سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أدار مكتبي البكر وصدام وتولى الإعلام ورافق ملفات السياسة الخارجية وزيراً وسفيراً . حامد الجبوري : نظر أبو عدي إلى دجلة وقال ليتني خلقت وحيداً بلا عائلة وأقارب فوجئت بالملك الحسن الثاني يقول : إذا حضر صدام نبدو كأن على رؤوسنا الطير 3
في عامي 1976 و1977 كنت وزير الدولة المكلف رئاسة ديوان مكتب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة صدام حسين، كيف حدث ذلك؟ - على رغم الحادث الذي وقع خلال وجودي في الاعلام عاد صدام واختارني لرئاسة مكتبه. تحضرني الآن ملاحظة ذكية قالها لي السفير السويسري في بغداد وهي: "انك الآن أقرب الى مركز القرار". ماذا كان صدام يفعل؟ - في مكتب صدام تأكدت ان البكر لا يحكم. كل ملفات الدولة والحزب والعلاقات الخارجية والنفط والأمن والاعلام والسياسة الخارجية! كل شيء. بغض النظر عن اتفاقنا مع صدام أو اختلافنا معه يجب ان نقول الحقائق. كان صدام يحضر باكراً الى مكتبه ويبقى فيه حتى ساعة متأخرة. يعمل بجدية وينام احياناً في الغرفة الملحقة بالجناح الذي يضم مكتبه في المجلس الوطني. قال لي ذات يوم في معرض شرحه أسباب اختياره لي: "الرفاق الذين تراودني بعض الشكوك بشأنهم أقربهم مني لكي أقرأهم عن كثب". جاء بعدي غانم عبدالجليل وقد أعدمه صدام في 1979. من كان قريباً من صدام؟ - عدنان الحمداني كان من المقربين جداً وأعدم في 1979. برزان كان قريباً وطارق عزيز ايضاً وطه ياسين رمضان وعزة ابراهيم. كما كان حجم الجهاز التابع له؟ - ادارة المكتب كانت تتشكل مني ومعي 12 شخصاً برتبة مدير عام يهتم كل واحد منهم بقطاع. كنا نقدم له خلاصات عن المواضيع وكان يستوعب بسرعة هائلة. كيف كانت علاقته مع الناس؟ - علاقة احترام. يترك مسافة بينه وبين الآخرين. اسلوبه جدي. مزاحه قليل. لا يجرح الآخرين ولا يفسح لهم المجال لتخطي حدودهم. تبقى الحواجز موجودة حتى ولو بدا ودياً. كان يحمل مسدساً؟ - المسدس لا يغيب. الاختبار الأول هل كان مهتماً بأمنه؟ - بشكل غير معقول. اهتمام استثنائي. لم تكن المسألة بحدة اليوم ولم يكن عدد أعدائه بالحجم الحالي. صدام يبني حساباته على الشك. رجل يشك في الآخرين. وعلى الشك يصدر احكاماً بالسجن والإعدام. سمعته يقول: "لدي قدرة على كشف الناس من عيونهم". لدى صدام اسلوب يقوم على اشعار من يعملون معه انه يعرف كل شيء عنهم بما في ذلك نواياهم. يشعرهم انهم تحت المراقبة وانه قادر على ان يكتشف مبكراً أي اخلال بالولاء. احياناً يشعرهم ان لديه أوراقاً ضدهم كي يبالغوا في الولاء تعويضاً عن نقص سابق. اختارني لمكتبه وإذ به يسلمني ورقة، قال انها تقرير، ويطلب منى ان أذهب الى مكتبي لقراءتها ثم اعطيه رأيي فيها. ذهبت وذهلت. التقرير يقول ان جهات داخل الجيش كلفت حامد الجبوري اغتيال السيد النائب في اطار اتفاق مع العميد شفيق الدراجي يقضي بأن يسيطر الأول على المجلس الوطني والثاني على القصر الجمهوري وان للرجلين امتداداً داخل القوات المسلحة والحرس الجمهوري والاستخبارات. ذهبت اليه فقال لي ماذا تستنتج. قلت له انني اعتقد ان جهات تسعى الى التشكيك بولائي واخلاصي للايقاع بي. وفوجئت بقوله: "هذا صحيح". بعد عملي معه تولدت لدي قناعة انه وراء كتابة التقرير. الاختبار الثاني للاعصاب جاء على يد برزان. كانت هناك سراديب في أسفل المجلس الوطني. قال برزان: لقد اعتقلنا شخصاً اسمه عدنان فيلي وعلقناه بالمروحة هنا لأنه كان يتحدث عن مشاركته معك في خطة. أنا كنت أعرف عدنان فيلي، لكن مضت سنوات لم ألتق به. كيف يمكنك ان تنسج مؤامرة مع رجل لم تلتقه منذ سنوات! يحكى عن كرم صدام؟ - الى أقصى الحدود. في المناسبات يقدم مكرمات للوزراء والحراس. يرضى على شخص فيغدق عليه المال والألقاب، واذا غضب منه يمسحه بالأرض. انه كريم فعلاً. ذات يوم كنا نتمشى في المكتب وقال لي: "لاحظت انك لم تطلب مني شيئاً؟". فأجبت: "الحمد لله انني غير محتاج واذا احتجت فإن سيادتكم قريب ولن أتردد في الطلب". يحب ان يطلب الآخرون منه ليشعروا انهم مدينون له. أنا لا اخفي شيئاً. ساعدني في بناء بيت لكن لم يكن المبلغ كبيراً. غضبه رهيب ماذا يحدث حين يغضب؟ - غضبه رهيب، لكنه يحتفظ بسيطرته على نفسه حتى في اشد ساعات الغضب. يبلغ ذروة الغضب من دون ان يلجأ الى الصراخ. يجب الاعتراف انه يملك مواصفات غير عادية. لولا ذلك لما تمكن من حكم العراق كل هذه المدة الطويلة. المسألة ليست مقتصرة على القسوة والعنف. لا بد من الحنكة والدهاء. لقد طوّع صدام حسين جيشاً صعباً كالجيش العراقي. وطوع شعباً صعباً كالشعب العراقي. وطوّع حزب البعث. هنا سأقول شيئاً يبدو غريباً، اذا أخذنا في الاعتبار من المتحدث. قال لي الملك الحسن الثاني: "بصراحة اذا حضر صدام نبدو وكأن على رؤوسنا الطير". كنا ننوي عقد قمة عدم الانحياز في بغداد، وأوفدني الرئيس صدام الى العاهل المغربي الذي استقبلني في قصر الصخيرات وكان محمد بوستة رئيس حزب الاستقلال ووزير الخارجية موجوداً. قال تلك الجملة في ذلك اللقاء. الواقع ان صدام فرض قدراً من المهابة حتى في تعامله مع القادة العرب. الوحيد الذي لم يسلَّم له بهذا الحجم كان الرئيس حافظ الأسد. علاقتهما كانت معقدة. ذات يوم اجتمعا ست ساعات في منطقة على حدود البلدين وربما بمبادرة من الملك حسين. بعدها قال لي صدام انهما لم يبحثا شيئاً مهماً. لم يكن الرجلان على الموجة نفسها. الشخصيتان مختلفتان والحسابات مختلفة. صدام يريد التحول زعيماً للعرب والأسد لا يسلّم له بذلك. هذه القصة ولدت قدراً كبيراً من الكراهية. كان صدام يستقبل بحذر شديد أي مبادرة تأتي من الأسد. عرض الأسد هل لديك مثال محدد؟ - نعم. بعد زيارة الرئيس أنور السادات الى القدس وسيره في عملية كمب ديفيد بعث الأسد برسالة الى القيادة العراقية قال انها شخصية ولم يطلع عليها اعضاء القيادة في دمشق. موجز الرسالة ان ما فعله السادات كبير وخطير ويؤثر على العرب والمنطقة. واعرب الأسد عن قناعاته بضرورة تنحية الخلافات العراقية - السورية جانباً والتعاون لمواجهة الوضع الجديد. طلب صدام من البكر الموافقة على مبادرة الأسد لسحب البساط من تحت الرئيس السوري وكي لا تبقى المبادرة القومية في يده. أيد صدام التقارب السوري - العراقي لكنه كان يعرف ان أي شكل وحدوي سيؤدي الى اضعاف دوره. أذكر ان الرئيس الأسد، وفي آخر زيارة الى بغداد، كان