لم ينشغل قادة جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر كثيراً بالأمور البروتوكولية للتعاطي مع حدث بوزن وفاة المرشد مأمون الهضيبي، فالأجهزة الإدارية في الجماعة تملك خبرات واسعة في الترتيبات اللازمة لهذه المناسبات، خصوصاً ان وفوداً كبيرة جاءت إلى القاهرة للتعزية والتعبير عن التضامن، بل كان المهم عند قادة "الإخوان" وضع سيناريو اختيار المرشد الجديد واسلوب إخراجه إلى العلن. وبات مستبعداً أن يحظى أي من المنتمين إلى جيل الوسط الذين انضموا إلى الجماعة في عقد السبعينات بذلك الموقع. إذ كشفت مصادر مطلعة في الجماعة أن رأي القادة استقر على اختيار مرشد من الشيوخ، ونائب له من جيل الوسط في آن، لتمر الجماعة بمرحلة انتقالية يصبح بعدها تولي النائب مهمات المرشد أمراً طبيعياً بعد ان يكون أبناء هذا الجيل تأهلوا لتولي القيادة. وعلى ذلك فإن "الإخوان" وجدوا أن التحولات الدراماتيكية لا تناسبهم وفضلوا السير في الطريق الذي اختاروه لأنفسهم منذ وفاة المرشد الثاني حسن الهضيبي في بداية السبعينات بالدخول في مراحل انتقالية واحدة تلو الأخرى بعد وفاة كل مرشد، حتى باتت الجماعة كأنها تعيش مرحلة انتقالية مستمرة منذ نحو ثلاثين سنة، وهي مرشحة لأن تطول. ولم يحسم النقاش بين القادة بعد بشأن طريقة الإخراج، فوفقاً للوائح التنظيم لا يحق لمكتب الإرشاد اختيار أو انتخاب المرشد، وبرر القادة دائماً قيامهم بتلك المهمة بأن الظروف الأمنية تمنع عقد مجلس شورى الجماعة الذي يتكون من 86 شخصاً باقي منهم نحو سبعين بعد استبعاد المتوفين والسجناء. وهذا المجلس هو صاحب الحق في انتخاب أعضاء مكتب الإرشاد والمرشد، ومنذ كانون الثاني يناير العام 1981 لم يعقد المجلس أي اجتماع اثر قيام السلطات بالقبض على عدد كبير من أعضائه وأحالتهم على محكمتين عسكريتين بعد آخر اجتماع عقدوه في ذلك التوقيت. وتنص اللوائح على ضرورة عرض اسم المرشد بعد اختياره على التنظيم الدولي لإقراره. ويدور الجدل حالياً على طريقة الإخراج التي يجب أيضاً أن تتفادى معضلة مهمة وهي أن نصف أعضاء مكتب الإرشاد لم ينتخبوا بواسطة "مجلس الشورى" وإنما عيّنوا بواسطة النصف الثاني من الأعضاء، ليحلوا محل من سجنوا أو توفوا على مدار السنوات الماضية، علماً بأن اللائحة تنص على تعيين اثنين فقط، ووفقاً لمصادر الجماعة فإن المعينيين من أعضاء المكتب هم السادة: لاشين أبو شنب وأبو الحمد ربيع ورشاد بيومي ومحمود غزلان ومحمد بديع وخيرت الشاطر ومحمد علي بشر، كما أن مدة عمل مكتب الإرشاد أربع سنوات وآخر انتخابات أجريت لاختيار أعضاء المكتب جرت العام 1995، وعلى ذلك فإن جهوداً حثيثة تبذل لتقنين عمل المكتب وما سيخرج عنه من قرارات تتعلق بخلافة الهضيبي. ويرى بعض "الإخوان" أن فرص الإصلاحيين من أعضاء مكتب الإرشاد، وهم الأقلية داخل مكتب الإرشاد، ستكون كبيرة في اقتناص موقع المرشد إذا جاء الانتخاب بواسطة مجلس الشورى، أما إذا اضطلع أعضاء المكتب بالأمر فإن شيوخ الجماعة ستكون لهم الكلمة العليا. وكان بعض "إخوان" الخارج طرحوا بعد وفاة المرشد الأسبق مصطفى مشهور في تشرين الثاني نوفمبر 2002، اسم الشيخ فيصل مولوي مراقب "الإخوان" في لبنان كمرشد عام، لكن الهضيبي نجح وقتها بفضل ما يملكه من تاريخ وكاريزما وشخصية قوية في وأد ذلك الاقتراح فتوارت اعتراضات بعض قادة "الإخوان" في الخارج على استمرار سيطرة إخوان مصر على مقاليد الأمور في التنظيم الدولي. أما بالنسبة الى اسم المرشد الجديد ونائبه فإن "الإخوان" يعتبرون أنه بعد غياب الهضيبي فإن الفروق ليست كبيرة بين بقية أعضاء مكتب الإرشاد. وأن أياً من الشيوخ لا بد أن يختار بين خيرت الشاطر أو محمود غزلان نائباً وهما من جيل الوسط لموقع النائب ليتحول مرشداً بعد الجنازة المقبلة للمرشد الشيخ.