وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    «موديز» ترفع تصنيف السعودية إلى «Aa3» مع نظرة مستقبلية مستقرة    الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة .. والأهلي وصيفاً    "بتكوين" تصل إلى مستويات قياسية وتقترب من 100 ألف دولار    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    (هاتريك) هاري كين يقود بايرن ميونخ للفوز على أوجسبورج    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    وفد طلابي من جامعة الملك خالد يزور جمعية الأمل للإعاقة السمعية    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    "الجمارك" في منفذ الحديثة تحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة "كبتاجون    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الإخوان المسلمون" في مرحلة جديدة: من الحرس القديم إلى ... القديم ايضاً
نشر في الحياة يوم 25 - 11 - 2002

هل دخلت جماعة "الإخوان المسلمين" مرحلة جديدة من تاريخها بوفاة مرشدها السيد مصطفى مشهور وتولي نائبه المستشار مأمون الهضيبي موقع المرشد؟ أم أنه لا جديد في الأمر ولا تغير في توجهات الجماعة وسياساتها وتعاطي الأطراف المتشابكة معها؟ ولا شك في أن الجماعة ومن خلال خبرات قادتها التي تراكمت عبر سنوات طويلة في أحداث جمة ومحكات صعبة مرت بها صار لديها الكفاية في استغلال حتى أحلامها المفجعة في تحقيق تعاطف جماهيري وحضور سياسي.
مرت جماعة الإخوان المسلمين بأحداث جسام ومراحل عدة منذ تأسيسها على يد مرشدها الأول حسن البنا العام 1928، وكانت الهجمات التي تتعرض لها تتم دائماً من خارجها، سواء من جانب حكومات أو أنظمة أو جهات أو حتى شخصيات تزيدها قوة وتجعل من التفاف أعضائها وعناصرها حول قادة التنظيم أمراً يزيد من ثقل الجماعة وقدرتها على مواجهة الأخطار الخارجية، وأخطر ما واجه الجماعة دائماً كان يتمثل في التناقضات والخلافات التي قد تنشأ داخلها. ولعل ذلك كان السبب وراء اهتمام الدوائر السياسية والإعلامية بمستقبل الجماعة بعد رحيل مشهور وما إذا كان انتخاب نائبه الهضيبي سيثير حفيظة البعض أم لا، ومدى قبول جيل الشباب لاستمرار سيطرة الحرس القديم من قادة الجماعة على مقررات الأمور فيها. فالكل يعلم أن مستقبل الجماعة مرتبط أكثر بمدى ترابطها الداخلي وتماسكها التنظيمي وذوبان التناقضات بين أجيالها المختلفة وأن الطريقة التي ستتعاطى بها الحكومة المصرية مع التنظيم في المستقبل لن تؤثر كثيراً في قوة الجماعة، وقدراتها على العمل التنظيمي، فالجماعة التي اسسها حسن البنا قبل اكثر من سبعين عاما صار ما يحدث داخلها وبين ثنايا كوادرها وتنظيماتها المتشعبة أهم بكثير من تلك الضربات التي تتعرض لها من الخارج وتزيدها خبرة وقوة وصلابة، لكن ذلك لا يعني أن "الإخوان" ليسوا على أبواب مرحلة جديدة فرضتها أحداث أيلول سبتمبر، وكذلك طبيعة التغيرات التي ظهرت أخيراً داخل الجماعة. فالمؤكد أن كثيراً ما سيحدث إن لم يكن يفرمل التطور الطبيعي للإخوان وذلك بفعل الفارق في الطبيعة الشخصية بين كل من مشهور والهضيبي.
وعلى رغم غياب الاعتراف الحكومي بالجماعة، فإن مقر "الإخوان" الذي يقع في شارع الملك الصالح على نيل القاهرة، معروف للجميع ويقصده مراسلو الصحف ووسائل الإعلام من دون أن يحمل المقر لافتة. وتحدد اللائحة الداخلية للجماعة شروط العضوية بها ومهمات المرشد ومكتب الإرشاد ومجلس الشورى. وحين يجتمع قادة الجماعة فإنهم عادة يناقشون مدى الالتزام باللائحة ويحاسبون من يُعتقد أنهم خرجوا عنها.
