الانطباع بأنهن في الجامعة لمجرد الخروج من البيت والعثور على زوج المستقبل.
يعتبر هبوط مستوى التعليم امراً لا جدال فيه من قبل الكثر. وفي استقصاء حديث طالب عدد من الطلاب بتحسين المستوى. وفي دراسة لمصطفى عطير، فإن هبوط مستوى التعليم اصبح هماً عاماً، كذلك الغش في الامتحانات. ووضع عالم اجتماع آخر عام 1979 اقتراحات لتحسين التعليم وأيضاً العلاقة بين الاساتذة والطلاب. "في السابق كان لدينا اساتذة جيدون، ولكن اكثر الدكاترة، من السودانيين والعراقيين بخاصة، رحلوا. المدرسون غير مهتمين، وغالباً ليس لديهم الشهادة اللازمة". البعض الآخر يعتقد بأن المستوى سيئ لأن طريقة التدريس "شرقية"، اي الحفظ غيباً، للقواعد...". وفي الصف، يقول احدهم: "اذا اعطيت اجابة خاطئة فإن الاستاذ يصرخ ويسخر منك امام الآخرين. ولذلك من الافضل عدم التفوه بشيء. اما في دروس اللغات فلا يطبق الشفوي الا في ما ندر". وبحسب احد سائقي الاجرة، فلكي يتطور البلد، يجب ان تتغير العقليات، "الامر الاساسي لهذا البلد هو التعليم. هم لا يستطيعون تدمير العراق. انها نقطة قوته. انه شعب متعلم ومثقف".
بين هؤلاء الذين يتابعون دراستهم بهدف الحصول على عمل، يقبل الكثر على دراسة اللغات وهم يأملون السفر او العمل في احدى المؤسسات الاجنبية في ليبيا، لا سيما ان عليها ان توظف عدداً محدداً من الليبيين، كما انها لا تستطيع طردهم مما يؤثر سلباً على ادائهم. واعترف احدهم بأنه لم يحصل على اي تعليم. لأن اولاد العائلات والده شخصية مهمة لا يدرسون، فآباؤهم معروفون، وهم ليسوا في حاجة الى الشهادة للحصول على عمل جيد. والكثر من الذين يعملون في مهنة مهمة لا يملكون شهادات، فيما تنتشر البطالة بين حملة الشهادات. احدهم قرر بعد سنة ونصف من البطالة ان يعمل في مقهى "لا يوجد عمل، معاش الموظف قليل والكثر يعملون في وظيفتين. أرغب حقاً بالهجرة".
منذ 1981 تجمدت رواتب الليبيين. ومع التضخم، لا تحقق رواتب الموظفين يقدر عددهم ب700 ألف المستوى المعيشي السابق نفسه. ويجذب القطاع السياحي اعداداً من الشباب، ولكننا نستطيع القول إن البطالة والملل هما المشكلتان الرئيستان في حياة الشباب الليبي.
عدم الارتياح... الفراغ
في طرابلس حيث يعيش 8،1 مليون نسمة التسلية وفرص الترويح عن النفس نادرة، وكلمة "فراغ" تتردد كثيراً في احاديث الشباب، "والمشكلة هي في نقص اماكن التسلية، والمكان الذي يؤدي الغرضين في الوقت نفسه، اي الدراسة والترفيه هو الجامعة".
يعتبر التجول في السيارة على الكورنيش في الأمسيات، من اكثر وسائل الترفيه المتاحة، فسعر البنزين مخفض، والدولة تدعم اسعار السيارات اليابانية والكورية. ويحصل الموظفون وأعضاء الجيش عليها بأسعار تقل بكثير عن اسعارها الحقيقية. وهناك "نواد صيفية" يمكن ممارسة الرياضة فيها وتعود ملكيتها، كالفنادق الكبرى، الى الدولة لا توجد نواد خاصة والاشتراك فيها سنوي وللعائلات. كما هناك بعض صالات للألعاب. اما العروض والحفلات فهي نادرة جداً. ويستمع الشباب كثيراً الى الموسيقى.
