يرى اقتصاديون سعوديون أن التحسن الكبير في الإيرادات في ظل استمرار ارتفاع أسعار النفط، ربما انعكس على زيادة التوسع في الإنفاق على موازنة سنة 2005، وينبغي أن يضع المخطط الاقتصادي على"محك"التحديات التي تحيط بالاقتصاد الوطني. ويحدد الاقتصاديون، الذين تحدثوا الى"الحياة"أبرز التحديات المقبلة، وهي: الاستمرار في الاعتماد على الإيرادات النفطية، واستمرار عبء الإنفاق الحكومي، والنمو البطيء لبعض القطاعات، وتصاعد وتيرة النمو السكاني وما يسببه ذلك من ضغط على البنية التحتية والعلوية وسوق العمل. ويقول الاقتصادي السعودي المتخصص في تحليل المعلومات الدكتور إحسان بو حليقه"على الحكومة أن تجد حلاً، لتثبيت إيرادات النفط، وهذا الأمر لن يتأتى إلا بتأسيس صندوق استقرار إيرادات الخزانة، لمكافحة العجز في الموازنة وتثبيت إيرادات النفط، كما فعلت النروج، التي لا تعتمد على الإيرادات النفطية، الأمر الذي حقق لها اقتصاداً قوياً، لا يتأثر سلباً بارتفاع أسعار النفط ، كما أنه يستطيع مواجهة أي طارىء اقتصادي". وعن الإيرادات غير النفطية يقول:"إن متوسط الإيرادات غير النفطية يُقدر بنحو 45 بليون ريال، وهذا يدل على أنها اقل بكثير من الإيرادات النفطية، لكنها ثابتة منذ فترة طويلة". وقدرت الحكومة السعودية عام 2004 إيراداتها الفعلية بنحو 393 بليون ريال 104.8 بليون دولار مقارنة مع إيرادات تقديرية تبلغ 200 بليون ريال 53.3 بليون دولار في حين ارتفعت المصاريف الفعلية إلى 295 بليون ريال 78.7 بليون دولار مقارنة مع مصاريف تقديرية تبلغ 230 بليون ريال 61.3 بليون دولار، أي بزيادة قدرها 65 بليون ريال 17.32 بليون دولار. من جهتها، تقول رئيسة مجموعة المشاريع الداخلية في شركة"ارامكو السعودية"الدكتورة نادية الهزاع"من اجل تحقيق الأمان الاقتصادي وتطبيق الموازنة في موازنة الدولة، يجب أن تسبق التنمية الاقتصادية النمو السكاني لأن ذلك ينعكس على المصاريف". وفيما يتعلق بسلبيات"الإفراط"في تقدير الإيرادات، تقول الهزاع"لابد من أن تكون هناك زيادة 10 في المئة في المصاريف المتوقعة لضمان تلافي سلبيات الإفراط". وثمة اتفاق بأن العائدات النفطية ساهمت إلى حد كبير في النتائج التي سجلها الاقتصاد السعودي كما أن الاستمرار في تحسن الأسعار سيضيف أبعاداً جديدة الى موازنة الدولة، خصوصاً مع زيادة وتيرة الصادرات النفطية باستثناء زيت الوقود السفن ونمو القطاع النفطي بنسبة 28.2 في المئة بالأسعار الجارية، وبما كان له أكبر الأثر في انخفاض العجز بين الحساب الجاري وحساب الخدمات والتحويلات. ولا تجد أستاذة الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتورة نادية باعشن مفرا من التخلص من سطوة النفط وتأثيره على الإيرادات، وتقول:"لا يمكن التخلص من سيطرة النفط على الموازنة إلا بتحقيق أمرين مهمين، الأول تفعيل القاعدة الصناعية وبالذات التصنيع الغذائي، وثانياً تفعيل قطاع الخدمات الذي لا يزال متخلفاً، ويعتمد على العنصر غير السعودي". وعن الإيرادات غير النفطية تقول باعشن"الإيرادات غير النفطية مهمة