وحددت اللائحة شروط العضوية في الجماعة، فالمرشح يقضي مدة ستة أشهر على الأقل تحت الاختبار فإذا ثبت قيامه بواجبات العضوية مع معرفته بمقاصد الدعوة ووسائلها وتعهد أن يناصرها ويحترم نظامها، ويعمل على تحقيق أغراضها ثم وافقت الجهة المسؤولة عنه على قبوله عضواً في الجماعة فيصبح أخاً منتظماً لمدة ثلاث سنوات، إذا ثبت خلالها قيامه بواجبات عضويته، فللجهة المسؤولة أن تعتبره "أخاً" عاملاً ويؤدي العهد الآتي: "أعاهد الله العظيم على التمسك بأحكام الإسلام والجهاد في سبيله والقيام بشروط عضوية جماعة الإخوان المسلمين وواجباتها، والسمع والطاعة لقيادتها في المنشط والمكره في غير معصية ما استطعت إلى ذلك سبيلاً وأبايع على ذلك والله على ما أقول وكيل". وعلى كل عضو أن يسدد اشتراكاً مالياً شهرياً أو سنوياً وفق النظام المالي لكل قطر، ولا يمنع ذلك من المساهمة في نفقات الدعوة بالتبرع والوصية والوقف وغيرها. كما أن للدعوة حقاً في زكاة أموال الأعضاء القادرين على ذلك. وإذا قصر العضو في بعض واجباته أو فرط في حقوق الدعوة اتخذت الاجراءات الجزائية اللازمة في حقه.
وعرفت اللائحة المرشد العام للاخوان المسملين بأنه "المسؤول الاول للجماعة" وهو يترأس مكتب الارشاد العام ومجلس الشورى العام، ويقوم بالمهمات الآتية:
- الاشراف على ادارات الجماعة وتوجيهها ومراقبة القائمين على التنفيذ ومحاسبتهم على كل تقصير وفق نظام الجماعة.
- تمثيل الجماعة والتحدث باسمها.
- تكليف من يراه من الاخوان للقيام بمهمات يحدد نطاقها له.
- دعوة المراقبين العامين الممثلين للأقطار للاجتماع عند الحاجة.
يشترط في من يُرشح مرشداً عاماً ما يأتي:
- الا يقل عمره عن اربعين سنة هلالية.
- أن يكون مضى على انتظامه في الجماعة اخاً عاملاً مدة لا تقل عن 15 سنة هلالية.
- ان تتوافر فيه الصفات العلمية وبخاصة فقه الشريعة والعملية والخلقية التي تؤهله الى قيادة الجماعة.
وطبقاً للائحة فإن اختيار المرشد العام يتم وفق المراحل الآتية:
- يوجه نائب المرشد العام الدعوة الى مجلس الشورى العام لاجتماع مدته اسبوع كحد اقصى يخصص لانتخاب المرشد العام الجديد - ويحدد في الدعوة الزمان والمكان والموضوع والنصاب - وتوجه الدعوة قبل شهر على الاقل من الموعد المحدد.
- يعقد اجتماع مجلس الشورى العام برئاسة نائب المرشد العام، فإن كان هو المرشح فأكبر الاعضاء سناً، وبحضور اربعة اخماس اعضاء المجلس على الاقل، فإذا لم يحضر العدد القانوني خلال الاسبوع اجِّل الاجتماع الى موعد آخر لا يقل عن شهر ولا يزيد على شهرين من تاريخ الاجتماع الاول، ويجب ان تتوافر في هذا الاجتماع اكثرية ثلاثة ارباع اعضاء المجلس فإذا لم يحضر هذا العدد اجِّل الاجتماع مرة اخرى، وعلى المجلس تحديد موعد الاجتماع الجديد في مدة كالسابق بيانها مع الاعلان عنه وعن المهمة التي سيعقد من اجلها وأنه سيكون صحيحاً بالغالبية المطلقة.
