الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إطلالة على الزمن القديم    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس السابق لأركان الجيش العراقي فتح ل"الحياة" دفاتر الحاضر والماضي . الخزرجي : خرجت لأشارك في التغيير ومئات الضباط مستعدون للتحرك والحل حكومة مدنية من الداخل ودور الجيش دعمها وحماية الاستقرار الاخيرة
نشر في الحياة يوم 02 - 12 - 2002

ما اصعب ان تكون جنرالاً. فالقيادة فرصة وعبء في آن. وما أصعب ان تكون جنرالاً في بلد يملك رجل واحد فيه حق دفع البلاد الى حرب. وما اصعب ان تكون جنرالاً في عهدة القائد العام الممسك بكل الخيوط والقابض على كل الحقائق والمصائر.
وقصة الفريق ركن نزار الخزرجي تروي قصة عقود من عمر العراق. ويقول الرجل الجالس في المنفى ان الحلم الاخير لديه هو رؤية عراق ديموقراطي مزدهر يعيش كسائر الدول، ولشعبه ما لسائر الشعوب من حقوق وتطلعات.
ولد نزار الخزرجي في 17/11/1938 في الموصل في عائلة عسكرية. والده عبدالكريم كان عميداً في الجيش، وعمه ابراهيم فيصل الانصاري تولى رئاسة الاركان 1967 - 1968. دخل الكلية العسكرية في 1955 وتخرج في 30 حزيران يونيو 1958 قبل اسبوعين من الثورة التي غيّرت وجه العراق.
لقاؤه الاول مع صدام حسين كان في موسكو في 1971. راجع السيد النائب بخصوص مشكلة عمه الذي حكم بالاعدام فوعده، وقال صدام لمعاون الملحق العسكري ان البلاد تحتاج الى امثالك من الضباط. عاد نزار الخزرجي وحلّ صدام مشكلة عمه الذي أُطلق بعد اسبوعين.
شارك في حرب 1973 في الجولان وتسلّم قيادة لواء وفرقة. ثم بدأ عهد صدام حسين واندلعت الحرب العراقية الايرانية التي حسمت في عهده في رئاسة الاركان.
وهنا نص الحلقة الاخيرة.
أخرجك صدام من رئاسة الاركان بعد غزو الكويت ثم استدعاك مجدداً بعد اندلاع الحرب؟
- كلفني صدام حسين ان اذهب الى الجنوب لتشكيل خط دفاعي على نهر الفرات، خاف ان تتقدم قوات التحالف الى الناصرية بعدما تمكنت من احتلال قاعدة علي بن ابي طالب الجوية القريبة. كلفني هذه المهمة وابلغني ان الفيالق الخمسة التي ستنسحب من الكويت ستوضع اتحت امرتي.
مساء 27 شباط فبراير وصلت الى الناصرية
وكان تم التوصل الى وقف اطلاق النار. وهنا بدأت قصة اخرى. في الاول من آذار مارس على ما اذكر، جاءني محافظ الناصرية الى مقري في اطراف المدينة وقال ان السكان تمردوا في ناحية الفهود في اهوار الجبايش وقتلوا مدير الناحية وعناصر حزبية. واخبرني لاحقاً ان الثوار سيطروا على كرمة بني سعيد وبعدها على قضاء سوق الشيوخ واقتحموا دار القائمقامية وقتلوا القائمقام وعناصر حزبية وان تصفيات تحصل.
كنا في الناصرية في حدود 23 ضابطاً وجندياً. الوحدات التي كان مقرراً ان تلتحق بنا لم تصل. قصفت القوات المنسحبة من الكويت وكانت الجسور محطمة. في اليوم التالي وصل المشاركون في الانتفاضة الى الناصرية وقتلوا المحافظ واعضاء قيادة الحزب فيها، هوجم مقرنا، علماً اننا لم نقاتل، واصبت بأربع رصاصات في بطني. اندلعت النار في المبنى ونقلني الضباط الى السطح مغمياً عليّ. بعدها توصل الضباط الى تسوية مع مهاجمي المقر ونقلت الى مستشفى صدام في الناصرية حيث خضعت لعملية جراحية. كان وضعي الصحي سيئاً جداً نتيجة تسمم الجرح.