وفي التاكسي تصدح اغاني الراي. وينتشر بائعو الاشرطة في الشوارع.
في استقصاء لآراد الشباب تبين ان 80 في المئة منهم يشاهدون التلفزيون ويستمعون الى الموسيقى يومياً، والى باقة من القنوات العربية عبر الكابل او الاطباق اللاقطة. وبالنسبة الى السلطات تأتي فائدة الكابل من سهولة قطع برامجه والغائها، كما حصل مع قناتي الجزيرة وسي ان ان بعد بثهما برنامجاً عن الوضع السياسي والمعارضة في ليبيا.
يعرض التلفزيون الليبي على قنواته، ولساعات برامج حول سير انتخابات اللجان الشعبية، وحفلات مملة في ما يبدو انه لا يتوجه الا لنفسه، وكأنه يوجهها عقائدياً بعرض امجاد الثورة وانجازاتها. لذلك يفضل الشباب القنوات الاجنبية ويتابعون عليها البرامج الرياضية والاغاني المصورة والافلام. اما صالات السينما فعددها قليل وأفلامها غير جذابة ولا تتردد عليها الفتيات "لنوعية مرتاديها". ولا يطالع الشباب كثيراً خارج كتبهم المدرسية.
كرة القدم لها شعبية كبيرة. ويترأس احد ابناء القذافي الاتحاد الليبي لكرة القدم كما يلعب في احد الاندية الرئيسة في العاصمة. ولكن والده الرئىس ينظر باحتقار الى متابعي المباريات. وفي الكتاب الاخضر يكتب: "من الحماقة رؤية الجمهور وهو يندفع نحو الملاعب لمشاهدة رياضة فردية او جماعية لا يشارك فيها". ويقول: "الملايين تتابع حركة لا معنى لها ل22 شخصاً يركضون خلف كيس صغير بحجم البطيخ ممتلئ بالهواء العادي". وقد عتب القذافي في خطاب له بعد برنامج "سي ان ان" على الشباب لاندفاعهم وتجمعهم في الملاعب وإعرابهم عن حماستهم وفرحتهم في الشوارع لهذه الرياضة، والتقاعس عندما يهاجم القائد والجماهيرية. ولكن التعبئة خلف الرياضة تسير على حساب التعبئة السياسية ويعتبر هذا عنصراً ايجابياً من وجهة نظر النظام اذ يحول الشباب عن المعارضة السياسية. ويمكن الملعب ان يكون مكاناً للتنفيس الذي يتجلى بالعنف. ففي عام 1996 وخلال مباراة في طرابلس أدت احداث الى مقتل 8 اشخاص وجرح 40 بحسب المصادر الرسمية.
الكبت والتطرف
بالنسبة الى البعض بقي المجتمع الليبي شديد المحافظة، ولكن يتفق معظم الشباب على القول ان هناك شيئاً من التحرر الآن. ويعيد البعض ذلك الى التلفزيون عبر قنواته الأجنبية، فيما يرجع آخرون الامر الى الرغبة في الخروج من العزلة ومشابهة الآخرين. والعديد من الكبار يستنكر تحرراً لا يعدو كونه فساداً في نظرهم ... ويصف القذافي المدينة، بالمكان حيث يسود "الفسق والأشياء الفائضة عن الحاجة". وهناك الآن ازمة زواج حقيقية، ترتبط بأزمة السكن والظروف المادية وتعليم المرأة. وكما يذكر عالم الاجتماع مصطفى عطير، فإن تأسيس اسرة في المجتمع الليبي ليس مسألة شخصية تخص الزوجين، بل الأهل ايضاً الذين يشاركون في كل الخطوات، بدءاً من اختيار الشريك وحتى تأثيث بيت الزوجية. وقد ادى ارتفاع مستوى المعيشة بسبب عائدات النفط الى تغيير في العادات وظهور حاجات جديدة، إذ يرغب معظم الشباب اليوم في الاستقرار في بيوت خاصة بهم بعيداً من الأهل. ولكن الأزمة