قد يخطئ السياسيون المغاربة مرتين في حال اعتبروا الهجمات الإرهابية على الدار البيضاء فرصة لإنهاء الوجود الشرعي لحزب "العدالة والتنمية" الإسلامي، الأولى لأن الحزب دان مثل باقي الشركاء السياسيين الهجمات الانتحارية بشدة واعتبر أنها معزولة في سياق اللجوء إلى العنف كظاهرة كونية. والثانية لأن المعركة الانتخابية المقبلة على الصعيد المحلي ستكون بلا طعم في غياب التيار الإسلامي. وقد يفهم الإصرار على تحميل الإسلاميين المعتدلين مسؤولية الهجمات بطرق غير مباشرة بأنه يتعلق بتصفية حسابات سياسية على خلفية تزايد نفوذ "العدالة والتنمية" في الانتخابات الاشتراعية للعام الماضي. في الحالين معاً، ستكون الديموقراطية الغربية الخاسر الأول، طالما أن المغرب استطاع أن يؤكد منهجية استقطاب الإسلاميين إلى مربع اللعبة السياسية، انطلاقاً من تجربته الراهنة من دون أي حرج. بل انه إلى ما قبل تشكيل حكومة التكنوقراطي ادريس جطو لم يكن يستبعد قيام حكومة ائتلاف بمشاركة "العدالة والتنمية"، وسيصبح التناقض جلياً بين ديموقراطية كانت تقف على قدمين وتشد إليها الاهتمام، وبين أخرى عرجاء تقصي قوة سياسية انتزعت الفوز عبر صناديق الاقتراع. ما أنفك المغاربة يؤكدون أن استحقاقات خريف العام الماضي كانت نزيهة وشفافة ولم يشبها التزييف. ويستندون في ذلك إلى التقدم الذي أحرزه "العدالة والتنمية" المعارض. وعين المفارقة أن يذهب الناخبون إلى اقتراع الانتخابات المحلية في خريف العام الجاري على خلفية اقصاء الحزب الإسلامي، لأن ذلك يعتبر انتكاسة للتجربة الديموقراطية في أقل تقدير. فالاقصاء، تحت أي ذريعة، ليس ممارسة ديموقراطية. وقد يفهم الاقصاء على أنه ليس ناتجاً عن إبعاد من ليسوا ديموقراطيين كما يحاول البعض أن يصور ذلك، وإنما انتقام ذو خلفية سياسية واقتصادية، بالنظر إلى أن انتخابات البلديات ستجرى في غضون اعطاء صلاحيات أكبر للمنتخبين المحليين، وتحديداً لرؤساء مجالس المدن. وثمة من يذهب إلى أن الدار البيضاء، القلب الاقتصادي والتجاري النابض للمملكة، ستكون محوراً لمنافسات انتخابية شرسة. والحال ان اقصاء الإسلاميين من تلك المنافسة لن يكون في مصلحة توجه كهذا. وعلى رغم الخلاف بين التجربتين المغربية والجزائرية في التعاطي والمسألة الإسلامية، كونهما يتغايران في الأهداف والمنطلقات ونوعية الأزمة، فقد ابانت التطورات ان اقصاء "جبهة الإنقاذ الإسلامية" لم يكن حلاً. وحين احتاجت الجزائر إلى أن تجمع مكوناتها الإسلامية على مائدة المفاوضات، كانت "جبهة الإنقاذ" تحولت إلى جبهات أكثرها عنفاً التيار المسلح. وبالتالي يصح الاعتقاد بأن أي دعوة صريحة أو متسترة لجهة حل حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي لن تختزل المشكلة، عدا أن الهجمات الإرهابية في الدار البيضاء لم تجد من يتبناها، وبعكس ذلك، كانت ادانتها شاملة وكاسحة. لن يصبح المغرب دولة علمانية مهما ارتفعت دعوات فصل الدين عن الدولة، وبالمقدار نفسه فإنه محكوم عليه بالتعايش داخل فسيفساء مركبة الامتدادات بين العروبة والإسلام والامازيغية والافريقية. ومن الخطأ اقصاء أي بعد لهذه التركيبة، فالإسلام وحده ظل العنصر الموحد للبلاد. وكما أنه ليس حكراً على حزب أو تيار، فإنه كذلك ليس مسؤولاً عن انفلات هجمات إرهابية طائشة وعنيفة، لكنها معزولة.