في الثامن من آذار مارس وصلت وحدات من الحرس الجمهوري، ففر الثوار من المدينة ونقلت الى بغداد بطائرة هليكوبتر. ادخلت المستشفى العسكري ثم مستشفى ابن سينا الخاص بكبار المسؤولين.
الرئيس والجنرال الجريح
زارني صدام في المستشفى يرافقه سكرتيره عبد حمود. اراد ان يستفسر عما حدث وكان وضعي الصحي سيئاً وحالتي النفسية سيئة. كلّمته بشدة. سألته لماذا كل هذا الذي يحدث؟ ألم أبلغك ان العراق سيدمر؟ لماذا يهاجمنا الناس؟ لماذا يهاجمنا الفلاحون؟ ولماذا يهاجمنا جنود هاربون؟ لماذا كل الناس ضدنا؟ ولماذا حل بالجيش ما حلّ به؟
بدا صدام متأثراً وفي وضع سيئ كان يكتفي بالرد بعبارات قصيرة من نوع يمكن في مثل هذه الظروف ان يحدث ما يحدث؟ الحقيقة انه ما كان ليقبل مثل هذا الكلام لو لم يكن الوضع كارثياً ولو لم اكن مصاباً. مكث صدام نصف ساعة وبعدما طلب من الاطباء الاهتمام بي غادر المكان. امضيت شهرين في المستشفى وبعدها نقاهة لخمسة اشهر.
ومتى التقيته لاحقاً؟
- حين كنا ندعى في المناسبات الوطنية والاعياد. باستثناء ذلك لم اداوم في اي مكتب لا في الرئاسة ولا الحزب. لم يتعلم صدام من العبر وازداد الوضع تدهوراً فشعرت ان العمل الوحيد المجدي هو العمل لتغيير النظام برمته.
هل تعتقد بأن الحرب الاميركية على نظام الرئيس صدام حسين حتمية؟
- يخيّل لي ان ثمة قراراً اميركياً واضحاً بإطاحة صدام وهو ما يقدم مؤشرات الى ان الصدام حتمي. لأميركا اهداف استراتيجية كبرى وموقع العراق مهم.
هل الحرب الاميركية هي الحل؟
- الحل في نظري ممارسة ضغوط اميركية ودولية لتمكين الجيش والشعب من الانتفاض. وهنا أُثمّن ان يحصل تغيير في الخطاب الاميركي. بحيث يتركز على وحدة العراق ومساعدته على بناء نفسه حين يأخذ الشعب والجيش المبادرة لاسقاط النظام بدلاً من العبارات الشائعة الحرب على العراق وضرب البنية التحتية وادارة العراق وغيرها.
على الجميع ان يتذكروا ان العراق بلد صعب وان الحل الحقيقي يأتي من الداخل ومع دور لضغوط الخارج.
ألا تعتقد ان التغيير يستلزم وجود عسكري على رأس السلطة؟
- لا ارى ابداً اي حاجة الى وجود عسكري على رأس السلطة. دور القوات المسلحة يجب ان يكون دعم الحكومة التي ستواجه اعباء كثيرة. ان دور الجيش هو دعم عملية الانتقال هذه.
افهم ان مجيء جنرال لا يشكل حلاً؟
- نعم. يجب الاقلاع عن تكرار هذه النظرة الممجوجة وغير المقبولة لا من الداخل ولا من العالم. الجيش يجب ان يعرف دوره وهو الدفاع عن الوطن وحماية السلم والاستقرار عن طريق دعم الحكومة والتزام القوانين. والحكومة التي ستتولى السلطة بعد صدام يجب ان ترتكز على قوى الداخل وان تكون واسعة التمثيل والعراق غني بالطاقات والكفاءات.
