كانت الحكومة الفلسطينية تناقش قرارات للتضييق على حركتي "حماس" و"الجهاد"، فإذا باغتيال المهندس اسماعيل أبو شنب يحبط اجراءاتها. إسرائيل تفضل طريقتها في العمل، لم تتخلَّ عن سياسة الاغتيالات على رغم "الهدنة"، ارادتها في أي حال هدنة من جانب الفلسطينيين وحدهم، فهي لم تلتزمها يوماً، بل أنها نفذت عمليات هادفة لنسف الهدنة. اسرائيل تفضل العودة إلى ما قبل الهدنة لأنها تعني العودة إلى ما قبل "خريطة الطريق"، وهي لا تريد هذه "الخريطة" ولا قيودها ولا مراحلها ولا التزاماتها. هناك طريقة من اثنتين: إما أن تقوم إسرائيل بالاغتيالات وتتحمل مسؤولية تخريب الهدنة، وبالتالي تخريب مسار "خريطة الطريق"، وإما أن تتولى السلطة الفلسطينية تلك الاغتيالات نفسها وتستحق عندئذ شهادات تقدير من الأميركيين والإسرائيليين. فإذا كانت إسرائيل هي التي تغتال ناشطين من "فتح" أو "حماس" أو "الجهاد"، فإن هذه الفصائل التي صنعت الهدنة ستضطر إلى الرد على استهدافها. ماذا يمكن ان يكون ردّها إذا كانت الجهة التي تغتال فلسطينية؟ هناك في إسرائيل والولاياتالمتحدة من يراهن منذ زمن على حرب أهلية فلسطينية ويجد فيها مصلحة له، وهناك في الجانب الفلسطيني من يتجاهل احتمال مثل تلك الحرب، بل يقلل من مخاطرها. لا يزال هناك رهان أميركي - إسرائيلي على "أبو مازن" وحكومته، ولا تزال هناك ثقة بالرجل. لكن من يراهنون عليه ويثقون به ليسوا مستعدين لمساعدته. ومن الواضح أن الإسرائيليين لم يعودوا يلعبون ورقة "أبو مازن" كما كانوا يفعلون، ولا شك أن مسلسل الاغتيالات والعمليات الانتحارية سيغرق حكومته في دوامة التضليلات الإعلامية ذاتها التي استخدمها صبيان ارييل شارون ضد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ولا يزالون يفعلون. طبعاً هم يعلمون ان "أبو مازن" لا علاقة له بأي عملية لكنهم يحملونه المسؤولية، وكانوا يعرفون أن عرفات ليس من يعطي أوامر لتنفيذ عمليات لكنهم عينوه مسؤولاً عنها وأقنعوا رئيس الولاياتالمتحدة بأن كل الشرور والأضرار وكل الإرهاب تأتي من مبنى المقاطعة في رام الله، وهو صدّق ولا يزال مصدّقاً. تصرفت إسرائيل أمس بضوء أخضر أميركي، قد يكون الضوء الأول منذ البدء "رسمياً" بتنفيذ "خريطة الطريق"، فاغتالت قيادياً من "حماس" واغتالت معه الهدنة، مثلما اغتالت هيبة الحكومة الفلسطينية. ولم يجد كولن باول سوى أن يدعو عرفات ل"المساعدة"! في إطار مناشدته الأسرة الدولية ممارسة الضغط على "حماس" كي توقف هجماتها. لم يكن لديه أي كلمة تجاه اسرائيل، لم يتذكرها، وليس لديه أي مطلب منها، فهي بالنسبة إليه تقوم بما يتوقعه منها. لقاءات كثيرة تمت بين الفلسطينيين والإسرائيليين على قاعدة الهدنة، وجرت لقاءات في البيت الأبيض، ولم تغير عصابة شارون نهجها بل تعمل كما لو أن "خريطة الطريق" لم توجد أصلاً أو أنها وجدت فقط للضغط على الجانب الفلسطيني. وفي مقابل اطلاق عدد من الأسرى الفلسطينيين اعتقل الإسرائيليون اعداداً جديدة، وفي ظل الهدنة قتلوا وهدموا منازل واجتاحوا مناطق. ومن الواضح أن ما يتوقعونه من الفلسطينيين هو ما يقومون به هم أنفسهم، لكن أي حكومة فلسطينية لا تستطيع ذلك حتى لو توفرت لها القدرات. وإذ توقعت حكومة "أبو مازن" أن يترجم "التفهم" الأميركي بتغيير في النهج الإسرائيلي، فإن الوقائع برهنت لها أن عصابة شارون نالت دعماً أميركياً لتكييف "خريطة الطريق" مع مصالحها.