في ضوء شعور اسرائيل بقرب رد "حركة المقاومة الاسلامية" حماس ايجابا على اتفاق لوقف النار من المقرر ان تنقله الى الحكومة الفلسطينية والمصريين في الساعات المقبلة، حسمت القيادة الاسرائيلية امرها بلغة واضحة واعلنت رفضها المطلق اتفاق "الهدنة" الذي يقضي بوقف العمليات العسكرية "الاستشهادية" والذي عكفت الحكومة الفلسطينية وأطراف عربية اخرى على اخراجه الى حيز الوجود خلال الأشهر الماضية تمهيداً للبدء في تنفيذ "خريطة الطريق". وجاءت المعارضة الاسرائيلية لاتفاق وقفٍ للنار مقرونة بمطالبة السلطة الفلسطينية ب"محاربة جميع التنظيمات وتفكيك بنيتها التحتية" والتي رددها مسؤولون عسكريون اسرائيليون امس غداة اصدار وزير الدفاع الاسرائيلي شاؤول موفاز، الشخص الاقوى في حكومة أرييل شارون، "حكمه" على الحكومة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس ابو مازن بلهجة تهديدية، قائلاً ان الأخير "حسم مصير العملية السياسية عندما لم يتول فوراً المسؤولية الامنية مباشرة بعد قمة" العقبة. وتحدث موفاز ورئيس اركان جيشه موشيه يعلون والجنرال عاموس غلعاد الذي يقود المفاوضات الامنية مع الفلسطينيين وقائد ما يسمى بالمنطقة الجنوبية قطاع غزة الذي ينهي مهامه قريباً دورون ألموغ، بصوت واحد ضد اتفاق "الهدنة" في الوقت الذي صعدوا فيه لهجتهم التهديدية ضد الرئيس ياسر عرفات. وقال موفاز ان الحوار الذي تجريه السلطة الفلسطينية مع فصائل المقاومة الفلسطينية "امر لا يهمنا"، مضيفا ان اسرائيل تطالب السلطة الفلسطينية ب"محاربة جميع التنظيمات والقضاء على بنيتها التحتية". وكان غلعاد وصف في وقت سابق الهدنة بأنها "لا تشكل فقط تهديدا للسلام بل تعطي حماس الوقت لبناء قوتها والخروج بعد ذلك لتنفيذ عمليات قتل على نطاق اوسع". وقال المسؤول الاسرائيلي عن شؤون الاحتلال في الحكومة الاسرائيلية للاذاعة الاسرائيلية: "من المحظور علينا ان نهتم بهذه الهدنة ... الهدنة نظام يناقض تولي المسؤولية، ونتوقع من السلطة الفلسطينية ان تتولي المسؤولية وتقضي على الارهاب". وكان شارون قال ان اسرائيل "لا توافق على اي صيغة للتسوية بين المنظمات والسلطة الفلسطينية غير تسوية تفكيكها ونزع سلاحها". اما الجنرال الموغ فعاد وأكد مواصلة اسرائيل سياسة الاغتيالات "ضد القنابل الموقوتة"، وهو مصطلح تستخدمه اسرائيل للاشارة الى الفلسطينيين الذين ينوون شن هجمات ضدها. ووصف الموغ في تصريحات احد قادة "حماس" السياسيين الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي الذي نجا من محاولة اغتيال فاشلة قبل نحو اسبوعين، بأنه قنبلة موقوتة واوضح: "نحن نعتبر الرنتيسي قنبلة موقوتة لأنه يرسل الارهابيين لتنفيذ عمليات"، في تلميح واضح الى استمرار استهدافه من قبل الاذرع العسكرية الاسرائيلية. وعلى رغم الزخم السياسي والديبلوماسي الذي تشهده المنطقة والذي تدفع باتجاهه الادارة الاميركية نفسها، بدا ان الحكومة الاسرائيلية الحالية حسمت امرها باتجاه نسف خطة "خريطة الطريق" قبل ان تبدأ. اذ نقل المحلل الاسرائيلي الرئيس في صحيفة "هآرتس" العبرية الوف بن عن موفاز تذمره وانتقاده الشديد لحكومة محمود عباس ابو مازن والذي وصفه بأنه يفتقر الى "القيادة والتصميم"، مضيفا ان شخصيته لم تجترح من "عجينة قيادية". وقال موفاز: "عباس حسم مصير العملية عندما لم يأخذ المسؤولية الأمنية مباشرة بعد قمة العقبة، معربا عن قلقه في الوقت ذاته مما اسماه بوجود قيادة فلسطينية "برأسين"، في اشارة الى الرئيس ياسر عرفات. وقال موفاز ان الاسابيع الثلاثة الماضية بعد قمة العقبة اظهرت "تآكلا" في قوة عباس ووزير الشؤون الامنية في حكومته محمد دحلان، مشيراً إلى ان "حذر دحلان" فاجأه. وتابع في وصفه لدحلان ان الأخير "يحسب خطواته وفقا لليوم التالي في معركته من اجل القيادة الفلسطينية". وحذر موفاز من ان اسرائيل "ستعيد النظر في شأن ابعاد عرفات الى الخارج" إذا ما "اقلع" رئيس الوزراء الفلسطيني في المرحلة المقبلة. وكشف الوف بن في مقاله ان "الحزمة الامنية" التي يجري التفاوض في شأنها بين الاسرائيليين والحكومة الفلسطينية والتي تشمل انسحابا اسرائيليا من "بعض المناطق" تقضي ايضا بان توقف السلطة الفلسطينية العمليات ضد اسرائيل في الضفة الغربية "وان لم يجر ذلك من خلال الاعتقالات". يذكر ان الجيش الاسرائيلي اعاد احتلال جميع المدن الفلسطينية