ماذا سيحل بالجيش العراقي اذا اندلعت الحرب؟
- سيمزّق الجيش وسيمزق العراق وستحصل فاجعة للعراق وربما للمنطقة. سيحدث تغيير رهيب تمتد آثاره الى المنطقة. ليس هناك حتى الآن صورة واضحة لما يمكن ان يحدث بعد الحرب. لذلك ادعو الى ان يكون الحل عراقياً مسنوداً من المجتمع الدولي والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
تعتقد ان الحرب مخيفة؟
- مرعبة. التغيير الذي ادعو اليه ممكن بالحد الادنى من الخسائر. اعتقد بأن القوات المسلحة ستتخلى سريعاً عن ولائها لصدام حسين.
كيف تقوّم قدرات الجيش العراقي حالياً اذا شنت الولايات المتحدة حرباً؟
- الحل الاضمن والاسلم هو الحل العراقي. انا ادعو الى ان يقوم الجيش العراقي والشعب بإطاحة النظام. وبحكم معرفتي بالمؤسسة العسكرية ارى ان الامر ممكن اذا تغيّر الخطاب الاميركي والغربي. الخطاب الاميركي يسير في اتجاه غير صحيح. تعابير الحرب على العراق وتدمير البنية التحتية وتدمير القوات المسلحة العراقية واسقاط صدام بحرب شاملة. صحيح ان حرباً من هذا النوع تسقط صدام لكنها تسقط ايضاً العراق شعباً ودولة. ان حرباً شاملة ستؤدي الى تمزق البلد والى اصابات تلحق اضراراً بأجيال. الخسائر والاشعاعات، انا اقترح ان يوجه الخطاب الاميركي والغربي في اتجاه ان العالم سيدعم العراقيين شعباً وجيشاً لاسقاط صدام حسين وبناء عراق موحد وان الولايات المتحدة ستعمل على ابقاء ثروات العراق للعراقيين وستعمل مع المجتمع الدولي على رفع الحصار والعقوبات وتأكيد وجود عراق ديموقراطي يلتزم المواثيق الدولية. هذا الخطاب سيلقى الصدى لدى القوات المسلحة والشعب العراقي مع ابقاء سيف التهديد الاميركي والدولي مسلطاً فوق صدام لكن على ان نقوم نحن بإطاحة النظام.
هل لديكم القدرة؟
- أنا واثق اننا فور وضع أقدامنا في الأرض العراقية ستنضم الوحدات العسكرية إلينا. أنا كنت اريد الحصول على وثيقة سفر للتوجه إلى شمال العراق. الوقت يضغط وعلينا أن نتحرك. وربما لهذا السبب تصاعدت الحملة ضدي. صدام يهمه تماماً أن لا أكون هناك. انه يخشى المعارضة، لكن خشيته الكبيرة هي من القوات المسلحة التي يعرف رصيدنا فيها. وهناك عدد كبير من الضباط والعسكريين على استعداد لأن نعمل معاً ونشق طريقنا بالقتال إلى بغداد. أنا واثق من التفاف آلاف الضباط في الداخل حولنا فور أن تطأ أقدامنا أرض العراق.
أفهم انك مستعد لقيادة عملية عسكرية انطلاقاً من شمال العراق؟
- مستعد للقيام بدوري في احداث التغيير. أنا اعرف الجيش. إذا تحركت قطعة عسكرية واحدة سيلتف الناس حولها. وحين يلتحم الجيش مع الجماهير لا تستطيع أي سلطة مواجهته.
هل هناك مؤشرات تململ داخل الجيش العراقي؟
- أعود وأقول إن الجيش جاهز للقيام بهذا الدور، إذا تغير الخطاب الأميركي والدولي وطمأن العراقيين إلى مستقبل بلدهم.
