العلاقات الإنسانية مهما طالت، تحمل في طياتها تغيرات جذرية قد لا نتوقعها. ومن أبرز هذه التغيرات تلك التي تحدث حينما تتبدل الأدوار في الحياة بين الأصدقاء أو الزملاء، ليصبح التلميذ رئيسًا، أو الصديق قائدًا في دائرة العمل. قصة صديق وأخ بدايةً ، أتحدث عن صديق وأخ عزيز امتدت علاقتي به لأكثر من أربعين عامًا. كانت ولا زالت علاقتنا نسيجًا من الاحترام والحب والصدق والوفاء. لطالما صرح لي بأنه كان تلميذي، وأجيبه دائمًا أن هذا شرف لا أدعيه، بل فضل منه. إلا أن الواقع الذي أفتخر به هو أنه أصبح رئيسي في العمل، وأكنّ له كل التقدير والاحترام. كانت علاقته بي قائمة على الاحترام المتبادل الذي فرضته شخصيته الغنية بالعلم والمعرفة والأخلاق الراقية والمهنية العالية. كان من خريجي البرنامج الإعدادي لخدمات النقل الجوي الذي أسسه الراحل السيد حمزة الدباغ مدير عام التدريب في الخطوط السعودية، بفضل هذا البرنامج، ابتُعث صديقي إلى الولاياتالمتحدة لدراسة العلوم المتقدمة، وعند عودته احتضنه معالي الكابتن أحمد مطر، مدير عام المؤسسة آنذاك الذي أدرك تميزه وشخصيته القيادية. تقلد صديقي عدة مناصب في الخطوط السعودية وصولًا إلى منصب مدير عام المؤسسة، حيث أثبت جدارته بثقته في فريق عمله، وأنا أحدهم. شغلنا معًا مناصب مختلفة، وكان أسلوبه الإداري قائمًا على تمكين الآخرين وتوفير الحرية الكاملة لتحقيق الأهداف دون صراعات أو منافسات هدامة. العلاقة التي جمعتني بصديقي، الذي أصبح رئيسي في العمل، هي مثال حي على التغير الطبيعي للأدوار مع مرور الزمن. فقد يجد الإنسان نفسه فجأة في موقع لم يتوقعه، كأن يصبح تلميذه رئيسًا عليه، أو صديقه وزيرًا في دائرته. هذه التحولات تخلق تحديات على المستويات الإدارية والنفسية والاجتماعية، لكنها تمنح في الوقت ذاته فرصة لتطوير الذات وإعادة التفكير في طبيعة العلاقات المهنية. بفخر أقول إن هذا الصديق والرئيس هو الأستاذ عبدالعزيز الحازمي. هناك دروس مستفادة من العلاقات والادوار المتغيرة في الحياة حين يصبح التلميذ رئيسًا أو الصديق قائدًا تبرز العديد من القضايا التي تتطلب التوازن والوعي. ولا غرابة في ان هناك شعور نفسي طبيعي بالتناقض بين المكانة السابقة كمعلم أو مرشد، والمكانة الحالية كمرؤوس يتلقى التوجيهات. هنا يظهر دور الذكاء الاجتماعي في كسر الحواجز النفسية والاعتراف بأن الأدوار تتغير طبيعيًا مع الزمن، وأن الجميع يتطورون ويتقدمون. وعندما يصبح الصديق رئيسًا، تصبح الحدود بين الحياة الشخصية والعمل ضبابية. كان عليّ أن أتعامل مع هذا التحدي بشكل مهني مع أصدقاء أصبحوا مرؤوسين لي في العمل، بحيث نضع احتياجات العمل أولًا، دون أن تؤثر العلاقة الشخصية على القرارات المهنية. في كثير من الحالات، تنشأ مشاعر الغيرة أو المنافسة وهي ردود أفعال طبيعية. لكن يجب أن يتم التعامل معها بوعي وإدراك، أن النجاح في بيئة العمل يتطلب تعاونًا وتفهمًا لهذه المشاعر دون أن تتحول إلى عوائق تعرقل سير العمل. وأخيرا فإن التحولات الإدارية والتراتبية التنظيمية، تمثل تحديات نفسية واجتماعية معقدة. التعامل مع هذه التغيرات يتطلب تقبل القيادات الجديدة، والمرونة في التكيف والمشاركة الفعالة في صنع القرارات، وبناء علاقات إيجابية ومستدامة، بدلًا من مقاومة هذه التحولات، حيث ينبغي استغلالها كفرصة للتعلم والنمو. فالتغيير جزء لا يتجزأ من الحياة المهنية، والقدرة على التعامل معه تعكس مدى تطور الفرد ونضجه.