أعلنت السعودية موازنة «متوازنة» تراعي جميع الأبواب المحددة فيها، وحملت تأكيدات على مواصلة النمو الحقيقي على رغم التقلبات الاقتصادية وهبوط أسعار النفط، وجاءت تبني سياسة اقتصادية ترتكز على رفع كفاءة الإنفاق الحكومي والاستفادة من الموارد وزيادة عوائد الاستثمار، كما أنها ملتزمة ببرامج لتنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على النفط، إلا أنها لم تغفل التأكيد على مواصلة عمليات الاستكشاف في قطاعي النفط والغاز والموارد الطبيعية. وأكد اقتصاديون أن الموازنة الجديدة حافظت على نسق من المصروفات الرأسمالية تراعي النمو الاقتصادي، إلى جانب المحافظة على حرص في الإنفاق يراعي تزايد الدين العام، الذي لا يزال في حدود المقبول، مشيرين إلى أن العجز في موازنة 2015، والعجز المتوقع في 2016 لا يزال ضمن سيطرة آليات وزارة المالية، إذ من المتوقع أن تقوم بإصدار سندات حكومية، محلياً ودولياً، إضافة إلى اللجوء إلى الفوائض بعد موافقة الملك. وأوضح أستاذ الاقتصاد الدكتور محمد جعفر، أن الموازنة في 2016 حافظت على نمط من الإنفاق الذي يحفظ الاقتصاد من الانكماش، كما أنه يستجيب إلى تغيرات السوق النفطية التي تبنى عليها الموازنة في المملكة، مبيناً أنها لم تخالف كثيراً التوقعات التي رسمت بناء الموازنة، إلا أنها كانت أكثر واقعية في رسمها للإنفاق العام. وأكد أن الموازنة بالعجز المتوقع، تشير إلى رغبة وزارة المالية في المحافظة على الإنفاق في أرقامه الفعلية، والحد من التجاوز في الإنفاق قدر المستطاع، مبيناً أن الإنفاق الحكومي في السنوات الماضية تجاوز الأرقام المستهدفة بفارق كبير، ففي 2014 على سبيل المثال بلغ الإنفاق الفعلي 1.1 تريليون ريال مقارنة مع 855 بليون ريال في الخطة الرئيسة للموازنة، بزيادة في الإنفاق بلغت 255 بليون ريال، إضافة إلى أنه منذ 2004 إلى 2015 كانت المصروفات الفعلية فيها جميعاً تفوق المتوقعة، ما جعل الزيادة أمراً واقعاً، وهذا ما ستحاول الموازنة تجاوزه في 2016 من خلال ضبط الإنفاق. وأشار إلى أن الفوائض المالية المتراكمة منذ 2000 بلغت نحو 2955 بليون ريال، بينما العجز في الفترة نفسها بلغ نحو 561 بليون ريال، ما يعني أن لدى المملكة قدرة عالية على تجاوز أي نواقص في الموارد المالية، إذا تجاوزنا حرص الدولة على عدم اللجوء إلى هذه الفوائض إلا بأمر من الملك، في تأكيد على أهمية عدم المساس به، مضيفاً بأن وزارة المالية تمتلك من القدرة على التعامل مع مثل هذه الظروف. وذكر أن أحد التغييرات المتوقعة تتمثل في الالتزام بخطط الموازنة، وهو التحدي الأبرز أمام وزارة المالية وقدرتها في إعداد الموازنة وطريقة إنفاقها، وستكون التحديات أكبر في حال استمرار أسعار النفط عند مستوياتها المتدنية لسنوات متواصلة، حينها ستحتاج الحكومة لتبني إصلاحات أعمق للحفاظ على عجز الموازنة تحت السيطرة، إذ مهد للخطة الاقتصادية المزمع تنفيذها لتراعي مثل هذه الإصلاحات. من جانبه، أشار الاقتصادي نظير العبدالله إلى أن موازنة 2015، بلغت الإيرادات الفعلية فيها 608 بلايين ريال، بانخفاض 15 في المئة عن المقدر لها في الموازنة، وتمثل الإيرادات البترولية 73 في المئة منها، والتي من المتوقع أن تبلغ 444.5 بليون ريال بانخفاض نسبته 23 في المئة عن المقدر في العام المالي 2014، لذلك سعت الدولة لزيادة الإيرادات غير البترولية فحققت زيادة ملاحظة هذا العام، إذ بلغت 163.5 بليون ريال، مقارنة بما سجلته في العام المالي 2014، والبالغ 126.8 بليون ريال، بزيادة 36.7 بليون ريال، وبنسبة نمو تعادل 29 في المئة. وفي جانب المصروفات الفعلية للعام المالي الحالي بلغت 975 بليون ريال مقارنة بتقديرات الموازنة البالغة 860 بليون ريال، وذلك بزيادة قدرها 115 بليون ريال، وبنسبة 13 في المئة، بعجز قدره 367 بليون ريال، وجاءت الزيادة في المصروفات بشكل رئيس نتيجة صرف على بنود غير مدرجة في الموازنة. بينها مبلغ 44 بليون ريال تقريباً للأعمال التنفيذية وتعويضات نزع ملكية العقارات لمشروعي توسعة المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، وهي من المصروفات التي لا تتكرر. وأشار إلى أن جانب من العجز في الموازنة يمكن تجاوزه من خلال إعادة النظر في سياسة الدعم الحكومي، إذ لمّح لها أكثر من مسؤول خلال الأشهر الماضية، كان من بينهم وزير البترول المهندس علي النعيمي الذي قال في تشرين الأول (أكتوبر) إن المملكة تدرس رفع أسعار الطاقة المحلية، وهو ما يوفر بعضاً من النفقات التي تتجاوز 100 بليون دولار سنوياً والتي تتحملها الحكومة للإبقاء على أسعار الطاقة منخفضة، وكذلك رفع الدعم أو تقليله عن بعض السلع لكي لا تشكل عبئاً على الاقتصاد. إذ من المتوقع أن تبدأ خطوات فعلية في خفض دعم الطاقة برفع كلفة الغاز الطبيعي وأسعار الطاقة للقطاع الصناعي. وأضاف إلى أن المملكة أعلنت مسبقاً أنها، مع دول مجلس التعاون الخليجي الست، تتجه إلى فرض ضريبة القيمة المضافة في المنطقة، ومن المتوقع أن تقوم الحكومات الخليجية بتطبيق الضريبة خلال السنوات الثلاث المقبلة، أو حتى الإسراع في تنفيذها خلال العام المقبل. وأكد أن تنويع مصادر الدخل هو الخيار الملح الذي تعتمد عليه سياسة الإصلاح الاقتصادي خلال السنوات المقبلة، إذ إنه على المدى الطويل لن تكون زيادة مصادر الدخل المحلية كافية، وستحتاج الحكومة لتطوير مصادر غير نفطية مدرة للنقد الأجنبي لتعويض انخفاض عائدات النفط جراء هبوط أسعار الخام، وهذا سيحدث فعلياً لكن ببطء، لذا سيكون التحدي الكبير في النظام المالي بأن يكون أكثر انضباطاً للحفاظ على الأصول الأجنبية وأن تنشئ صندوقاً للثروة السيادية لزيادة العوائد على تلك الأصول، إضافة إلى بناء قاعدة صناعية متنوعة تحل محل النفط في إيرادات الدولة.