الثماني في الضفة منذ أواخر آذار مارس العام الماضي وينفذ عمليات اعتقال واغتيالات واقتحام متواصلة. وهدد موفاز بأنه اذا لم تبدأ السلطة الفلسطينية ب"محاربة التنظيمات" فإنها ستقدم على اعتقال زعماء سياسيين من "حماس" مثل الرنتيسي ومحمود الزهار والزعيم الروحي للحركة الشيخ احمد ياسين. دحلان يحمل اسرائيل المسؤولية من جهته، حمل دحلان اسرائيل مسؤولية مواصلة "حماس" عملياتها العسكرية، إذ لم تبد اهتماماً بالتوصل الى اتفاق لوقف النار. وقال للاذاعة الاسرائيلية رداً على اقوال غلعاد: "اذا لم تظهر اسرائيل اهتماما بالهدنة، فإن ذلك سيعطي حماس مبررا لمواصلة عملياتها". واشار دحلان الى ان السلطة الفلسطينية رفضت عرضاً اسرائيلياً بتسلم المسؤولية الامنية في مقابل انسحاب اسرائيلي "جزئي". وقال: "رفضنا تسلم مسؤوليات جزئية في انسحابات شكلية… الاسرائيليون يريدون منا تسلم المسؤولية الامنية بينما تجوب دباباتهم طرقات القطاع… وقف الاغتيالات والتوغلات وهدم المنازل وقطع الطرق مطلب السلطة الفلسطينية وليس مطلب حماس فقط ومن دون ذلك لن نتقدم في المسيرة". واعترف دحلان بالضغوط الاميركية على الجانب الفلسطيني لتسلم المهام الامنية في اجزاء من قطاع غزة، وقال: "رفضنا الاستسلام لهذه الضغوط التي تمارس علينا منذ اسبوعين". عرفات والحكومة الاسرائيلية من جهته، أكد الرئيس الفلسطيني ان الحكومة الاسرائيلية تحاول تعطيل تنفيذ خطة "خريطة الطريق" من خلال تفجير الاوضاع. وقال للصحافيين امام مقره المحاصر في مدينة رام الله في اعقاب زيارة القنصل البريطاني العام في القدس جيفري ادامز الذي جاء مودعاً، ان التصعيد العسكري الاسرائيلي "محاولات من القيادة الاسرائيلية لتفجير الأوضاع أكثر وأكثر وبالتالي تعطيل تنفيذ خريطة الطريق. هذه الجرائم ترتكب واللجنة الرباعية ما زالت في البحر الميت تعقد اجتماعاتها". وفي ما بدا دفاعاً عن النفس في وجه التهديدات الاسرائيلية، قال عرفات: "قراري الذي أؤكده انني لم اوقف أي اجتماع أمني أو سياسي أو اقتصادي أو عسكري لتسهيل العمل والمعيشة لشعبنا والحفاظ على سلام الشجعان الذي وقعته مع شريكي اسحق رابين". يعالون: فكرنا في اغتيال عرفات وكان رئيس اركان الجيش الاسرائيلي موشيه يعالون كشف علناً للمرة الأولى خلال كلمة القاها اول من امس في اجتماع لوزارة الصناعة والتجارة الاسرائيلية، ان اسرائيل ناقشت غير مرة قتل عرفات. وقال ان قتل عرفات "درس بمفاهيم المنفعة والكلفة، لكن الصحيح انه في كل مرة يجب العودة والبحث مجدداً في ما اذا كانت تقديراتنا في موضوع الكلفة والمنفعة سليمة". "حماس" و"الجهاد" تتمسكان بالحوار وفي غزة أ ف ب، اعلنت "حماس" و"الجهاد" انهما ما زالتا تدرسان مقترحات ابو مازن من اجل التوصل الى هدنة. وقال القيادي البارز في "حماس" عبدالعزيز الرنتيسي ان "من حق حماس ان تأخذ الوقت الكافي لإتمام النقاش في اطرها ومؤسساتها الحركية قبل ان تعطي القرار النهائي". أما القيادي في "الجهاد" محمد الهندي فقال إن "النقاشات الداخلية في الحركة ما زالت متواصلة"، مضيفاً ان الحركة "لم تبلور حتى الآن موقفها النهائي في شأن المقترحات". اجتماع أمني إسرائيلي - فلسطيني من جهة اخرى، بدأ الاسرائيليون والفلسطينيون بعد ظهر امس اجتماعا امنيا جديدا في شأن نقل بعض المناطق التي اعادت اسرائيل احتلالها للسلطة الفلسطينية. وافادت الاذاعة الاسرائيلية ان الاجتماع يعقد في المركز العسكري الاسرائيلي في "ايريز" على المدخل الشمالي لقطاع غزة. ويشارك في اللقاء غلعاد ودحلان واللواء عبدالرزاق المجايدة مدير الامن العام في قطاع غزة. ويهدف اللقاء الى مواصلة البحث في الترتيبات الامنية الخاصة بالانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة وبيت لحم كخطوة اولى في اطار الانسحاب من المناطق الفلسطينية التي اعيد احتلالها منذ اندلاع الانتفاضة. ويأتي هذا الاجتماع بعد اجتماع عقد مساء الاحد في "ايريز" بحضور مسؤولين اميركيين. وذكرت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية ان المحادثات تناولت اعادة فتح حركة السير من دون رقابة اسرائيلية على محاور الطرق الرئيسية في قطاع غزة. واضافت ان البحث شمل ايضاً احتمال استئناف الدوريات المشتركة بين اسرائيل والفلسطينيين في مناطق عدة خصوصاً في محيط مستوطنات "كيسوفيم" و"غوش قطيف" و"موراغ" و"نتساريم".