الاقتصادية أدت الى خفض مستوى المعيشة، وإلى حصول ازمة سكنية كبيرة، كما ان شعار "البيت لساكنه" لا يشجع المبادرات الفردية على البناء، وعلى رغم ان الدولة تقوم بذلك فإنه يبقى غير كافٍ. وأخذت إعلانات من نوع "رجل طوله ... بشرته بيضاء، مهنته ... لا يستطيع تأمين مسكن، او يمكنه قبول ارملة او مطلقة شرط ان تؤمن السكن"، تظهر في الجرائد المحلية. وتأتي بعد ذلك النفقات الأخرى: الزواج والسكن وتأثيث المنزل والهدايا. ولذا اصبح للمال دور شديد الأهمية. وعندما نطرح السؤال "على ماذا تود الحصول لو كانت لديك كمية وافرة من المال؟"، يأتي السكن في المقام الأول ويليه اقتناء السيارة. ويؤدي التعليم الى تأخير سن الزواج، الذي وصل معدله وللمرة الأولى الى 5،31 سنة للرجال و2،28 للنساء. ويرتفع معدل العزوبة لدى النساء المتعلمات كثيراً، وأصبحت "المرأة العازبة" تشكل فئة جديدة في المتجمع وغالباً ما تسبب لها مسألة الزواج قلقاً حقيقياً.
شبيبة ضائعة؟
عندما ينصح القذافي الليبيين بترك المدينة، فكي يهربوا من "الكسل، الخمول، الاحباط والملل". ويشكل الفراغ وانعدام الأنشطة لفئة لا يمكن تجاهلها من شباب طرابلس، احدى العلامات المميزة لحياتهم. وبحسب مصطفى عطير فإن اموراً غريبة على المجتمع الليبي بدأت بالظهور. إذ اخذ الشباب الليبي يجرب انواعاً من المخدرات ويستخدم العنف كنوع من التقليد، وباعتبارها ظواهر حديثة تطورت بسرعة. وتعتبر المخدرات، التي لم تكن معروفة تقريباً حتى الثمانينات، من الظواهر المقلقة حالياً. ومنذ عام 1995 انشئت في المستشفيات العامة، اقسام خاصة لمعالجة المدمنين. ويستهلك الشباب من مختلف الفئات الاجتماعية الحشيش والأقراص، فيما يترك الكوكايين، بسبب سعره المرتفع، الى "الشبيبة الذهبية". ويمنع بيع الكحول، ولا يمكن للأجانب تناوله حتى في الفنادق، ولكن يمكن الحصول عليه من السوق السوداء. وهناك كحول مصنّع محلياً.
كثيرون، لا سيما الجامعيون، متشائمون بخصوص هذه الشبيبة "انها ضائعة" او "سطحية لا تهتم بشيء"، وكأن هذا الجيل الجديد لا مستقبل له ولا مشروع، ما يعتبر في نظر هؤلاء من الامور السلبية التي تؤثر على التطور المستقبلي للبلد.
العالم الخارجي
يقدر عدد اليد العاملة العربية والافريقية في ليبيا بنحو مليونين. ونرى على قارعة الطرقات في طرابلس، الأفارقة جالسين في مجموعات انتظاراً لفرص عمل مياوم، فيما يقوم صغار السن منهم بمسح زجاج السيارات او الاحذية. وفي فنادق طرابلس ومطاعمها، يتحدث النادل باللغة الفرنسية، فغالبهم من المغرب، وتعمل المغربيات ايضاً نادلات في معظم المقاهي، ويشد البغاء، لمدخوله الأهم، الكثير منهن.
يؤدي الأجانب مهناً لا يقوم بها الليبيون عادة، وهم محط هجومهم الدائم. وينظر الى العرب "كخونة" لأنهم لم يتضامنوا مع ليبيا خلال الحصار. ولكن الشباب موضوع البحث لم يكونوا على الدرجة الرسمية نفسها في عدائيتهم. ويُنظر الى الافارقة نظرة دونية ويُتهمون بكل سوء ممكن: السرقة، تجارة المخدرات، تزييف العملة...