- إذا كان المرشح واحداً فيجب ان ينال ثلاثة ارباع اصوات الحاضرين على الاقل ويمكن اعادة التصويت مرة واحدة، فإذا لم ينل الاكثرية المطلوبة يدعى المجلس الى جلسة اخرى خلال الاسبوع، ويرشح مكتب الارشاد العام "أخاً" آخر، ويمكن اعادة التصويت لهذا المرشح مرة واحدة ايضاً فإذا لم ينل الاكثرية المذكورة يعاد التصويت بين المرشحين وفقاً للفقرة الآتية:
- إذا كان هناك مرشحان يعتبر منتخباً من ينال العدد الأكبر من الأصوات على ألا يقل عن نصف أعضاء مجلس الشورى.
- عندما يتم اختيار المرشد العام يؤدي العهد الآتي أمام مجلس الشورى العام:
"أعاهد الله تعالى على التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، والالتزام بمنهاج الإخوان المسلمين ونظامهم الأساسي منفذاً لقرارات الجماعة المناطة بي ولو خالفت رأيي، والله على ما أقول شهيد"، ثم يجدد أعضاء مجلس الشورى العهد أمام فضيلة المرشد العام مستشعرين أركان البيعة العشرة.
"أعاهد الله العظيم على التمسك بأحكام الإسلام والجهاد في سبيله، والقيام بشروط عضوية مجلس الشورى العام للإخوان المسلمين وواجباتها والسمع والطاعة لقيادتهم في المنشط والمكره في غير معصية ما استطعت إلى ذلك سبيلاً وأبايع على ذلك والله على ما أقول وكيل".
يضطلع المرشد العام بمهمته فور انتخابه وأدائه الى العهد، وعليه أن يستقيل من عمله الخاص ويتفرغ كل التفرغ للمهمة التي اختير لها، ويبقى في مسؤوليته ما دام أهلاً لذلك.
لا يصح للمرشد العام بشخصه ولا بصفته أن يشترك في إدارة شركات أو أعمال اقتصادية حتى ما يتصل فيها بالجماعة صيانة لشخصه وتوفيراً لوقته ومجهوده على أن يكون له الحق في مزاولة الأعمال العلمية والأدبية بموافقة مكتب الإرشاد.
وسيظل شبح اتهام الاخوان في ارتكاب اعمال عنف قبل ثورة تموز يوليو يطاردهم، وسيطالب كل مرشد جديد بأن يبذل جهوداً حثيثة لتغيير تلك الصورة وتحسينها وتقديم صورة اخرى تعكس رفض الجماعة استخدام العنف ونبذها للإرهاب وحرصها على انتهاج سلمي للاخوان.
وربما كان أكبر أخطاء البنا إقدامه العام 1940 على تأسيس "النظام الخاص"، أي الجناح العسكري السري للجماعة، وهو عرض الأمر في بداية ذلك العام على خمسة من كبار مساعديه وهم: صالح عشماوي وحسين كمال الدين وحامد شريت ومحمود عبدالحليم وعبدالعزيز أحمد، وهو رأى أن "الجماعة" في حاجة إلى جهاز عسكري لمواجهة الاحتلال البريطاني في الداخل والصهاينة في فلسطين. لم يدرك البنا وقتها أن ذلك الجهاز سيكون وبالاً على "الجماعة" وأن أعماله ستظل سنداً للحكومات في حجب الشرعية عن "الجماعة". وهو عهد بمسؤولية "النظام الخاص" إلى عبدالرحمن السندي الطالب في كلية الآداب والذي لم يكن تجاوز الحادية والعشرين فتحول الجهاز إلى أداة لردع أعداء "الإخوان" داخل البلاد فقتل عناصره في آذار مارس 1948 القاضي أحمد الخازندار الذي كان أصدر أحكاماً مشددة ضد أشخاص من "الإخوان" ضبطوا في الاسكندرية ومعهم قنبلة، ثم قتلوا رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي ونفذوا عمليات لم تحظ بأي قدر من التخطيط السليم، وأثبتت الأيام أن البنا فقد سيطرته على الجهاز الذي تحول بمرور الوقت إلى دولة داخل الجماعة.