يشعر ان صدام يبطن غير ما يعلن. قال الأسد: "يا اخوان اعرض عليكم ما يناسبكم أي من السلام عليك الى الوحدة الكاملة وما بينهما. نحن نوافق على ما تختارون حتى لو اخترتم السلام عليكم فقط. المهم ان ننهي الجفاء والخلافات". الحقيقة ان حسابات صدام كانت مختلفة تماماً. يريد أن يكون زعيم العراق وصاحب الدور الأول في منطقة الخليج ويريد أن يكون زعيم العرب. هذا الحلم تزايد لدى صدام بعد غياب الشاه. اعتبر ان باستطاعته أن يكون الرجل القوي في المنطقة وأن يتعايش مع الأميركيين فيها بهذه الصفة. أذكر جيداً أنه قال لي بعد ما سماه مؤامرة 1979 ان السفير السوفياتي كان على علاقة بها أي ان المؤامرة كانت سورية سوفياتية. ذات يوم في قمة عربية عقدت في تونس في 1979، ذهب بصفته رئيساً للجمهورية. كان الرئيس الأسد يلقي كلمة ويورد الحيثيات ويقول واذ ترى سورية ويردد كلمة وإذ وإذ بصدام يهمهم ويتظاهر بعدم الفهم. التفت اليه الأسد ولكن من دون أن يعلق. كان صدام يلجأ الى مثل هذا الاسلوب الاستفزازي. الواقع ان صدام كان يعرف ان الأسد ذكي ويعرفه جيداً. وفي قمة بغداد؟ لم تكن الدول الخليجية وخصوصاً عمان راغبة في مقاطعة مصر. العراق وسورية وضعا ثقلهما في الموضوع واتخذا موقفاً متشدداً. جرت محاولة لحل الاشكال وتقرر ارسال وفد لمقابلة السادات برئاسة رئيس الوزراء اللبناني آنئذ سليم الحص. رفض السادات استقبال الوفد. عرضت على السادات عملية دعم كبيرة قيمتها 50 بليون دولار موزعة على خمس سنوات. سلوك السادات دفع كل الحاضرين الى تأييد المقررات التي اتخذت. الواقع ان سلطنة عمان استمرت حتى النهاية في القول ان ليس من الحكمة عزل مصر. اعتقد أن طموحات البعض ضاعفت الرغبة في عزل مصر. هل كانت علاقة صدام قوية بالرئيس ياسر عرفات؟ صدام رجل هادئ وبارد. لا يقيم علاقات دائمة ونهائية. يحسب علاقاته وهي تتغير عندما تتغير. طبعاً علاقات صدام مع عرفات كانت أفضل من علاقات البكر مع الزعيم الفلسطيني. لم يكن البكر يحب عرفات وسمعته يقول لن استقبله الا بأمر من القيادة القطرية، وكان يسميه "الأقرع". قامت بين صدام وعرفات مودة. عرفات قال لي ذات مرة انه لا يشعر بالأمان تماماً وينام مرتاحاً الا حين يكون في بغداد. صدام كان متعاطفاً مع عرفات. متى بدأ المشروع النووي؟ البداية حصلت لدى زيارة صدام لباريس وزيارة رئيس الوزراء جاك شيراك لبغداد. العلاقات بين الرجلين قوية. والعلاقات بين برناديت وساجدة كانت قوية وهناك تبادل للهدايا. الولاء الكامل ماذا أيضاً عن أسلوب صدام حسين؟ كان يعتمد اسلوب العصا والجزرة مع البعثيين. يحب أن يغدق عليهم وهو كريم فعلاً. يعطي وفي المقابل يطالب بولاء كامل غير منقوص. لا يقبل بنصف ولاء. ذات يوم وكنت مديراً لمكتبه ذهبت معه في جولة في الموصل لتفقد القطعات العسكرية. حدث ما أثار غضبي واستهجاني، إذ سمعت البعض يكرر مرات عدة عبارة العدو السوري. كانت فترة توتر في العلاقات. ذهبنا الى دار الاستراحة التابعة لجامعة الموصل وهي خارج المدينة على تلة تطل على دجلة. جلست معه في الحديقة. راح يتحدث عن العراقيين وما يحكى عن صعوبة مراسهم وميلهم الى التمرد وصعوبة ان يحكمهم انسان لا يفهمهم جيدا. صدفة مر رجل عجوز يحمل حطباً على ظهره. قلت له: "سيادة النائب هذا العجوز البسيط يمتلك في اعماق دماغه خزين سبعة آلاف سنة من الحضارات. لهذا يظهر الشعب العراقي وكأنه صعب المراس". فرد: "هذا صحيح، يجب ان نعرف كيف نتعامل مع الشعب العراقي". هل صحيح انه كان مصابا بهاجس موقعه في التاريخ؟ نعم. كان يعتبر نفسه شخصا غير عادي. يعتقد ان دوره يجب ان يكون اكبر من حدود العراق. كان يعشق نفسه. قال لي ذات يوم وهو ينظر الى دجلة انه كان يتمنى لو كان الله خلقه وحيداً، فقط صدّام بلا عائلة ولا اخ ولا خت ولا ابن. كأنه يريد ان يكون بطلا غير مرتبط بشيء. طبعاً هذا غرور غير عادي. انه شديد الاعتداد بنفسه وان لم يكثر من الكلام. ولأنه يعتبر نفسه صاحب دور تاريخي او رسالة لا يتردد في ازالة اي عقبة يمكن ان تعترض طريقه. وربما هنا يمكن فهم ميله الى الافراط في القسوة. كيف كان صدّام يعامل مساعديه كطه ياسين رمضان؟ لم يكن يحترمهم لكنه كان يحميهم لأنهم اداته ولأن ولاءهم كامل. احيانا كان يتعمد مقاطعتهم ويعتذر ثم يعود الى مقاطعتهم. يشتت اذهانهم ويسيطر عليهم اكثر. كانوا صغارا امامه. ما سر علاقته مع طارق عزيز؟ كان طارق عينه في القيادة. طارق ذكي ومحاور وصاحب علاقات. متى شاهدت صدام للمرة الاخيرة؟ اعتقد ان ذلك كان في 1992. في 1993 وكنت سفيراً في تونس استقلت ولم اعد الى العراق. بلغني ان حركة لاغتيال صدام احبطت في 6 كانون الثاني يناير 1990 وان ضباطاً من عشيرة الجبور كانوا وراءها. وهناك قصة غزو الكويت التي لم يكن من الوارد قبولها. جاء طارق عزيز الى تونس وقدم للامين العام للجامعة الشاذلي القليبي مذكرة حول الخلاف مع الكويت. استغرب القليبي المذكرة ووضع خطوطاً تحت بعض عباراتها. كنت حاضرا في الاجتماع. عندما عدنا الى الفندق سألته: "هل ستصعدون الموقف مع الكويت؟". اجاب: "نريد ان نضغط عليهم". قلت له: "وماذا سيكون موقف السعودية؟". فرد بطريقة ملتوية توحي بأن السعودية لن تتدخل اذا مارس العراق ضغوطاً على الكويت. طبعاً لم يكن هناك كلام عن غزو عسكري. هل فرحت عندما سقط نظام صدّام في 9 نيسان ابريل الماضي؟ كنت اتمنى ان يسقط على يد العراقيين لا ان يسقط على يد الاميركيين ونقع تحت الاحتلال. ها نحن نجني الآن ثمار سياسات صدام الرعناء. لقد نصحته مرات عدة. كنت سفيراً في تونس لكنه كلفني بمهمة داخلية. قال انه زار مدينة الحلة وشعر ان الناس غير مرتاحة. كان محافظ الحلة ابن عمه وشقيق علي حسن المجيد. هاشم حسن المجيد رجل سيئ جداً. ذهبت، وسمعت الكلام عن التجاوزات والاعتداءات. كلفني مع اخي ياسين الذي كان سفيراً في الجزائر ان ننقل اليه فكرة عن اوضاع الحلة. بعد اسبوع استقبلنا وشرحت له الوضع. كان ذلك قبل شهور من حرب الخليج الثانية. قلت له: "سيادة الرئيس، كلفتني مهمة وها انا قمت بها. هل تريد ان اقول ما يرضيكم ام الواقع كما لمسته؟". اجاب: "اريد الواقع كما هو". تحدثت عن التجاوزات من قبل حزبيين وموظفين وامنيين. ثم سألته: "سيادة الرئيس الا تصلك هذه الصورة من الاجهزة المعنية". أجاب: "لا تصلني". فقلت: "آن الاوان سيادة الرئيس ان تقطع رؤوس من يتجاوزون على اعراض الناس وحقوقهم واملاكهم، وإلا فإن الوضع على درجة من الخطورة". طبعاً لم يأخذ بالنصيحة. هل يحب صدّام المال؟ المال متوافر. ليس لديه هذا الهم لكنه يستخدم سلاح المال لشراء الولاءات. عملت سفيراً في سويسرا وجاء برزان؟ انا كنت سفيراً لدى سويسرا أي في برن. جاء برزان الى جنيف. لم يشعر بالراحة لوجودي فنقلت الى تونس. وجاء عدي الى جنيف؟ نعم. قتل عدي كامل حنا ججو الرجل المرافق لصدام. تدخلت ساجدة ومعها شقيقها عدنان خير الله فأخرجه صدّام من السجن وارسله إلى سويسرا. في البداية كان عدي مهتماً بتأدية الصلوات. لاحقاً عاد الى اسلوبه وراح يتنقل بين المقاهي ويرتكب تجاوزات. صارت عودته الى العراق افضل. عدنان خيرالله كانت شخصيته مختلفة؟ نعم. كان وزيراً للدفاع وعسكرياً محترفاً. كان صاحب رصيد في الجيش وخارجه. برزان كان مهماً كرئيس للاستخبارات؟ نعم لكنه كان طموحا اكثر من اللازم. هذا الطموح اثار استياء صدّام. ذات يوم كانوا يخاطبونه في الاستخبارات بعبارة السيد الرئيس. عرف صدام فعلق على ذلك بالقول: "في العراق رئيس واحد". بعدها قلم صدام اظافر برزان وصادر أمواله. وارسله مندوباً للعراق لدى منظمات الاممالمتحدة في جنيف. هل كان صدّام يقتل بيده؟ لم اسمع بذلك. عندما كان شاباً قتل سعدون التكريتي ثم قتل شخصاً آخر. لا اعتقد انه كان يحتاج الى القتل بيده وان تكن شخصيته توحي بأنه لا يتورع عن ذاك. ما هو الوجه الاخطر في شخصية صدّام؟ لعل اخطر ما فيه شعورة العميق انه يشكل فرصة لا تتكرر للعراق والأمة العربية. من يقترب منه ويراقبه يستنتج ان الرجل مصاب بحالة مرضية من الافراط في الثقة بالنفس. ينتمي صدّام الى مدرسة في التفكير قديمة تركز على دور القائد الاستثنائي ولا تعير اهتماماً للمؤسسات والديموقراطية وآراء الناس. طبعاً لا يؤمن صدّام بصناديق الاقتراع ولا بالحكام الذين يأتون منها ويذهبون بقرار منها ايضاً. كان يعتبر حكام الانظمة الديموقراطية ضعفاء لا يمتلكون القدرة على القرار لخوفهم من عنوان في صحيفة او من احزاب او نقابات. اعتقد ان ما كان يفعله للعراق عظيم واستثنائي وبالتالي فإن دور العراقيين ان يدعموه بلا تحفظ لا ان يسألوه ويجادلوه. طبعاً علينا ان نتذكر ان صدّام اقام في القاهرة يوم كان جمال عبدالناصر زعيما على المستوى العربي. لا اريد الخوض في الفروقات والتفاصيل. ربما تلك الاقامة ضاعفت عطشه الى دور كبير. شخصيته صعبة ومعقدة. يمكن مثلا ان يكون عادلاً الى ابعد الحدود اذا اقتنع وان ينزل عقاباً شديداً بأقرب الناس اليه. ويمكن ان يتسبب بأذى بالغ نتيجة اقتتناعه بأمر ورفضه تغيير قناعته. في بداياته كان شابا متحمساً ونشطاً. تمكن من استقطاب كثيرين داخل الحزب وخارجه. ماكينته الدعائية كانت كبيرة. مشكلته انه انفصل عن الناس وراح يراهن على القوة وحدها. شعوره انه دائما على صواب دفعه الى اتخاذ قرارات خطيرة. في موضوع السلطة لا يتساهل ولا يتهاون ولا يؤجل. كان يعتقد ان لديه قدرة على استشعار الاخطار المحتملة ومعالجتها في مهدها قبل استفحالها. هذا الاسلوب اغرق العراق في بحر من الخوف خصوصاً حين اتخذ صدّام قرارات بالغة الخطورة من نوع الحرب على ايران. غداً الحلقة الاخيرة