ويعتبر التلفزيون وسيلة اتصال مع العالم الخارجي. وبصورة عامة ان الشباب الذين يتقنون اللغات يفضلون القنوات الاجنبية فيما تفضل الفتيات القنوات العربية. ومن خلال التلفزيون والموسيقى تظهر شبيبة عربية اقرب الى النموذج الغربي، شبيبة تلهو، وفي الشريط المصوّر الآتي من المشرق تعطي الفنانات بشعورهن المتطايرة وزينتهن الانطباع بحريتهن.
وتمكن ملاحظة بعض الضعف في موقف السلطة حالياً. فالسماح بالقطاع الخاص ولو على نطاق محدود جداً يقلل من دور الدولة. وكرمز للانفتاح الاقتصادي بدأت مراكز تجارية كبرى بالظهور في العاصمة، كذلك "مراكز الانترنت" التي يديرها الشباب.
البلدان النموذجية
لا تسافر الفتيات كالشبان. وهن يذهبن غالباً بصحبة العائلة. والوجهة الرئيسة الأقرب التي كان من الممكن التوجه اليها ايام الحصار، هي مالطا وتونس. وتنجذب الفتيات نحو البلاد العربية خصوصاً، لأنهن لا يتقن لغة اجنبية، ومن الوجهات المفضلة لديهن: لبنان ودبي. ومن الدول الغربية يفضلن دول الجنوب: ايطاليا، اسبانيا، وفرنسا.
اما الرجال فهم اكثر انجذاباً نحو الغرب والعالم الانغلو- ساكسوني. والتحدث بالانكليزية موضة رائجة جداً. وتطارد الفتاة ذات الملامح الاجنبية بالتعابير الانكليزية للفت انتباهها.
وفي معظم الأحيان تكون رغبة السفر لدى الشباب للإقامة وليست للسياحة. وترتبط وجهتهم بوجود معارف لهم او اقارب في البلد المرغوب. والوجهة الأولى المرغوبة هي كندا بسبب فتحها لأبواب الهجرة وتحلّيها بكل ما يحلم به الشباب: "الحرية، الطبيعة، الفتيات، الدراسة". وينظر الى لبنان كبلد "استثناء في العالم العربي" لأنه بلد الديموقراطية وحرية التعبير، فيما تجسد دبي "النجاح والثروة" لتنويعها في الاقتصاد. اما تونس فهي البلد الجار حيث يمكن الذهاب للاحتفالات وللتمتع بالشواطئ والملاهي، وهي ايضاً بلد "النظام والقانون" ولكنهم يأخذون عليها "انكارها للدين" بسبب منع الفتيات من ارتداء الحجاب. ومفهومهم "للنظام" يطبق ايضاً على الدول الأوروبية، فألمانيا هي بلد الاحترام والأمان بينما ايطاليا هي بلد "الفوضى".
المغادرة ولكن ليس بأي ثمن
في ملف عن الشباب نشر في جريدة "الجماهيرية"، خصصت مقالة لمسألة الهجرة "شبابنا والحلم الوهمي بالهجرة" تشير فيها الكاتبة بلهجة قاسية الى هؤلاء الذين يفضلون العيش في الغرب ويرغبون بترك بلدهم، وهي وإن أبدت تفهماً نحو الذين يسافرون للدراسة او لرؤية العالم فإنها تتعرض بالنقد للذين يريدون العيش على ارض اجنبية، مهما كانت صعوبات العيش في بلدهم. وتقول ان البعض يريد المغادرة الى الغرب لأن اسلوب الحياة فيه مختلف، وأسهل، وبمعنى آخر: يمكن فعل كل شيء، فلا توجد حدود رادعة. وهي تبين ان الهجرة لا تعود بالمنفعة حتى على المهاجر الذي يربح كثيراً، لأن الانحلال والفردية تسمان المجتمعات الغربية. وهو ما تركز عليه الايديولوجية الرسمية في المقام الأول.