هل لديك شعور بالخيبة مما رأيته من المعارضة في الخارج؟
- أنا خارج هذه الاطر. اعتقد بأن القوات المسلحة تمثل كل الشعب العراقي. وأعتقد أيضاً أن على القوات المسلحة أن تكون بعيدة عن السياسة بعد صدام. أقول هذا على رغم علاقاتي المتميزة مع قوى موجودة على الأرض، خصوصاً القوى الكردية التي نثق بها وتثق بنا، وهي تعتقد أننا يجب أن نكون معاً لتفادي الأخطار والنزاعات.
تصوّر ماذا يحدث. قيادات الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة الأستاذ مسعود البارزاني وقيادات الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الأستاذ جلال طالباني وحزب الوحدة الإسلامي الذي ضرب بالأسلحة الكيماوية في حلبجه، كل هذه القوى بعثت برسائل إلى وزير العدل الدنماركي تؤكد أن لا علاقة لي بما تعرض له الأكراد. وتؤكد الرسائل أن المسؤول هو صدام حسين وابن عمه علي حسن المجيد، وان لا علاقة لنزار الخزرجي المعروف عنه معارضته للعنف وأن أجهزة النظام وراء الحملة. وعلى رغم هذه الرسائل من قادة الشعب المعني تستمر الحملة من المرتبطين بالنظام ومن مجموعات متطرفة تكره كل رجل جاء من الجيش.
من يفترض أن يقود التغيير؟
- أرى أن التغيير يجب أن تقوده حكومة انتقالية مدنية من العناصر الوطنية في الداخل، وأن تكون ممثلة لكل الطوائف والاتجاهات. وأرى أن تدعم القوات المسلحة هذه الحكومة لإزالة آثار المرحلة السابقة وما أحدثه صدام، وإعادة العلاقات مع دول المنطقة والعالم وإعادة بناء المؤسسات الدستورية واعطاء الحرية للأحزاب والصحافة وبناء قضاء مستقل. وهذه الفترة قد تستمر عامين ثم يذهب الشعب إلى صناديق الاقتراع لاختيار برلمان عراقي حقيقي.
وماذا عن الموضوع الكردي والفيديرالية؟
- أنا كعربي اعتز بقوميتي وكذلك العراقي الكردي والتركماني. يجب أن يمنح العراقيون حقوقاً متساوية، أي أن يكون الناس كأسنان المشط في ظل نظام ديموقراطي. وأنا أؤمن أن النظام المركزي متخلف. العالم اليوم يعيش عصر اللامركزية. يجب أن يترك للشعب العراقي أن يقرر أي نوع من اللامركزية.
والحل الفيديرالي؟
- أي صيغة يعتبرها الشعب العراقي هي الأفضل يمكن أن نسير بها. اللامركزية واسعة الحدود وتصل إلى حد الفيديرالية. يجب أن يكون هناك مشروع دستور واضح يطرح على الشعب ويقر ويبنى المستقبل على أساسه. أنا لا اضع حلولاً، أنا أتحدث في مبادئ عامة. الحلول يضعها الشعب. من يرسم حلولاً جاهزة يضع نفسه مكان الشعب.
هل تعتقد بأن أي حكومة انتقالية تشكل في حال سقوط نظام صدام يجب أن تضم أساساً عناصر من الداخل؟
- نعم، يجب أن تضم القوى التي عانت واضطهدت والتي لا تزال تعايش اليوميات العراقية دقيقة بدقيقة. حتى نحن الذين خرجنا منذ سنوات قليلة نشعر أحياناً بوجود مسافة تبعدها عن تطور الأحداث. هناك في الداخل شخصيات ممتازة يمكن أن تشكل أعمدة حكومة وطنية في الداخل.
