قد تكون الصدفة وحدها أو الاجراءات التقنية حتمت ذهاب المغاربة إلى صناديق الاقتراع في انتخابات البلديات في 12 أيلول سبتمبر الجاري، أي بعد يوم واحد من الذكرى الثانية للهجمات الإرهابية في نيويورك وواشنطن. لكن البعد السياسي في التوقيت يظل قائماً، أقربه أن الهجمات الانتحارية في الدار البيضاء في السادس عشر من أيار مايو الماضي فتحت جراحات الخصومات السياسية بين الإسلاميين والعلمانيين. وهي ظاهرة جديدة في التقاليد السياسية في المغرب، طالما أن العنوان الكبير للديموقراطية يعني الاذعان إلى نتائج صناديق الاقتراع. وان تجربة الجزائر، البلد المجاور للمغرب، في تبني منهجية الاستئصال لم تكن مفيدة، وبالتالي فإن تبادل الاتهامات في شأن المسؤولية المعنوية عن الهجمات اختزال بسيط لمعادلة أكبر، مفادها أن الظاهرة الإرهابية مثل العدوى تنتشر متى توافرت أرضية خصبة للميولات الاجتماعية والنفسية والثقافية المتطرفة. والأكيد أنها ليست حكراً على عقيدة أو جنس أو زمان، لكن الحرب ضدها لم تنجح من منطلق استئصالي، بدليل أن الولاياتالمتحدة على رغم ما حشدته من جيوش واستخبارات وإمكانات، لم تستطع إلى الآن أن تتذوق طعم الانتصار على الإرهاب، إن لم نقل إن مرارة بعض الاخفاق هي المهيمنة. والفرق بين الهجمات الإرهابية التي تتعرض لها دولة عربية لا يرادف تلك التي تتعرض لها أميركا أو دولة غربية، على رغم أن دم الأبرياء من أي جنس أو لون أو دين محرم هدره بغير حق أو قانون. قد تكون مشكلة بعض الدول العربية في تعاطيها والمسألة الإرهابية أنها تسعى لأن تكون أميركية أكثر من الأميركيين، أو أنها ضحية كذلك للإرهاب الأعمى. إلا أن الفارق في المواقع والمنطلقات يتغاير بين حال وأخرى. والأمر ان كان في وضع الأميركيين يتعلق بأطراف أو جهات خارجية قطعت آلاف الأميال لضرب المصالح الأميركية، وكان الرد أكثر عنفاً عبر ذهاب البوارج واحتلال أراضي الغير بالقوة، فإنه في الحالات العربية يعكس صراعات داخلية لا يمكن أن يبررها منطق أو موقف، لكنها موجودة. وبالتالي فالحرب ضدها تتفاعل ضمنها، ما هو داخلي وما هو ثقافي وسياسي واخلاقي. والأمر ليس جديداً في تاريخ الصراعات ذات الأبعاد الدينية أو السياسية، لكن الجديد فيها هو "عولمة الظاهرة" نتيجة الاختزال الكوني في طرائق الاتصال وتدفق الأنباء وشحن العواطف والعقول. في الحروب المغربية الصغيرة على خلفية المنافسات الانتخابية طغت تداعيات هجمات أيار الماضي، من منطلق أنها كانت صادمة للوعي والاستقرار وصورة التعايش التي تريد أن تظهر بها البلاد. لكن الاستقرار الحقيقي تحميه الديموقراطية، إذ تنبني على احترام حرية الاختلاف وتدبير مظاهر التعددية والاذعان لإرادة الشارع. وقد تكون مشكلة بعض الفاعلين السياسيين أنهم غير ديموقراطيين، حيث تضيع أسس البناء الديموقراطي مع النزعة التسلطية أو الاستئصالية. لكن حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي، بصرف النظر عن أي اتفاق أو اختلاف مع طروحاته، يكون قد نزع إلى احتواء الموقف من خلال تقديم عدد أقل من المترشحين. وسواء فعل ذلك بمحض إرادته أو استجابة لطلب، فإن تجنب المواجهة حكمة، حتى لو أن مرتكز أي منافسات انتخابية على المواجهة بين الأفكار والبرامج وليس الأشخاص. بيد أن السؤال الذي يفرض نفسه هل أن انتخابات وفق هكذا حسابات واكراهات تعكس الميول الحقيقية للشارع؟ لا أحد يقبل التطرف. وحتى في البلدان العريقة في الديموقراطيات يتنادى المفكرون والسياسيون إلى مواجهة الميول المتطرفة عنصرياً ودينياً وسياسياً، والقضية تختزل وفاقاً مبدئياً حول المشاريع المجتمعية التي يراد بناؤها. والعبرة أن تصبح الانتخابات تمارين سياسية على تقبل أكبر جرعات الديموقراطية لمعافاة المجتمع.