وظلت العلاقة بين "الإخوان" والحكومات المتعاقبة قبل ثورة تموز يوليو 1952 تسير في خط بياني متعرج ولم تكن أبداً مستقرة. وحين جاءت وزارة النقراشي في كانون الأول ديسمبر 1946 أرسل البنا له رسالة طالبه فيها بقطع المفاوضات مع الإنكليز والتشدد في طلب الجلاء الكامل عن مصر واللجوء إلى مجلس الأمن في حال رفض الإنكليز ذلك، فرد النقراشي في 8/12/1948 بقرار حل بموجبه الجماعة على أساس أنها "تهدف إلى قلب نظام الحكم في البلاد"، وحاول البنا تسوية الأمر بالتفاوض مع الحكومة، لكن اغتيال النقراشي نفسه زاد الأمر صعوبة، وبعدما يئس البنا وزع رسالة حملت عنوان "القول الفصل" أكد فيها "أن الأسلحة كانت في حوزة الإخوان بمعرفة الحكومة لاستغلالها ضد الصهاينة في أرض فلسطين"، مؤكداً أن اتفاقاً بين الجماعة وجامعة الدول العربية أبرم في هذا الشأن، وأبدى البنا أسفه لمقتل القاضي الخازندار والنقراشي واعتبر أن السبب الحقيقي لحل الجماعة هو "ضغوط البريطانيين واليهود والاميركيين"، وتسارعت الأحداث حتى تم اغتيال البنا يوم 12 شباط فبراير 1949 بعدما حصل على حكم قضائي ألغى قرار حل الجماعة التي دخلت بعدها في مرحلة جديدة من تاريخها.
ظل "الإخوان" نحو ثلاث سنوات، اضطربت فيها أحوال الجماعة بشدة، من دون مرشد، ما عكس أزمة القيادة في "الجماعة". وحين تسلم المستشار حسن الهضيبي والد المستشار مأمون الهضيبي مهمات المرشد في 19 تشرين الأول أكتوبر 1951 كانت التركة ثقيلة والظروف بالغة الصعوبة. فالعلاقات مع الحكومة متوترة وقطاع القضاء ناقم على "الإخوان" بسبب اغتيال الخازندار و"النظام الخاص" بقيادة السندي بدأ يتضخم على حساب سمعة الجماعة ومكانتها.
وكانت تلك المشكلة أهم المعضلات التي واجهت الهضيبي في بداية فترة توليه مهمات المرشد. فأعضاء "النظام" كانوا يتعاملون معه بشيء من الفوقية والاستقلال التام عنه، ووفقاًَ لما يصدره السندي فقط من أوامر فبادر الهضيبي إلى عزل السندي وثلاثة من أعوانه هم: عادل كمال ومحمود الصباح وأحمد حسن فبدأت عملية من التقاطب التنظيمي والسياسي داخل الجماعة إلى درجة أن البعض طالب الهضيبي بالاستقالة لكنه احتمى في جمهور الإخوان. وقبل أن يفيق من الصدام مع السندي واتباعه دخل الهضيبي في صدام مع قادة ثورة تموز يوليو بعد تفجر التناقضات بين الطرفين ولم ينجح اللقاء الذي عقد في منزل جمال عبدالناصر يوم 20 أيلول سبتمبر 1954 وحضره عبدالناصر وستة من الإخوان على رأسهم الهضيبي في حل التناقضات وتجاوز الخلافات وفشل اتفاق الهدنة سريعاً. وبدأت مرحلة المحنة الطويلة التي افرزت مدرسة سيد قطب، وما تفرع عنها من أفكار ومبادئ تقوم على "أن أساس النظام الاجتماعي يعيش وضعية الجاهلية وأن الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الالوهية في الأرض وهي "الحاكمية"، والحاكمية في الوضع الجاهلي تستند إلى البشر فتجعل بعضهم لبعض أرباباً".