هل تعتقد بأن نظام ما بعد صدام حسين سيواجه مشكلة مع الاصوليين العراقيين؟
- أي تغيير غير مسيطر عليه في العراق يحمل معه إمكان تفجر صراعات كبيرة بين فئات مختلفة قومياً أو طائفياً، هذا عدا عن تصفية الحسابات السابقة. أي فراغ ينذر بجملة حروب لا أول لها ولا آخر. ومثل هذا التقاتل في العراق قد يترك آثاره خارج حدوده.
تشدد على أن من مصلحة العراق والمنطقة أن يطاح النظام من الداخل؟
- هذا أكيد. إذا كان ما ينتظر العراق هو الخير، آمل أن يتحرك الشعب والجيش لإزاحة صدام قبل أن يضرب. اقول صادقاً انني أخشى من أن تؤدي الضربة الخارجية إلى تمزق العراق تمزقاً كاملاً واصابته بنكبة لأجيال. إذا قصم ظهر الجيش العراقي، فإن صراعات دامية ستنفجر والتجارب السابقة معبرة. ما لم تكن هناك سيطرة على عملية التغيير ستكون هناك فوضى وسيكون هناك اقتتال وتصفيات على الهوية.
هل تخشى من أدوار للدول المجاورة داخل العراق اذا ضعف؟
- بصراحة، العراق اليوم يعيش بلا سيادة أو استقلال أو كرامة. موضوع تحت الانتداب الكامل بقرارات أممية. لقد خسر العراق استقلاله وسيادته وهو ممزق عملياً. ما بقي هو رجل على كرسي الرئاسة اسمه صدام حسين يمسك بالاجهزة الأمنية.
هل أعجب العراقيون في البداية بصدام حسين؟
- نعم، في المراحل الأولى رأوا فيه شاباً متحمساً متعلقاً بالمثاليات. كثيرون اعجبوا به ورأوا فيه القائد المقبل الذي يحتاجه العراق. كانوا يفضلونه على أحمد حسن البكر. كان صدام يستقبل ويحاور ويشارك في مؤتمرات. يجب ألا ننسى ان العراق أمم النفط وازدادت المداخيل وحلم الناس بالرخاء واعتقدوا بأن صدام رجل بناء.
هل كان البكر محبوباً داخل الجيش؟
- لم تكن لدى البكر الكاريزما الموجودة لدى صدام. كان متحفظاً ويخشى على البلد والجيش. ولا يغامر. كان نظيف الكف يعيش من راتبه وفرض الانضباط على أولاده وأبعدهم عن التجارة. كانوا يقدرو نزاهته.
في الثمانينات، كانت العلاقات متوترة بين سورية والعراق، هل تخوفتم من اندلاع حرب؟
- كان هناك توتر في العلاقات بفعل حساسيات حزبية قديمة أضيفت اليها خلافات حول الأدوار وحول الموقف من ايران ما بعد سقوط الشاه ومسائل أخرى. لم يكن الخلاف سراً، لكن الأمر لم يصل الى حد التسبب بحرب. نحن في الأساس لم نكن نتصور ان يقاتل الجيش العراقي يوماً بلداً عربياً. لهذا السبب بدا غزو الكويت غريباً، اذ ان هذه الأساليب لا تتوافق مع الشعارات التي رفعت سابقاً.
في أواخر الثمانينات قدم العراق دعماً عسكرياً لأطراف كانت تناهض الوجود العسكري السوري في لبنان؟
- هذا الملف كان في عهدة الاستخبارات والرئاسة ولم تكن لنا أي علاقة بإدارته أو التعامل معه. عادة هذا النوع من الملفات الخارجية من صلاحية الاستخبارات وبإشراف الرئاسة. عرفنا ان دعماً يقدم لتعزيز موقف العماد ميشال عون وأطراف اخرى ضد سورية. الواقع ان الأمر كان يتعلق بصراع عراقي - سوري على أرض لبنان. وللأسف تقاتل اللبنانيون بسبب مشاكلهم كما تقاتلوا نيابة عن الأطراف الخارجية.