جداً، ومن اجل تحقيق ذلك، يجب دعم المشاريع التي تحقق هذا الهدف، كما يجب دعم التخصصات". وتضيف:"الغريب أن ذلك لم يحدث هذا العام والعام الماضي والسبب أن توزيع الموازنة غير مبرر وغير واضح، ومعدوم الشفافية، وعلى سبيل المثال موازنة رعاية الشباب أكثر من موازنة الجامعات وهذا من الأمثلة، التي تقف ضد تقوية الإيرادات غير النفطية". من جهته، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور أسامه فيلالي"إن وجود فائض في الموازنة الجديدة سيعطي الحكومة فرصة الصرف على تجديد، وتوسيع، وصيانة البنية التحتية"، مبيناً أن زيادة معدلات النمو السكاني للمملكة"تتطلب تنفيذ عدد من المشاريع الخدمية كالمدارس، والمستشفيات، وغيرها". ويسجل للموازنة السعودية الجديدة مؤشرات مهمة، أبرزها: ضخ الإنفاق الحكومي في القطاعات التي تمس برنامج الرفاه الموجه للمواطنين في قطاعات التعليم والتدريب، والصحة، والخدمات البلدية، حيث بلغت مخصصات المشاريع الجديدة فقط 75.5 بليون ريال 20.13 بليون دولار، ودعمه في ذلك أيضا زيادة مخصصات صناديق التنمية وبرامج التمويل الحكومي، حيث زاد رأس مال"بنك التنمية العقاري"ب9 بلايين ريال 2.4 بليون دولار و"بنك التسليف"ببليوني ريال 533 مليون دولار. وجميع هذه المشاريع سيتم تمويلها من الفائض المتوقع لإيرادات عام 2004 وبقيمة 41 بليون ريال 11 بليون دولار. ويرى فيلالي أنه"لا بد من مشاركة القطاع الخاص في عملية التنمية، إذ انه لا يزال هناك قصور في مشاركة القطاع الخاص في المشاريع التنموية". مضيفاً أن الإنفاق الحكومي على تطوير البنية التحتية سيحقق انتعاشا في أنشطة قطاع البناء والمقاولات، كما سيكون له تأثير إيجابي في الاقتصاد الوطني". وفي السياق ذاته يطالب المستشار المالي عبدالكريم عداس المؤسسات الحكومية بتفعيل التعاون مع القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع البنية التحتية، التي يرى أن عمرها الافتراضي انتهى. لذا"يجب التخطيط لإنشاء بنى تحتية جديدة"، خصوصاً بعد زيادة الإيرادات العامة. ويتوقع عداس"أن يكون هناك تأثير إيجابي في أنشطة قطاع البناء والمقاولات، إذ ان زيادة النمو السكاني تتطلب تنفيذ مشاريع عدة خصوصاً في قطاع الإسكان". ويطرح بعض الخبراء أيضا مطالب جدية بالمضي قدماً في فتح الأبواب للاستثمار الأجنبي، فالتحدي الذي يواجه الاقتصاد السعودي يكمن في اجتذاب الاستثمار الأجنبي وزيادة وتيرة الصادرات، في ظل منافسة كبرى مع قرب الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية. ويقول كبير الاقتصاديين في"البنك الأهلي السعودي"الدكتور سعيد شيخ"إن تطوير البيئة القانونية، وانضمام السعودية الى منظمة التجارية الدولية وفتح مجالات أكبر للاستثمار، وتحسن الأوضاع الأمنية عوامل تساعد على جذب المستثمر الأجنبي، خصوصاً أن الموازنة الجديدة يمكن أن تطور من مستوى الإدارة الاقتصادية، ورفع معدلات النمو، وزيادة كفاءة البنية التحتية للمملكة، وهذه أهم العوامل التي ينظر إليها المستثمر الأجنبي قبل البدء في تنفيذ استثماره". ويوضح