وصارت أفكار قطب لاحقاً أحد أهم المبادئ التي استندت إليها الحركات الأصولية الراديكالية. ومن هنا جاءت عبارة "أن كل الحركات الراديكالية خرجت من عباءة الإخوان"، التي استخدمتها الحكومات المتعاقبة في مصر والوطن العربي لتبرير الإجراءات التي تستهدف ضرب البنى التحتية للإخوان.
ولم يشفع كتاب "دعاة لا قضاة" الذي كان عبارة عن مجموعة من الأبحاث كتبها رموز الجماعة داخل السجون ثم جمعت في كتاب حمل اسم "حسن الهضيبي" انتهت إلى رفض أفكار قطب والتشديد على الاسلوب السلمي الهادئ للجماعة في تخفيف ضغوط عبدالناصر وإجراءاته ضد الجماعة والتي استمرت طوال عهده وتنوعت ما بين المطاردات والاعتقالات والاعدامات، وبدأ "الإخوان" عصراً جديداً بعد وفاة عبدالناصر العام 1970، وخرج الهضيبي وبقية الاخوان العام التالي وانشغلت الجماعة في تضميد جراحها مستغلة المناخ الذي طرحه السادات الذي أراد من خلالهم إحداث توازن سياسي في المجتمع، والتصدي للمد الناصري واليساري، وعقد الهضيبي أول اجتماع موسع ل"الإخوان" خارج مصر العام 1973 تم خلاله إعادة تشكيل مجلس الشورى وتكوين لجان العضوية في مصر والعالم العربي. لكن وفاة الهضيبي يوم 11 آب أغسطس 1973 إيذاناً بأزمة جديدة نتيجة صراع بين المطالبين بتحديث الجماعة والعمل في النور وبين رجال "النظام الخاص" الذين طرحوا اسم أحد "الإخوان" وأكدوا أن الهضيبي رشحه لخلافته ورفضوا الكشف عن الاسم علانية بزعم الظروف الأمنية وظلت الجماعة نحو ثلاث سنوات يقودها "مرشد سري" لا يعرفه إلا القليلون، ما مكن الحرس القديم من السيطرة مجدداً على التنظيم. وإزاء اعتراضات بعض "الإخوان" على الأوضاع عُقد اجتماع في بداية العام 1976 في القاهرة طرح فيه للمرة الأولى اسم عمر التلمساني كمرشد للجماعة، ووجدت شخصية التلمساني الهادئة والجاذبة قبولاً لدى السادات و"الإخوان" في آن. وهو حرص على مد الصلات مع الحكومة المصرية والسادات نفسه، ونجح في ذلك وأحدث دخول أعداد كبيرة من زعماء الحركة الطلابية من اعضاء "الجماعة الدينية" الى قلب "الاخوان" زخماً كبيراً وأعاد الحياة الى الجماعة مرة اخرى، وأفرزت السنوات الاخيرة من حكم السادات مناخاً مواتياً. فمعاهدة كامب ديفيد وزيارة السادات للقدس اتاحت ل"الاخوان" فرصة تصدر القوى الوطنية المعارضة للعلاقات مع اسرائيل والتطبيع معها، واستطاع التلمساني ان يستوعب كثيراً من التناقضات التي تفجرت بين الجيل الجديد القادم من الخارج وجيل الشيوخ من الحرس القديم، واستمرت علاقته بالعهد الجديد بعد حادث المنصة جيدة حتى توفي في 22 ايار مايو 1986، واختار الحرس القديم محمد حامد ابو النصر ليتولى المنصب على رغم أنه لم يكن اقدم اعضاء مكتب الارشاد، وبجهود جيل السبعينات اقتحمت الجماعة العمل النقابي والبرلماني وبعدما كان تمثيلها في البرلمان محدوداً في انتخابات 1984 عندما اضطرت لابرام تحالف انتخابي مع حزب الوفد حيث تمكن ثمانية من رموزها من الحصول على مقاعد في البرلمان حققت 35 مقعداً في انتخابات العام 1987 بعدما تحالفت مع حزب العمل.
