سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عضو مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية السابق يروي قصة صدام حسين على خط الزلازل ... القصر او القبر . صلاح عمر العلي : انفجر عدنان خيرالله في القصر وحمل الرئيس مسؤولية الكوارث صدام قبل سنة من اندلاع الحرب : سأكسر رأس الايرانيين واسترجع كل شبر 5
في ذلك اليوم غمرته البهجة. قال لمعاونيه بمزيج من الكبرياء والشماتة: "عشت حتى سمعت الخميني يتحدث عن تجرّع السم وقبول وقف النار". وفي الليل راح يتمشى في مكتبه. استوقفته المرآة حدّق في ثيابه العسكرية وابتسم. ذات يوم طرق باب الكلية العسكرية فرفضوه. طرق ثانية فكرروا موقفهم. مساكين. قالها شامتاً. ها هم الجنرالات يتقاطرون وينحنون. يبعد جنرالات ويخترع جنرالات. ينفث دخان سيجاره. لم تذهب سدى تلك الرصاصات التي سددها الى سيارة عبدالكريم قاسم. لم تذهب سدى تلك اللكمات التي وجهها الى الشيوعيين في الجامعة. لم تكن الاقامة في "جهاز حنين" مضيعة للوقت. ولم يكن تسلمه دائرة العلاقات العامة بعد 7 تموز يوليو 1968 فقد كانت التسمية تعني الاشراف على الامن والاستخبارات. تهجم عليه الذكريات. في السجن كان يقلّب الكتب، قرأ سير الكبار ومذكراتهم. قرأ لينين وستالين فأحب الثاني. اخضع الجنرالات بلا رحمة. طهّر الجيش وطهّر الحزب. يشم رائحة المؤامرة قبل ولادة خيوطها. يقرأ في العيون فيفضح الخيانات المحتملة. اول الدواء الكي ولا مبرر للانتظار. اعدامات. اعدامات. اعدامات. يضحك قصة ستالين تشبه قصته. كبر في ظل "الأب القائد" ثم حانت ساعته. السلطة وليمة يقطفها جائع كبير دعاه التاريخ الى التهامها. لا حلفاء ولا شركاء. امرأة موتورة مثقلة بالمناجم. تخطفها او يخطفها الآخرون. وتستحق الوليمة هذا الدم المتراكم تحت الطاولة واجساد الرفاق المثقوبة في بغدد او عواصم بعيدة. يسخر من الوسطاء والناصحين. قدره هو قدره القصر او القبر. * * * سألت صلاح عمر العلي، العضو السابق في مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية للحزب، عن الحرب العراقيةالايرانية فكشف ما دار بينه وبين الرئيس صدام حسين قبل عام من اندلاعها. ففي هافانا قال صدام: "سأكسر رأس الايرانيين واسترجع كل شبر". وهنا الحلقة الخامسة: لماذا ذهب صدام الى الحرب؟ - اعتقد بأن عاملين لعبا دوراً في هذا القرار. عامل يتعلق بشخص صدام الذي تطلع دائماً الى زعامة تتخطى حدود العراق. وغالب الظن انه اعتبر ان الانتصار على دولة بحجم ايران وإرغامها على اعادة حقوق عراقية سيجعله زعيماً بحجم جمال عبدالناصر وصاحب الكلمة الأولى في المنطقة. العامل الآخر هو اقتناع صدام حسين أو شعوره بأن مغامرته هذه تحظى بالحد الأدنى من الموافقة الغربية في ضوء ما كانت تثيره ايران، ما بعد الشاه، من مخاوف في الغرب. صدام ليس رجلاً ساذجاً ولا بد انه حصل ان لم يكن على موافقة فعلى شيء من التشجيع. فالحرب ضد ايران تحتاج الى اسلحة وذخائر لأن ايران دولة كبيرة بمقاييس المنطقة. صدام يكره ايران؟ - نعم. ويكره الخميني؟ - بطبيعة الحال. اتهام صدام بالمذهبية خطأ ويكره الشيعة العراقيين؟ - هنا سيفاجئك الجواب. اتهام صدام بالمذهبية يخدمه ثم ان الاتهام غير صحيح. صدام لا يفكر بهذه الطريقة. انه يحدد علاقته بالآخرين في ضوء قربهم من شخصه أو بعدهم عنه وفي ضوء قدرتهم على عرقلة مشروعه. من يشكل عقبة لا يرحمه سواء كان سنياً أم شيعياً. أقول هذا وأنا من تكريت. اعتبر من يتهم صدام بالمذهبية مخطئاً ويخدم صدام أو يدافع عنه. ليست هذه طريقة تفكيره. ثم ان الولاء لانتماء مذهبي ليس عاملاً سلبياً دائماً. تقدير الشخص لمذهبه لا يعني بالضرورة انه صاحب موقف سيء. لكن اجهزته تعتمد على السنة؟ - هذا خطأ يتكرر كثيراً. في الأجهزة الأمنية هناك الشيعي وهناك السني. ربما يتمركز القرار في بعضها في منطقة معينة بسبب الولاء المضمون والمعرفة، لكن القول أن الاجهزة الفاعلة لا تضم شيعة، أو ان نسبتهم ضئيلة جداً غير صحيح. هناك تزوير في هذه المسائل لأغراض معينة. اذا كنت موالياً لصدام يقبلك بغض النظر عن مذهبك. اذا كنت غير موال لن يقبلك حتى ولو كنت من عائلته. قتل صدام من تكريت أكثر مما قتل في مدن شيعية. أنا أعتبر اتهامه بالتعصب للسنة خدمة له. مقاييسه مختلفة. قرار الحرب على ايران هل لديك شيء خاص عن الحرب العراقية - الايرانية؟ - سأروي هنا حديثاً كثير الدلالات يظهر ان قرار الحرب ضد ايران كان شبه متخذ قبل عام من وقوعها. في ايلول 1979 عقدت في كوبا قمة لحركة عدم الانحياز وترأس صدام الوفد العراقي، اذ كان تولى الرئاسة قبل شهرين. وشاركت في القمة في اطار الوفد العراقي. وتولى رئاسة الوفد الايراني الدكتور ابراهيم يزدي وزير الخارجية الذي عين في هذا المنصب بعد انتصار الثورة. على هامش القمة عقد لقاء بين صدام ويزدي وكنت حاضراً. كانت العلاقات بين البلدين يشوبها قدر من التوتر. ليس فقط بسبب طبيعة التغيير الذي حصل في ايران وما رفعه من شعارات، بل ايضاً بسبب المناوشات الحدودية بين البلدين. وأقول بإنصاف ان غالبية الاعتداءات كانت تأتي من الجانب الايراني. اعتداءات على مخافر الشرطة العراقية وممارسات استفزازية في شط العرب. في اللقاء جرى بين صدام ويزدي حديث بناء وايجابي ومهم. انتهى اللقاء باتفاق على متابعة الحوار على مستوى رفيع. خرجت لوداع الوزير الايراني وعدت الى داخل مقر صدام الذي سرعان ما خرج الى الحديقة ورافقته. الحقيقة ان المناخ الايجابي للقاء عزز رغبتي في ترسيخ قناعة ان الاشكالات يجب ان تحل بالوسائل السلمية لأنني كنت أدرك مخاطر اندلاع حرب بين العراقوايران التي تفوقه سكانياً بمرات. راودتني رغبة متزايدة ان أعزز لدى الرئيس شخصياً مثل هذه القناعة. واعتبرت أن أجواء الاجتماع تشجع على الخوض في كلام من هذا النوع خصوصاً اننا نتحدث على انفراد. بدأت الحديث عن أهمية الحل السلمي والمفاوضات واللقاءات. وقلت اننا بلدان متجاوران وكل بلد يحتاج الى بناء اقتصاده وتوفير فرص التعليم والعلم لأبنائه. وأضفت ان الحرب ليست الطريق الى حل المشكلات. فهي تعقدها وتضاعفها خصوصاً إذا جرت على خلفية حساسيات تاريخية. كان صدام يستمع الي. والقدرة على الاستماع من صفاته. سنكسر رؤوس الايرانيين عندما انتهيت من كلامي تحدث صدام قائلاً: "يا صلاح