شيخ"أن تنفيذ عملية هيكلة شاملة للمؤسسات الحكومية في مختلف نشاطاتها، وإصدار أنظمة وتشريعات جديدة يمكن أن يقلل من البيروقراطية". وهو يطالب بشدة"بإعطاء القطاع الخاصة الفرصة ليكون عاملا فعالا في مشاريع البنية التحتية خصوصا في قطاعات الكهرباء، والمياه والتحلية، ويتحول دور الحكومة في هذه المشاريع إلى المراقبة، والتنظيم، والتشجيع"، مبينا أن ذلك سيساهم في"تنفيذ هذه المشاريع بكفاءة عالية وأقل بيروقراطية". وثمة اتفاق بأن العائدات النفطية ساهمت إلى حد كبير في النتائج التي سجلتها للاقتصاد السعودي، كما أن الاستمرار في تحسن الأسعار سيضيف أبعاداً جديدة الى الموازنة سنة 2005، خصوصاً مع زيادة وتيرة الصادرات النفطية ونمو القطاع النفطي بنسبة 28.2 في المئة بالأسعار الجارية، وبما كان له أكبر الأثر في انخفاض العجز بين الحساب الجاري وحساب الخدمات والتحويلات. ويرى تقرير وزارة المال أن معدلات الأداء الجيدة للاقتصاد المحلي تنسجم مع الجهود التي تبذلها الحكومة لتحقيق أهداف استراتيجيتها الشاملة للتنمية التي تتضمن تغييرات هيكلية لمختلف النواحي الاقتصادية والتنظيمية والإدارية، حيث أنشئت أجهزة متخصصة وأقر عدد من الأنظمة بهدف تهيئة المناخ الملائم لتنويع قاعدة الاقتصاد الوطني وتفعيل دور القطاع الخاص في التنمية وإيجاد الفرص الوظيفية والاستخدام الامثل للموارد وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية. ففي مجال تنويع القاعدة الاقتصادية وتخفيف الاعتماد على النفط كمحرك رئيس للتنمية تحققت إنجازات ملحوظة في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات المالية وغيرها، أما فيما يتعلق بتفعيل دور القطاع الخاص فقد استمرت الحكومة السعودية بإشراك القطاع الخاص في عدد من أعمال الإنشاء والتشغيل والصيانة التي يقوم بها القطاع الحكومي. كما قدمت الحكومة قروضاً ميسرة للقطاع الخاص في مجالات الزراعة والصناعة والعقار وغيرها من خلال صناديق التنمية المختلفة، إضافة إلى تسهيل الإجراءات المالية والإدارية والتنظيمية لتشجيعه على إنشاء مشاريع مشتركة مع الشركات الأجنبية، هذا بالإضافة لنظام الاستثمار الأجنبي الذي أوجد حوافز متعددة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مختلف القطاعات. وهنا يشدد المحلل الاقتصادي حسين شبكشي على"فتح المجال أمام المستثمر الأجنبي للاستثمار في القطاعات المحظورة مثل الإعلام، والتأمين، والرياضة، إضافة إلى إزالة العوائق التي تواجه الاستثمارات المشتركة ، في القطاعات الجامدة كالمصارف". ويقول شبكشي"إن تطبيق نظام الحكومة الإلكترونية، ووضع قوانين نافذة تعاقب من يعطل إجراءات الاستثمار، يساعدان على محاربة البيروقراطية"، مطالبا بزيادة الثقة بالقطاع الخاص، وإعطائه فرصة أكبر لتنفيذ المشاريع. مخصصات القطاعات في موازنة 2005 مقارنة مع موازنة 2004 القطاع بليون ريال 2005 2004 التعليم 70.1 63.6 الصحة 27.1 24.3 الخدمات البلدية 10.6 8.5 النقل والاتصالات 8.8 7.2 المياه والزراعة 19.2 15.1 قروض صناديق التنمية والتمويل 10 10