اول صدام بين الجماعة وعهد مبارك في العام 1990 حين قاطع "الاخوان" مع احزاب سياسية الانتخابات البرلمانية التي جرت في ذلك العام احتجاجاً على رفض النظام الاستجابة لمطالب قوى المعارضة بتحقيق اصلاح سياسي ووقف العمل بقانون الطوارئ، وعلى رغم ان السلطة تسعد دائماً بابتعاد الاخوان عن اي حضور سياسي، إلا ان الضجة التي احدثها قرار المقاطعة جعل السلطة تعتقد ان الاخوان كانوا وراء القرار، فحملتهم تبعاته، لكن العلاقة لم تصل الى الصدام المباشر إلا العام 1994 حين زاد الاحتقان في النقابات المهنية اعتراضاً على قانون تنظيم انتخابات تلك النقابات الذي هدفت من ورائه السلطة الى الحد من سيطرة الاخوان عليها، كما شهدت نقابة المحامين في نيسان ابريل من العام نفسه صداماً مباشراً بين المحامين والشرطة حين حاول المحامون الخروج في تظاهرة احتجاجاً على وفاة المحامي عبدالحارث مدني بعد اعتقاله وتصدت لهم قوات الامن، وعلى رغم ان مدني لم يكن من "الاخوان" الا ان اصرار مجلس النقابة الذي كان يسيطر عليه "الاخوان" على كشف ملابسات وفاته جعل الحكومة تعتقد أن "الاخوان" تخطوا الخط الاحمر بتحريك الجماهير فبدأت في توجيه ضربات اجهاضية شديدة للجماعة وألقت القبض في العام التالي على عشرات من العناصر الفاعلة مع التنظيم وأحالت أكثر من 80 منهم على ثلاث محاكم عسكرية كانت الاولى ل"الاخوان" من نحو 30 سنة ورد "الاخوان" بترشيح 150 من كوادرهم في الانتخابات البرلمانية التي جرت في ذلك العام لم يتمكن اي منهم من تحقيق الفوز بعدما اتخذت السلطات الاجراءات التي تحول دون فوزهم، لم يكن حامد ابو النصر فاعلاً مع الازمات والمواقف العصيبة في الجماعة وبدا ان نائبه مشهور والهضيبي امتلكا زمام الامور ، لكن اخطر ما واجهته الجماعة في عقد التسعينات كان الخلاف الذي تفجر بين شيوخها من جهة وعدد غير قليل من رموز جيل السبعينات، على رأسهم المهندس ابو العلا ماضي من جهة اخرى عندما اعترض ماضي وزملاؤه على الطريقة التي تدار بها الجماعة ورأوا أنها تعكس حرصاً على التنظيم اكثر من تحقيق الاهداف التي نادى بها البنا فقرروا تأسيس حزب سياسي تحت لافتة "الوسط" من دون الحصول على إذن من قادة الجماعة، وتحول الامر الى صراع بين الطرفين وانتهى باستقالة ماضي وبعض من زملائه واقالة البعض الآخر، غير ان الازمة ظلت تلقي بظلالها على الجماعة الى درجة انها تسببت في ارتباك شديد في قواعد التنظيم افرز حالاً من الركود، وحين تولى مشهور مهمات المرشد بعد وفاة ابو النصر اعترض بعض الاخوان على الطريقة التي تم بها تنصيبه حيث اعلن الهضيبي في منطقة المقابر اثناء دفن ابو النصر ان الاخير اوصى قبل وفاته بتنصيب مشهور، لكن الضربات الاجهاضية والازمة الداخلية وحال التقوقع التي عاشتها الجماعة ساهمت في امتصاص ردود الفعل تجاه خرق القواعد التي تحدد عملية تنصيب المرشد.