يتوجه الشباب الى الولايات المتحدة او بريطانيا للدراسة، ولكن ثمة رغبة لدى السلطات بتنويع وجهات السفر الى بلاد اخرى مثل فرنسا.
يرغب العديد من الشباب بالرحيل، ولكن الى اين؟ انهم لا يدرون حقاً ولا يحاولون حتى السؤال عن كيفية الحصول على تأشيرة. وبالنسبة الى الذين ينتمون الى وسط "مميز" فإن الحصول على التأشيرة امر سهل "الليبيون لديهم المال" والكثير منهم لم يلجأ في ما سبق الى تقديم هذه النوعية من الطلبات، اذ لا يحتاجون التأشيرة عند ذهابهم الى مالطا او تونس. لكنهم واعون لضرورة الحصول على "مال كثير للرحيل" وعلى توافر شروط اخرى "معرفة احد في البلد".
وثمة مشكلة اخرى تواجههم وهي اللغات الاجنبية التي لا يتقنها عدد كبير من الليبيين. فلسنوات، منع تدريس الانكليزية واستخدام الاحرف اللاتينية. ويقلل الرغبة بالسفر ايضاً عدم وجود نواة للمهاجرين الليبيين في الغرب. ولكن العامل الأهم هو ان لهؤلاء الشباب "ما يخافون من فقدانه" فيما لو انطلقوا هكذا نحو المغامرة والمجهول. ويلاحظ هنا تفاوت بين القول والفعل.
وبموازاة تلك الرغبة في الرحيل، فإن شباب طرابلس على وعي بصورة بلدهم السيئة في الخارج ويشعرون بالظلم تجاه ربط شعبهم بتصرفات رئيسه، ويدفعهم ذلك لتأكيد شعورهم بالفخر لكونهم ليبيين.
البحث عن النظام
عندما يجري الحديث عن جامعتهم، يشكو بعض الطلاب من "المشكلات الادارية الضخمة وعدم النظام". ويملك الكثر الشعور بانعدام التخطيط، وغياب العقلانية في اتخاذ القرارات وسيادة التعقيد والصعوبة.
وتشرح احدى الباحثات الغربيات علاقة مفهومي "النظام" و"الفوضى" بالمستعمر. فتونس بعد استقلالها عززت ادارة كان الفرنسيون قد احكموا وضعها، اما في ليبيا فإن الايطاليين لم يكتفوا بإزالة ما يمكن تسميته بإدارة كانت موجودة قبلهم، بل أحكموا البيروقراطية، ولم يكن في ليبيا عند استقلالها، اي قاعدة صلبة لتنطلق منها كدولة.
الواسطة
من العقبات التي تواجه معظم الشباب "الواسطة". فالمعارف والعلاقات امران لا يمكن الاستغناء عنهما لقضاء بعض الأمور وحتى لنيل "الحقوق". وبسبب نظام التوجيه الجامعي، يجب الحصول على "الواسطة" للتمكن من التسجل في الفرع المختار. وبسبب قانون "البيت لمن يسكنه" يمنع التأجير وكذلك تملك منزلين، لكن الكثر من الناس "خارجون على القانون" عندما يتعلق الأمر بهذا الشأن. ويشكو البعض من ان مقربين من السلطة "يحتكرون" التجارة المهمة. التغيير المستمر في القوانين، القلق المستمر يقف عائقاً امام المبادرات الفردية والخلاّقة. وهي خصائص من المعروف انها تشكل قوة الشباب. ويمكن القول ان الغنى، الزواج، والسفر هي مبتغى الشباب في ليبيا. ولكن النظام الثوري لا يبدو اليوم في مرحلة تعبئة لهؤلاء الشباب الذين لا يطمحون إلا الى ان يكونوا مثل بقية الشباب في العالم يستمتعون وينتمون الى بلد ذي بنيان وتنظيم.
ترجمة وإعداد: ندى الأزهري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.