كانت علاقة صدام حسين قوية بياسر عرفات؟
- نعم. عرف ياسر عرفات شخصية صدام حسين ونقاط الضعف فيها وكان يخاطبه بما يناسب لجعله سخياً. كان يسميه القائد ويتحدث علناً عن دخول القدس معاً على حصان ابيض لتأدية الصلاة في المسجد الأقصى. وكان صدام يشعر بزهو كبير.
هل كان صدام راغباً في خوض حرب ضد اسرائيل؟
- طبعاً، موقف صدام المعلن من اسرائيل معروف. لكن حتى ولو كان راغباً فإن الفرص انعدمت بعد الحرب العراقية - الايرانية. كلامه العام هو انه لا يعترف باسرائيل ويدعو الى إزالتها.
هدد ذات يوم بإحراق نصف اسرائيل؟
- هذه للأسف كانت بداية استدراجه الى الاصطدام بالإرادة الدولية. نقلت أطراف الى صدام حسين معلومات تفيد ان اسرائيل ستقصف مؤسسات التصنيع العسكري، فرد بتحذير اسرائيل قائلاً انه في حال ضربت اسرائيل مؤسساتنا العلمية والصناعية سيحرق نصف اسرائيل. منطق التصعيد هذا أوصل الى غزو الكويت، وكانت تلك التحذيرات بداية الصدام مع الغرب.
طائرة عدنان خيرالله
ما هو حادث الطائرة الذي أودى بنائب القائد العام وزير الدفاع الفريق أول ركن عدنان خيرالله في 1989؟
- كان عدنان خيرالله ضابطاً محترفاً وصاحب رصيد في الجيش وبينه وبين كثير من الضباط شعور تقدير متبادل. كان يتبنى الضباط وكانوا يشعرون بالأمان بسبب وجوده. عدنان خيرالله شقيق زوجة صدام ساجدة وابن خاله. وفي الحرب العراقية - الايرانية اهتم بالجيش بحكم موقعه وكان عملياً الرجل الثاني. ابتداء من العام 1986 راحت الصورة تتبدل. حسين كامل صعد وتزوج ابنة الرئيس ووسع صلاحياته ليحتل موقع الرجل الثاني ساعياً الى ابعاد صدام، قدر الإمكان، عن عدنان. سعى فعلياً الى احداث فجوة.
ذات يوم في 1989 عقد اجتماع في وزارة الدفاع لكبار العسكريين. دخل ضابط وسلم وزير الدفاع كتاباً من القائد العام. كانت هناك في وزارة الدفاع هيئة علمية لضباط علماء مرتبطة بوزير الدفاع وتهتم بتطوير الأسلحة. جاء في مضمون الكتاب ان على كل أعضاء الهيئة الالتحاق خلال 24 ساعة بهيئة التصنيع العسكري والالتحاق بملاكها ايضاً، وتصبح علاقتهم مع حسين كامل. اعتبر وزير الدفاع الخطوة بمثابة ضربة فانفعل وبدأ القول: "ما هذا العمل؟ سيخرب الجيش والبلد، ماذا يفعل صدام حسين؟". قلت له: "سيدي لو سمحت رجائي ان لا يكون هذا الكلام أمام الضباط فقد ينقله أحد ويحدث مزيداً من التباعد". نحن كنا نريده ان يبقى وكنا نعتبره ضمانة.
ذهبت الى مكتبي واذ بعدنان يلحق بي ويقول: "ما الذي يجري، ومن هو حسين كامل؟ هذه خطوات تدمر البلد، هذا الشيطان سيدمر الجيش. انت عاقل يا صدام حسين فكيف يلعب بك هذا الشخص؟ كيف يُصدر أمراً بإلحاق كل علماء وزارة الدفاع بحسين كامل؟". طبعاً هذا الكلام خطير في بلد مثل العراق. قلت له: "يا سيدي أرجوك، ان كان هناك شيء فتكلم معه الرئيس ولا تتكم امام الآخرين. نحن نريدك ان تبقى سنداً لنا" فأجاب: "يا فريق نزار هل يتركني حسين كامل أراه. لا يخليني أشوفه من خلال زوجته. هل تتصور انني أقدر ان أراه دائماً؟".