والمؤكد أن الجماعة تفادت أن يتكرر الأمر مجدداً بعد وفاة مشهور فآثرت ألا يُبايَع الهضيبي في المقابر لئلا يخرج أحد وينتقد اجراءات تنصيبه، ومن هنا استغرق الأمر وقتاً أطول لحسم الأمر لمصلحة الهضيبي.
وقد يرى البعض أن الهضيبي أطاح معارضيه وانفرد بالسيطرة على الجماعة، واستغل موقعه كمتحدث باسم "الاخوان" في لجم بقية قادتها ومنعهم من الحديث والبروز الى واجهة الصورة، هكذا تبدو الصورة لمن لم يقترب من الاخوان. أما هؤلاء الذين عرفوا الجماعة وأسلوب العمل فيها فإنهم دائماً سيواجهون بمشهد آلاف من شباب الجماعة وهم يحاولون تقبيل يد الهضيبي في كل مناسبة، فالمكانة لدى الاخوان لا يحصل عليها إلا من يستحقها.
والمؤكد أن الهضيبي سيعمد الى ترسيخ الاعتقاد بوجود الجماعة على الساحة السياسية والاجتماعية والمصرية والعربية والاسلامية وهو بارع في استخدام الآليات المتاحة لدى الجماعة في إظهارها بقوة ربما تفوق قوتها الحقيقية، ويعتقد أن امتداد جسور التنظيم الى دول عدة في العالم تفرض عليه وعلى "اخوانه" العمل على استمرار مسيرة الجماعة التي أسست قبل أكثر من 70 عاماً وما زالت تقع في بؤرة الضوء.
لا يعاني الاخوان على رغم التضييق الشديد عليهم مشكلات تتعلق بأماكن أو مقار لعقد اجتماعاتهم، فالقدرات التنظيمية العالية لديهم تمكنهم من اتمام عملهم التنظيمي بصورة تذهل القوى السياسية الاخرى التي تحظى بتراخيص قانونية تزاول من خلالها نشاطها لكنها تفتقر الى جماهير تعبر عنها وتؤمن بأفكارها. ولا أحد في القاهرة لا يعرف جماعة "الاخوان المسلمين"، فالأمر ليس سراً على أحد والجماعة لا تتورع عن الاشارة الى المكان الذي يتجمع فيه قادتها كل يوم باعتباره مقرها الرسمي. ولم تقتحم قوات الأمن المصرية ابداً ذلك المكان وظلت تلقي القبض على قادة وعناصر "الاخوان" كل فترة في منازلهم او اثناء اجتماعات يعقدونها في أماكن أخرى.
ومنذ اخرج الرئيس الراحل أنور السادات الاخوان من السجون وأتاح لهم مساحة وساحة يتحركون فيها اتخذت الجماعة من شقة تقع في شارع سوق التوفيقية وسط العاصمة مقراً لها وهي كانت مخصصة لمجلة "الدعوة" التي كان التنظيم يصدرها قبل الثورة، لكن ذلك المقر أغلق بحكم أصدرته المحكمة العسكرية العليا العام 1995 بعدما قدمت السلطات الى المحكمة شريط فيديو يصور قادة وأعضاء الجماعة يدخلون ويغادرون المكان، نقل الاخوان مقرهم بصورة موقتة الى شقة أخرى تقع في حي العجوزة في محافظة الجيزة اثناء المعركة الانتخابية التي جرت في ذلك العام كانت مقراً انتخابياً للهضيبي. ثم منح عضو مجلس الشعب السابق القطب البارز في الجماعة السيد حسن الجمل شقة يملكها المرشد السابق محمد حامد أبو النصر هي نفسها التي تحولت العام 1996 بعد وفاة الأخير مقراً للاخوان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.