انتبه. هذه الفرصة قد لا تتاح مرة كل مئة سنة. الفرصة متاحة اليوم. سنكسر رؤوس الايرانيين وسنعيد كل شبر احتلوه. وسنعيد شط العرب". حدقت فيه وإذا به يضيف: "هذا الكلام عن حل سلمي وحل انساني وتصفية المشاكل مع ايران لا أريده ان يتكرر على لسانك اطلاقاً. حضر نفسك في الأممالمتحدة. اسمع ما أقوله لك. سأكسر رؤوس الايرانيين وأرجع كل شبر من المحمرة الى شط العرب". كان كلام صدام مختلفاً تماماً عن أجواء الاجتماع، وهو بارع عادة في اخفاء ما يفكر به. لقد اعتبر ان أمامه فرصة تاريخية لتأديب ايران التي كانت تعيش صراعات فيما أخذ الجيش يتفكك. شعرت بخطورة كلام صدام وفيه لهجة اندفاع أعمى. كنت أعرف حدودي فأنا أخاطب الرجل الذي فتك قبل شهرين ب54 قيادياً وكادراً حزبياً غداة تسلمه الرئاسة. ومذاك لازمني شعور ان الأمور تندفع في اتجاه الكارثة. بدا واضحاً ان صدام يريد تصفية حسابات تاريخية مع ايران قبل ان تلتقط انفاسها. كما بدا ان الحرب مع ايران تشكل في نظر صدام فرصة لإعلان قيام العراق القوي كلاعب رئيسي في المنطقة واعلان تحول صدام الى اللاعب الأقوى فيها. وفكرت في نفسي كم تغير السلطة في الناس. لم يعد صدام ذلك الشاب الهادئ الذي يصمت ويصغي ويعطي الانطباع انه كرس حياته للحزب. صار المصدر الوحيد للقرار وأصابه غرور مخيف ورهان قاتل على الاحتكام الى القوة وحدها في التعامل مع الداخل والخارج. ماذا فعلت؟ - تمنيت ألا تحصل الحرب لكنها حصلت. لم يعد أمامي أي خيار. وفعلت كمندوب دائم للعراق في الأممالمتحدة كل ما استطيع أن أفعله لخدمة بلدي. كانت المعركة الديبلوماسية ضارية فعلاً في مجلس الأمن وحركة عدم الانحياز والكتلة الإسلامية والمجموعة العربية. كنت أؤدي واجبي، لكنني لم أكن مرتاحاً في الداخل. ورحت أسأل نفسي إلى متى استطيع التعايش مع مشاعري الداخلية هذه. عادت فكرة الاستقالة تراودني. ذهبت إلى بغداد والتقيت كثيرين بينهم صدام ووزير الخارجية. كان ذلك في أيار مايو 1982. قلت للرئيس صدام إن الحرب على وشك دخول مرحلة أخرى. إيران التقطت أنفاسها وبدأت تضغط علينا. هذه الحرب ليست الأولى في التاريخ. حصلت قبلها حروب. فلنبحث في ظروف نجاح الحرب. الدروس تقول إن الشرط الأول لنجاح المعركة هو أن يقاتل الجيش مدعوماً بجبهة داخلية متماسكة. أي جبهة وطنية متراصة تمثل كل القوى والأحزاب والشرائح. هذا الأمر يا سيدي غير متوافر الآن. هل يمكن أن يخوض حزب واحد هذه الحرب. طبعاً كان صدام يسمح لي بالتحدث ليس بصفتي سفيراً بل كعضو سابق في القيادة. قلت إن الرهان الحالي ينذر بخسارة المعركة. كي لا نواجه اندحاراً، أتمنى لو ترعى عملية بناء جبهة وطنية بعد توفير المناخ الضروري لقيامها. كان صدام في تلك الأيام مصاباً بغرور هائل. قادة العالم يتحدثون إليه في الهاتف، فلماذا يقتنع بكلام سفير لبلاده في الأممالمتحدة. كان شديد الغرور إلى درجة العمى الكامل. قال لي: يا صلاح انسى هذا الموضوع بالكامل. نحن لا نحتاج جبهة. ارجوك لا تتحدث في هذا الموضوع. إذا كنت تريد من طرفك ضمان حالة التوازن النفسي فنحن لسنا بحاجة. ثقتنا بنفسنا عالية جداً. الانتصار لنا. سنكسب المعركة. سيندحر الإيرانيون. خرجت مقتنعاً بالاستقالة. والتقيت وزير الدفاع عدنان خيرالله ابن خال الرئيس. صدام قتل عدنان خيرالله ماذا كان موقف عدنان خيرالله؟ - سأقول كلاماً ربما يفسر إلى حد ما لماذا قتل عدنان خيرالله لاحقاً على يد صدام حسين. هل تعتقد فعلاً أن صدام قتله؟ - لا شك لديّ أبداً. عدنان خيرالله كان ضد الحرب وضد سياسة صدام وضد اسلوبه في ادارتها. لنعد إلى اللقاء أين عقد؟ - في القصر الجمهوري نفسه. كانت المفاجأة بالنسبة لي ان عدنان شن هجوماً لاذعاً على صدام وتحدث عليه بقسوة. ماذا قال؟ - قال ما معناه إن صدام شخص لا علاقة له بالجيش والعلوم العسكرية. لا يعرف شيئاً عن الحرب ولا يتقن ادارتها. سيطر على القرار وأزاح كل العسكريين المتخصصين جانباً. يتدخل في كل صغيرة وكبيرة وفي رسم الخطط، وهو ما يعرضنا لهزائم ونكبات وكوارث على كل الجبهات. تحدث بصراحة ومرارة. كيف يجرؤ على مثل هذا الكلام؟ - أعرف عدنان خيرالله منذ وقت طويل. وهو حزبي قديم ويعرف انني لن اوقع به. الرجل عسكري محترف وصاحب رصيد في الجيش. آلمته الخسارة وإصرار صدام على قرارات تدفع الجيش العراقي نحو الهزيمة. قلت له إذا استمرت إدارة الحرب على هذا المنوال سيدخل الإيرانيونبغداد. وافقني بألم وحكى لي عن جملة أشياء. قال إن ضباطاً لامعين في الجيش حولهم إلى أصفار. وتحدث بألم عن الشبان العراقيين الذين يخوضون معارك طاحنة ويستشهدون فيما ينسى الإعلام تضحياتهم ولا يتحدث إلاّ عن صدام، فهو واضع الخطط والمشرف على التنفيذ وصانع أي نجاح. الغيت من ذاكرة الإعلام العراقي صور الشهداء والأرامل ولم يبقَ إلا شخص صدام حسين. زاد كلام عدنان خيرالله قناعتي. عدت إلى نيويورك وفي شهر تموز يوليو ارسلت كتاب استقالتي. ماذا كان رد فعل صدام؟ - ارسل لي صهره حسين كامل. زارني في نيويورك وحاول بكل الطرق اقناعي بالعدول عن الاستقالة. قال إن البلد في حرب وأنت شخص معروف ولك تاريخ في الحزب وسيستغل الإيرانيون استقالتك ضدنا. أرجوك فلنبحث عن حل. مستعدون لأي وظيفة تطلبها. عرض اغراءات مالية ووظيفية. لنعد إلى مقتل عدنان خيرالله؟ - ذهب صدام وعائلته وعدنان وآخرون إلى شمال العراق في لقاء ذي طابع عائلي. خلال عودة عدنان انفجرت طائرة الهليكوبتر. التفسير الرسمي الذي قدم هو أن الطائرة سقطت بفعل العاصفة. وقال فنيون إن الرواية غير مقنعة وان الطائرة كانت ملغومة. هل تعتقد فعلاً بأن صدام قتله؟ - نعم، وهذه قناعة موجودة لدى معظم العراقيين. عدنان خيرالله صاحب رصيد وسمعة واسعة في الجيش. وهذا كاف ليقرر صدام ازاحته. وفي المناسبة لم يحصل تحقيق جدي في الحادثة. صدام والكويت جئتم إلى السلطة في 1968، هل كان صدام يومها يعتبر الكويت جزءاً من العراق؟ - لا. استطيع التأكيد ان لا صدام ولا الآخرين كانوا يعتقدون ذلك. لم يكن الموضوع مطروحاً ولم يبحث ولو مرة واحدة. كان هناك تسليم عام بأن موضوع الكويت انتهى وباتت دولة مستقلة وعلينا التعامل مع الواقع الجديد. أكبر طموح كان موجوداً لدى البعض هو أن تكون العلاقة مميزة فالبلدان لديهما حدود مشتركة واصول الكويت ربما تكون عراقية في هذه الحدود وليست أكثر. لماذا اجتاح صدام حسين الكويت؟ - واجه صدام بعد انتهاء الحرب مع ايران واقعاً جديداً. جيش يزيد عدد أفراده على مليون شخص خاض حرباً على مدى ثماني سنوات وصار يشكل عبئاً في أكثر من اتجاه. التفت صدام ووجد أمامه ديوناً هائلة لن يستطيع العراق ايفاءها. طبعاً ابتهج صدام بما اعتبره "انتصاراً" وتحركت ماكينته الدعائية. في الوقت نفسه كان عليه ان يواجه حقيقة تردي الوضع الاقتصادي والحيلولة دون تسببه، مع عوامل أخرى، في سقوط نظامه. لم يجد صدام حلاً أفضل من دخول الكويت ووضع يده على ثروتها النفطية وربما التفاوض حول الديون والدور مستقبلاً. طبعاً هذا تفسير سريع لكنني اعتقد بأن وطأة الديون كانت المحرك الأول له. جس صدام نبض اطراف عدة قبل تنفيذ خطته ومن دون أن يكشف نواياه. في هذا السياق يأتي لقاؤه مع السفيرة الأميركية ابريل غلاسبي. استنتج صدام من هذا اللقاء ومن محاولات أخرى لجس النبض ان دخوله الكويت لن يتسبب في رد فعل غير عادي من جانب الغرب. في المقابل كان صدام ينوي تقديم منافع كبرى للغرب وبينها خفض أسعار النفط وفتح أسواق الكويت واضافة الى ذلك لعب دور الحليف والشرطي في المنطقة. ربما من سوء حظ صدام حسين ان الوضع الدولي لم يكن ملائماً لحساباته فقد كان الاتحاد السوفياتي يتداعى. صدام وسورية كيف كانت مشاعر صدام تجاه سورية والحزب الحاكم فيها؟ - لم يكن لديه أي ود تجاه القيادة السورية. هنا أريد أن اقول انه قبل تسلمنا السلطة وبعدها كان الرئيس الراحل حافظ الاسد يبعث برسائل يؤكد فيها رغبته في قيام أفضل العلاقات والتفاهم معنا. وللأمانة كان البكر يثق بالاسد ويحبه ويكن له وداً ورأيه فيه ايجابي تماماً. هذا كلام سمعته أنا وسمعه غيري. العائق الأكبر امام هذا التقارب كان صدام حسين الذي اعتبر ان موقعه سيكون ضحية أي تقارب بين بغداد ودمشق. كان صدام حاقداً على الاسد لشعوره ان الرئيس السوري لا يسلم له بالزعامة في المنطقة. كان صدام يزرع الألغام أمام أي محاولة جدية للتقارب بين العراق وسورية. وبلغت هذه السياسة ذروتها حين اعتبر تهمة التعامل مع سورية ذريعة كافية لاعدام كادرات قيادية في الحزب، وذلك غداة توليه الرئاسة خلفاً للرئيس البكر. تحدث صدام عن مؤامرة. والواقع ان المؤامرة لم تكن موجودة. صدام والخليج ما هي مشاعره تجاه أهل الخليج؟ - مشاعره غير طيبة تجاههم، لا يكن لهم التقدير. يتعامل معهم باستعلاء كي لا أقول أكثر. اقول من دون مبالغة ان صدام ينظر الى الحكام العرب كأنهم وكلاء عابرون لا قدرة لهم على القرار ويعتبر نفسه الرجل الأجدر بقيادة العالم العربي. يعتبر نفسه قائداً تاريخياً؟ - لو عدت الى خطبه لوجدت أن لديه شعوراً بأنه صاحب مهمة انسانية كبرى أي أكبر من الأمة العربية. يعتقد بأن حجمه أكبر من أن تستوعبه الساحة العربية. يكره اسرائيل جداً؟ - نعم. موقفه معروف من اسرائيل ككيان. ... الاميركيون والسوفيات قيل انه أجرى اتصالات بالاميركيين خلال وجوده في القاهرة؟ - اعتقد بأن قصصاً كثيرة الصقت به. شخص يريد أن يحكم الأمة العربية أو أن يقودها هل يقبل أن يكون عميلاً ل"سي اي ايه"؟ اشك في ذلك. كيف كانت علاقته مع السوفيات؟ - علاقات قوية جداً لكنها علاقات مصلحة وهو كان يبرمجها وفق مصالح نظامه ومشروعه ولا يسمح للسوفيات بالتأثير على قراره أو التدخل في الشؤون الداخلية. كرهه للشيوعيين صريح؟ - لا شك في ذلك. الاتفاق مع مصطفى البارزاني في 11 آذار مارس 1970 وقع صدام اتفاق الحكم الذاتي مع ملا مصطفى البارزاني هل فعل ذلك عن قناعة؟ - خلال اللقاءات التي كنا نعقدها في سياق التخطيط لاطاحة حكم عبدالرحمن عارف كنا نستعرض المشاكل التي سيتعين علينا مواجهتها في حال نجاح حركتنا. وكان واضحاً ان الموضوع الكردي سيكون في مقدمها. وظهرت في تلك الاجتماعات قناعة مفادها انه لا يمكن حل المشكلة مع الأكراد بالوسائل العسكرية نظراً لطبيعة المشكلة وطبيعة المنطقة التي يقطنها الأكراد. ثم ان استمرار النزاع مع التنظيمات الكردية المسلحة يستنزف امكانات الدولة العراقية ويشغلها عن البناء الداخلي من جهة وعن دورها في النزاع العربي - الاسرائيلي من جهة أخرى. في ضوء ما حصل لاحقاً تبين ان صدام لم يوقع بيان 11 آذار 1970 عن قناعة. لعله اعتبر ان مصلحته ومصلحة النظام تقضيان بالحصول على هدنة لالتقاط الانفاس. مشكلة صدام انه يبرم اتفاقات لكن قناعته الحقيقية هي ان الأمور يجب أن تحسم في الميدان أي عن طريق القوة القاهرة. ثم انه من الصعب عليه أن يتعايش مع أي رجل قوي أو هناك انطباع بأنه قوي. وهذا ما يفسر توقيعه مع البارزاني وقراره بعد فترة غير طويلة باغتياله فكانت محاولة الاغتيال الشهيرة. محاولة اغتيال البارزاني هل تجزم انه كان صاحب فكرة الاغتيال؟ - نعم. ومن كانوا في القيادة آنذاك يعرفون هذه الحقيقة. صدام اتخذ القرار واوكل التنفيذ الى ناظم كزار مدير الأمن العام. وحتى ولو تجاهلنا المعلومات المتوافرة في الدائرة الحزبية الضيقة هل يعتقد أحد بأن كزار المدين لصدام بموقعه يجرؤ على اتخاذ قرار من هذا النوع وبهذا الحجم يمكن أن يغرق البلد مجدداً في الاقتتال. اكثر من ذلك أقول ان صدام وضع الخطة شخصياً وأشرف كزار على التنفيذ. يجب الانتباه هنا الى اسلوب صدام. في تلك المرحلة لم يكن غروره بلغ الحد الذي يمنعه من رؤية موازين القوى. حين يحتاج يتنازل ويوقع لكنه لا ينسى أبداً انه تنازل ويستعد للعودة عن هذه التنازلات لاحقاً. الاتفاق مع الشاه وتوقيعه اتفاق الجزائر مع شاه ايران محمد رضا بهلوي في 1975؟ - يمكن قراءته في ظل الظروف الداخلية والاقليمية التي كانت سائدة. لم يكن ذلك الاتفاق سهلاً، لكن صدام كان قادراً على اتخاذ القرارات الصعبة. كان يريد تدعيم سلطته في الداخل واستكمال هيمنته على كل المواقع بانتظار ان تكتمل الظروف التي تمكنه من انتزاع الموقع الأول في البلد. في تلك الفترة كان الجيش العراقي منهكاً في القتال مع الأكراد ولديه مشاكل تسلح وذخيرة. الأكراد كانوا مدعومين من ايران وقوى أخرى كثيرة ومناطقهم صعبة وهم أصحاب خبرة في القتال. حرب العصابات صعبة على الجيش النظامي. جاءت فرصة الجزائر فاعتبرها ثمينة جداً لعقد صفقة مع الشاه على حساب الأكراد. محمد رضا بهلوي كان أيضاً يحتاج الى الاتفاق اذ كان العراق يدعم المعارضة الايرانية. غداً حلقة سادسة