هذه حادثة شهدتها انا وهي تدل كم كانت العلاقات متشنجة بين صدام حسين ووزير الدفاع بسبب حسين كامل. ذات يوم ذهب صدام مع العائلة الى مصيف في الشمال وذهب عدنان خيرالله. وحصل كلام في هذا اللقاء وتضمن نوعاً من التراضي. استقل عدنان خيرالله طائرة هليكوبتر وعاد الى بغداد فسقطت الطائرة. انا هنا لا استطيع ان اجزم ما إذا كان الطقس السيئ هو السبب أم ان عدنان خيرالله راح ضحية قصة مدبرة.
أحدث موت عدنان خيرالله صدمة في صفوف الجيش والمدنيين. كان شخصاً جيداً ويحب الخير. الضابط الجيد لا يكون مؤذياً ودموياً. هذه الممارسات للمتسلقين بلا كفاءة.
لماذا اتخذت قرار الخروج في 1996؟
- كنت اتوقع بعد النكبة التي حلت بالعراق بفعل اجتياح الكويت ان يعيد صدام حسين النظر في مواقفه وسياساته. كل ذلك لم يحدث، وصلت الى قناعة ان الرجل لم يفهم الدرس ومستمر في اسلوبه وازداد عنفاً. اجرى استفتاء وكانت النتيجة 99.99 في المئة اي ان اربعة آلاف شخص لم يصوتوا له. تصور انه على شاشة التلفزيون قال انه بعد اعلان النتائج يأمل ان يكون هؤلاء الاربعة آلاف يكونوا فهموا الآن. شعرت ان واجبي تجاه بلدي يلزمني بالتفكير في تغيير في العراق وان الخروج صار حتمياً.
خطة الخروج
كيف خرجت؟
- تبلورت الفكرة قبل ستة اشهر من موعد التنفيذ. اعتقد ان بيتي كان مزروعاً بالميكروفونات لهذا كنا نتعمد الصعود الى السطح والهمس هناك للتفكير والتخطيط. الحقيقة ان عدداً من الضباط تركوا العراق قبل ذلك واقاموا في انحاء مختلفة وبعضهم في الاردن. اعتبر هؤلاء ان العمل للتغيير يستلزم وجود شخصية عسكرية معروفة وذات رصيد داخل الجيش، ورأوا انني الشخص المناسب. اتصل هؤلاء بجهات كانت لهم علاقات بها فباركت واقترحت عليهم مفاتحتي بالامر. انها جهات دولية.
كنت حاولت في 1995 ارسال ابني الى الخارج للاتصال ببعض العناصر. لدى وصوله الى الحدود اخرجت عناصر من "الامن الخاص" قائمة سرية بالممنوعين من السفر وكان اسمه فيها بوصفه ابن احد المسؤولين. لم يتمكن من السفر. حصل الاتصال من خلال زوج ابنتي الصغرى المقيم حالياً في الولايات المتحدة. ابنتى الصغرى تمكنت من المغادرة على اسم زوجها. جاء صهري وقال ان هناك مجموعة من الضباط العراقيين في الخارج يريدون القيام بعمل في العراق، ولديهم تفاهمات مع جهات دولية، وينتظرون ردك اذا كنت مستعداً. شعرت انني كعسكري عليّ ان اتابع تنفيذ واجبي تجاه وطني، فوافقت وبدأت التخطيط للخروج. وخرجت في 14 آذار مارس 1996.
