للمرة الاولى توافق الحكومة الاسرائيلية على خطة تدعو صراحة الى قيام دولة فلسطينية. لم يكن ارييل شارون يرغب في حدوث ذلك وفي ظل حكومة برئاسته. لكنه اختار "أهون الشرّين" على حد ما نُقل عنه في الاجتماع الماراثوني العاصف لحكومته امس. وبانتزاعه موافقة الحكومة على "خريطة الطريق" بعث اكثر الجنرات دموية في تاريخ الدولة العبرية بمجموعة رسائل هدفها تغطية معارضته القاطعة لأي سلام عادل وشامل. الاولى موجّهة الى ادارة الرئيس جورج بوش ومفادها ان اسرائيل لن تكون عنصر اضعاف للهجوم الاميركي الرامي الى اعادة تشكيل الشرق الاوسط او للموقف الاميركي في "الحرب على الارهاب". والثانية انه قادر على اتخاذ القرارات الصعبة والمؤلمة حتى وان كانت اكثر تعقيداً من تلك التي اتخذها اسحق رابين. والثالثة محاولته الايهام ان مواجهته المفرطة في قسوتها للهجمات الفلسطينية لا تعني انه يوصد الباب نهائياً امام السلام اذا توافر الشريك الفلسطيني المناسب وان لا صحة لما يقوله معارضوه ان وجوده يعني الحرب بلا نهاية. فالجنرال الذي يغتال فرص السلام يومياً يقوم حالياً بمناورة ترمي الى اظهار الفلسطينيين كأعداء للسلام. واضح ان شارون رفض التفريط بما يعتبره ثروة لاسرائيل وهي العلاقة مع الولاياتالمتحدة. وهو نجح بعد هجمات 11 ايلول سبتمبر في ترسيخ علاقة التحالف هذه. ولم يجد بداً من ان تقدم اسرائيل تنازلاً ما بعدما تلقت هدايا كبرى من نوع استبعاد الرئيس ياسر عرفات ودمغ "حماس" و"الجهاد" ب"الارهاب" وإطاحة نظام صدام حسين. ولعله اعتبر ان الخلل الفاضح في موازين القوى الاقليمية والدولية يجيز لاسرائيل التعامل ايجاباً مع "خريطة الطريق" بعد تسجيل التحفظات ونيل التطمينات وإرفاق موافقة الحكومة على الخريطة بقرار يرفض "حق العودة" الى اسرائيل. أخطر ما في قرار حكومة شارون امس نجاح الجنرال القاتل في انقاذ العلاقة الاميركية الاسرائيلية من أزمة في ظرف بالغ الحساسية بالنسبة لواشنطن، وبخاصة من جهة اخرى في دفع الكرة الى الملعب الفلسطيني، فبعد القرار الاسرائيلي سيكون اداء حكومة ابو مازن تحت الرقابة ومعه سلوك الرئيس ياسر عرفات وسلوك "حماس" و"الجهاد" و"كتائب الاقصى". وعلى سبيل المثال يستطيع شارون غداً إصدار الاوامر الى جيشه بإخلاء بعض المناطق ووقف الاغتيالات فهل يستطيع ابو مازن مثلاً الحصول من "حماس" و"الجهاد" على قرار بوقف العمليات خصوصاً الانتحارية داخل اسرائيل؟ واضح ان شارون انتزع موافقة حكومته على الخريطة مراهناً على ان يتحمل الطرف الفلسطيني مسؤولية التسبّب في نسف الجهود الاميركية او عرقلتها مع الأخذ في الاعتبار ان الخريطة ولدت على يد "الرباعية" وحازت تأييداً دولياً وعربياً. ومع عودة الاتصالات الاسرائيلية الفلسطينية والحديث عن لقاء ثلاثي بمشاركة بوش يجد قادة "حماس" و"الجهاد" انفسهم امام وضع يفرض اتخاذ قرارات مؤلمة او الاستعداد لدفع ثمن باهظ.