وطريق الخروج؟
- كانت الرقابة شديدة فعلاً. وكان علينا ان لا نثير اي شبهة. في المرة الاولى اتفقت مع ابنائي على سيناريو يقول اننا سنذهب لزيارة شخص وقد نتأخر قليلاً. وطبعاً عرف الحرس وكان يهمنا ان يعرفوا. ذهبنا في ذلك اليوم لكن خطأ في التوقيت حال دون التقائنا بمن كان يفترض ان ينتظرنا. اضطررنا الى العودة الى البيت. ترافق ذلك مع عودة حسين كامل من الاردن. وساورتني مخاوف من ان يكون تمكن من معرفة شيء وعاد ليبلغ. ثم سمعنا نبأ مقتله فتبين ان مخاوفنا غير صحيحة. بعد ثلاثة اسابيع اسمعنا الحراس ان قريباً لنا توفي في منطقة ديالى وان علينا القيام بواجب العزاء.
ذهبنا في سيارتين وقمنا بحركات تمويه ثم اتجهنا شمالاً الى الموصل. اعتقد الحراس انني ذاهب للتعزية وسأعود وكنت ابلغتهم ان التقاليد العربية قد تفرض بقائي يومين في ديالى. وصلنا الى الموصل وهناك التقينا بأحد المسؤولين وانتقلنا الى عقره في المنطقة الكردية. لم نحمل معنا اي ورقة او وثيقة او جواز سفر حتى لا نثير الشبهات في حال توقيفنا.
امضينا ليلتين في عقره وانتقلنا بعدها الى زاخو ثم الى تركيا وفي 21 من الشهر نفسه وصلت الى عمان.
من التقيت في كردستان؟
- لا اريد الخوض في الاسماء. لا اريد ان يتأذى احد بسببي. خرجت عبر المنطقة الكردية وبحماية.
كيف استقبلت في الاردن؟
- كان موقفهم جيداً، أمنوا لي مسكناً وحراسة. بقيت حوالي سنتين، تعرضت لخمس محاولات اغتيال، اكتشفت قبل تنفيذها باستثناء واحدة حين مرت سيارة واطلقت النار على مقر اقامتي والحمد لله لم يصب احد. في 1998 صار واضحاً ان عليّ ان اغادر الاردن فقد كانت المخابرات العراقية ناشطة. اصر رفاقي ان اغادر، فذهبت كي لا يخطف احد اولادي وأجد نفسي في وضع صعب. ذهبت الى اسبانيا وبقيت حوالى ستة اشهر. ذات يوم اتصل بي مسؤول في المخابرات الاردنية وقال ان فريق اغتيالات عراقي وصل في اليوم نفسه الى اسبانيا لاغتيالي. طالبني ان اغير مقر اقامتي فوراً ففعلت ثم غادرت الى الاردن. مرة جديدة بدأت الملاحقة في الاردن فجئت في 1999 الى الدنمارك.
هل جرت معك بعد خروجك اتصالات من جهات عربية ودولية؟
- حصلت اتصالات لكن الاتجاه العام اقليمياً ودولياً كان الى احتواء صدام حسين لا اسقاطه. لم يتحقق الهدف من خروجي ما ولّد لدي خيبة كبيرة. انا خرجت للعمل على اسقاط النظام.
هل عرض عليك صدام العودة؟
- لا، اتصلت اجهزته اكثر من مرة. مارست الترغيب والترهيب واطلقت تهديدات لكنهم يعرفون انني ايضاً من الرؤوس الحامية.
هل تتوقع العودة الى العراق قريباً؟
- نعمل من اجل العودة. هناك جهد جيد عسكرياً وسياسياً. هنا جاءت الاتهامات الملفقة ضدي لمنعي من التحرك وممارسة دوري. معلوماتي الاكيدة ان اطرافاً مرتبطة بالنظام عربية وكردية وراء هذه الاتهامات ضدي. وللأسف فإن الجهات المعنية في الدنمارك تأخذ في الاعتبار هذه الاتهامات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.